الخميس، 26 فبراير 2015

هذه مقترحاتي لتشريعات الاستثمار


جريدة الاخبار - 26/2/2015

لو أن هذه التعديلات صدرت في حزمة واحدة تحت قانون واحد دفعة واحدة، إلي جانب القرارات الجمهورية المشار إليها، فإن ذلك سيكون إشارة إيجابية ورسالة أن مصر جادة في تشجيع الاستثمارات العامة والخاصة، الوطنية والأجنبية


هذه هي حزمة التعديلات التشريعية والعاجلة التي أقترح علي الحكومة إصدارها خلال الأسبوعين القادمين للتعامل الفوري مع معوقات الاستثمار الحالية ومعظم هذه التعديلات جاهزة بالفعل للإصدار

1) تعديل قانون المناطق الاقتصادية الخاصة رقم 83 لسنة 2002:

هذا القانون هو الأفضل في تاريخ تشريعات الاستثمار المعاصرة، وهو من أكثر التشريعات المصرية ضبطاً في صياغته، ووضوحاً في غاياته التشريعية. وقد أخذ هذا القانون عن التجربة الأيرلندية في نهاية التسعينات، وكانت من أنجح التجارب عالمياً في ذلك الوقت.. وهذا القانون هو الأمثل للمشروعات القومية العملاقة التي تستهدف تشجيع الصناعة المحلية والتصدير، وجعل مصر مركزاً تجارياً عالمياً بحق وحقيقي. ولعل أهم هذه المشروعات هو مشروع تنمية منطقة قناة السويس، والتي تضم محافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية، ويدخل في نطاقها ستة موانئ بحرية.. تطوير هذه المنطقة صناعياً وعمرانياً يستهدف خلق مليون فرصة عمل علي الأقل خلال العشرة أعوام القادمة، ويساهم في نمو الاقتصاد القومي بما لا يقل عن 30% من إجماليه، وقادر علي جذب استثمارات في مشروعات البنية الأساسية وصناعات السفن واللوجستيات والنقل والزجاج والأثاث والملابس وغيرها، بما لا يقل عن مائة مليار جنيه خلال السنوات الثلاث القادمة وحدها.

هذا القانون هو الإطار القانوني الأمثل لتنمية منطقة قناة السويس، وكل ما نحتاج إليه هو تفعيل هذا القانون، وإدخال بعض التعديلات عليه أهمها أن تكون تبعية الهيئة الجديدة لرئيس الجمهورية لضمان أعلي دعم سياسي، وأفضل تنسيق بين الجهات الحكومية. ومن التعديلات الواجبة كذلك منح سلطات جامعة مانعة لمجلس إدارة الهيئة الاقتصادية لتنمية قناة السويس، تكون لها الولاية الكاملة علي كافة الاختصاصات الحكومية والإدارية داخل المنطقة، بحيث لا يتعامل المستثمر إلا مع جهة واحدة في كل ما يتعلق باستثماراته داخل المنطقة.

2) تعديل قانون الاستثمار الحالي، القانون رقم 8 لسنة 1997:

إن قانون الاستثمار الحالي جيد، ويعكس كافة المبادئ الدولية في تنظيم الاستثمار، المشكلة تكمن في البيروقراطية، وانعدام التنسيق بين الأجهزة الحكومية، وعدم قيام الحكومات المتعاقبة علي مدار الخمسة عشر عاماً بتنفيذ التكليف التشريعي لها بوضع خريطة استثمارية لاستخدامات أراضي الدولة وتسعير وأغراض استخدامها.. بأمانة شديدة، وبحكم خبرتي في تشريعات الاستثمار، لا نحتاج إلي قانون استثمار جديد، ولن يكون إصداره مجدياً علي النحو الذي يتخيله البعض، ما نحن في حاجة إليه هو إدخال بعض التعديلات الجوهرية العاجلة لمعالجة بعض المعوقات الحالية، أهم هذه التعديلات تقديم بعض المحفزات في المجالات الصناعية والمشروعات الزراعية ومشروعات الطاقة البديلة، وكذلك خلق حوافز محددة للاستثمار في الصعيد والمناطق النائية والمشروعات ذات الكثافة العمالية، وتشمل المحفزات المقترحة تمويل البنية الأساسية من جانب الدولة، وتحمل التأمينات الاجتماعية، وإعفاء القروض من ضريبة الدمغة النسبية، ووضع أسعار رمزية للأراضي في غير استخدامات التطوير العقاري. كما أن هناك ضرورة لتفعيل نظام الشباك الواحد من خلال تفويض هيئة الاستثمار في إصدار الموافقات والتراخيص اللازمة لتشغيل المشروعات نيابة عن الوزارات والهيئات المختلفة وفقاً للنظم والأوضاع التي يتم الاتفاق عليها بين هذه الجهات بشكل مسبق ومعلن. ولعله من التعديلات الضرورية كذلك أن يكون التعامل علي كافة أسهم شركات الاستثمار من خلال نظام الإيداع والقيد المركزي حرصاً علي مصالح المساهمين، وصداً للتلاعب والتعاملات الورقية المرهقة للجهاز الإداري، وتوفيراً لمعلومات دقيقة عن حجم الاستثمارات في مصر.. وأميل إلي إنشاء جهاز جديد تكون مهمته الترويج للاستثمار بعيداً عن الدور التنظيمي والرقابي للهيئة العامة للاستثمار، تكون تبعيته المباشرة لمجلس الوزراء.

3) إصدار قرار جمهوري بتكليف الحكومة والأجهزة التابعة لها بالانتهاء من وضع خريطة استثمارية لاستخدامات أراضي الدولة خلال ثلاثة أشهر علي الأقل:

إن من أهم معوقات الاستثمار في مصر رغم أننا لا نستخدم سوي 6% من أراضي الدولة هو مسألة تخصيص الأراضي للاستثمار. ولذا، لن نتقدم خطوة في هذا السياق ما لم يكن هناك خريطة استثمارية واضحة ومحددة المعالم لكافة الأراضي المخصصة للاستثمار. فيجب أن يكون محدداً مساحات هذه الأراضي، واستخداماتها ومواقعها، ومدي توفر المرافق بشأنها، وأسس تحديد أسعارها، هذا هو الطريق الوحيد لحل هذه المشكلة، وغلق كل سبل الفساد والمحسوبية. ولذا يجب تكليف كافة أجهزة الدولة والتزامها بإعداد هذه الخرائط في ضوء خطة الدولة للتنمية واحتياجاتها من المشروعات الصناعية والزراعية، وخطتها للتطوير العمراني. وإذا تحقق ذلك، فسيكون ذلك إنجازاً ضخماً. ويكون لرئيس الجمهورية متابعة كافة أجهزة الدولة لتنفيذ هذا التكليف ومحاسبة المقصر.

4) تعديل قانون الشركات رقم 159 لسنة 1981:

نحن في حاجة إلي قانون موحد جديد للشركات ينظم شركات الأشخاص والأموال والشركات ذات الطبيعة المختلطة، ورغم وجود مشروعات متعددة منذ عام 1991 فإنها لم تر النور لأسباب مختلفة. المهم في هذا السياق ولحين إصدار هذا القانون هناك تعديلات جوهرية ويسيرة يمكن إدخالها، أهمها تبسيط إجراءات التصفية الاختيارية والخروج من السوق، والسماح بإنشاء شركات الشخص الواحد، والمشروعات الفردية ذات المسئولية المحدودة، وتبسيط إجراءات زيادة رؤوس الأموال النقدية في الشركات المغلقة، وتبسيط إجراءات حضور الجمعيات العمومية، والوكالة في حضور الشركات المساهمة.

5) تعديل بعض النصوص العقابية ذات التأثير السلبي علي مناخ الاستثمار:

ليس من المستغرب في مصر أن يجد رئيس مجلس إدارة بنك أو شركة للتنمية العقارية أو شركة عالمية للتصنيع أحكاماً قضائية صادرة ضده بالحبس، بلغ مجموعها في بعض الحالات 40 عاماً بالحبس لمخالفات تتعلق بإشغال طريق في أحد الفروع، أو مخالفة إلقاء قمامة، أو مخالفة مبان لأحد المخازن التابعة للبنك في إحدي القري، وهكذا. وتنشغل الإدارات القانونية لسنوات بهذا النوع من الأمور، ومن الأمثلة العملية، أن رئيس مجلس الوزراء المهندس/ إبراهيم محلب ذاته تعرض لمقالب من هذا النوع من المخالفات وصدر ضده بصفته رئيساً لمجلس إدارة المقاولون العرب عشرات الأحكام بالحبس، وأخيراً، وليس آخراً فوجئ رئيس مجلس إدارة إعمار بصدور حكم غيابي ضده بالحبس في قضية رفعها أحد عملاء الشركة لخلافات تتعلق بوحدته السكنية... وهكذا. لابد من وقفة، وأن تكون مثل هذه المخالفات ضد الشخص الاعتباري، وأن نقر المسئولية المالية للشركات المخالفة، وليس ضد رئيس مجلس الإدارة أو العضو المنتدب بصفته... مصر هي الدولة الوحيدة التي تعاني من هذه المسألة. أيضاً لا بد من معاملة أموال شركات المساهمة الخاصة باعتبارها أموالاً خاصة، ولا يمكن اعتبار أعضاء مجالس إدارتها في حكم الموظفين العموميين.. إن النصوص العقابية التي تعامل أموال شركات المساهمة الخاصة باعتبارها أموالاً عامة، وأعضاء مجالس إدارتها باعتبارهم موظفين عموميين كانت نتيجة تأميم الشركات الخاصة عام 1961 وأيلولتها للدولة، أما وقد انتفي هذا السبب لم يعد من المقبول تطبيق هذه الأحكام واستمرارها في ظل الملكيات الخاصة.

هذا ليس معناه أن تكون أموال هذه الشركات مرتعاً للسرقة ولكنها يجب أن تخضع للنصوص العقابية الخاصة بحماية الأموال الخاصة، وألا تخلط الأوراق ببعضها.

لو أن هذه التعديلات صدرت في حزمة واحدة تحت قانون واحد دفعة واحدة، إلي جانب القرارات الجمهورية المشار إليها، فإن ذلك سيكون إشارة إيجابية ورسالة أن مصر جادة في تشجيع الاستثمارات العامة والخاصة، الوطنية والأجنبية، وأن الحكومة تقر بوجود معوقات، وأنها جادة في إزالتها. هذه التعديلات ستكون الخطوة الأولي والبداية نحو إصلاح مناخ الاستثمار. والاستثمار في النهاية ليس هدفاً في ذاته بل وسيلة للتشغيل وتحقيق التنمية، فإن لم يكن ذلك هو الهدف فلا داعي له. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 19 فبراير 2015

الأمن القومي لا يقف عند الحدود المصرية


جريدة الاخبار - 19/2/2015


إن الضربة الجوية لأهداف عسكرية للإرهابيين في ليبيا؛ لا يجب النظر إليها والتعامل معها علي أنها ضربة انتقامية أو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بل هو في يقيني نقطة البداية


1) الجماعات الإرهابية في ليبيا، ودور مصر في بناء ليبيا الجديدة:

حضرت في وقت حكومة د. عصام شرف عام 2011 لقاءً موسعاً يناقش أهمية تطوير وتنمية سيناء، وأن ذلك خطوة هامة لمواجهة الإرهاب هناك. واعترضت في ذلك الوقت علي إنشاء جهاز تنمية شبه جزيرة سيناء، وأن مزيدا من الأجهزة الحكومية بذات التركيبة والآليات التقليدية ستكون عبئاً علي سيناء ولن نتقدم معها خطوة واحدة. وقد حدث ما توقعته تماماً. ولكن الأهم في هذا اللقاء والذي استلفت انتباهي؛ هو ذلك الصوت الهادئ البعيد الذي كان يصرخ صرخة مكتومة، وهو صوت قائد حرس الحدود في ذلك الوقت، فقد وقف ليؤكد علي أن الخطر الأكبر الذي يواجه مصر وعلينا أن ننتبه إليه هو حدودنا الغربية مع ليبيا، فهي علي اتساعها مصدر الإرهاب الأكبر، والتهديد الأخطر علي الأمن القومي المصري، والنفق الأكبر لتهريب الأسلحة الثقيلة غير المشروعة إلي مصر، وتوجيهها لصدور المصريين وجنودهم. ليبيا منذ فترة طويلة افتقرت لمقومات الدولة بالمعني المؤسسي والتنظيمي، وانهارت تماماً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وصارت مرتعاً للميليشيات المسلحة، وجيباً للإرهاب. وتفتت الدولة؛ والخاسر الأكبر من ذلك الوضع بعد الشعب الليبي هو مصر؛ الذي يتهدد أمنها كل لحظة باستمرار الوضع علي ما هو عليه الآن في ليبيا. إن حماية الأمن القومي المصري لن تتحقق إلا بإعادة بناء الدولة الليبية، والتخلص من توغل سيطرة الجماعات الإرهابية علي حقول النفط الليبي ومقدرات شعبه. إن حماية الأمن القومي المصري تستوجب تفكيك كافة القواعد الإرهابية داخل ليبيا، وتجفيف منابع تمويلها. إن حماية الأمن القومي المصري يستلزم بناء جيش ليبي نظامي مؤسسي، وشرطة وطنية، ونظام تعليمي متماسك.

إن كل ما قامت به قوات تحالف الناتو -عن عمد- هو تفكيك أركان الدولة الليبية وإضعافها وتركها مشاعاً بين الجماعات الإرهابية. وللأسف فإن مصر عليها العمل مع حلفائها علي إعادة بناء ليبيا وجيشها ومؤسساتها علي الرغم من كل ما نعانيه في الداخل، فأمننا القومي يبدأ من ليبيا ومن قلب أفريقيا، ومن فلسطين، وأبعد من ذلك. إن حماية الأمن القومي المصري لا تقف عند حدود مصر، فاستقرار الخليج وحمايته من الأطماع الإيرانية التوسعية والعبث القطري، ووحدة العراق، والمحافظة علي الدولة السورية، وإقامة دولة فلسطين حرة، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية وسياسية وثيقة مع أفريقيا، كلها تصب في حماية مصر من الداخل، وتصب في صميم الأمن القومي المصري.

لقد ضعفت مصر، وتهدد أمنها القومي حينما انكبت علي مشاكلها الداخلية، وتقوقعت داخل حدودها، فلمن يقرأ التاريخ ويستوعبه جيداً يعرف أن انحسار دور مصر الإقليمي يضعفها من الداخل ويهدد أمنها القومي، وهذا ما يريده أعداؤها لها.

إن الضربة الجوية لأهداف عسكرية للإرهابيين في ليبيا؛ لا يجب النظر إليها والتعامل معها علي أنها ضربة انتقامية أو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بل هو في يقيني نقطة البداية، أو هكذا يجب أن تكون، لكي يكون لمصر كلمتها في تشكيل المحيط الإقليمي، ولن يكون ذلك نزهة، فأعداء مصر مهمتهم -في المقام الأول والأخير- انغماس مصر في مشاكلها الداخلية، وإضعافها من الداخل، وحصرها داخل حدودها، وإضعاف دورها السياسي والإقليمي. إن مصر يجب أن تكون فاعلاً وليس مفعولاً به في عالمنا العربي والأفريقي، وبناء النظام الإقليمي الجديد. مصر قادرة علي ذلك -إن أرادت- علي الرغم من التحديات الجسام التي نواجهها.

2) المحافظون الجدد:

علي الرغم أنني مازلت غير مقتنع بتوقيت حركة المحافظين الجديدة، وأنه كان الأفضل سياسياً وتنظيمياً أن تكون هذه الحركة بعد الانتخابات البرلمانية وتكوين الحكومة وفقاً لأحكام الدستور، إلا أنني أتمني النجاح لهؤلاء المحافظين الجدد، فالمحافظ حتي في ظل المركزية المصرية بمثابة رئيس الدولة داخل محافظته. وأدعو المحافظين الجدد إلي أن تكون بداية التحرك من داخل ديوان المحافظة، فمهما كان طموحك ورؤيتك الواضحة ورغبتك الأكيدة في التغيير والتنمية والنجاح؛ فإن رؤيتك وطموحاتك لن تذهب إلي أبعد من حدود مكتبك لو لم تحسن اختيار المعاونين، ورؤساء الأحياء والهيئات التابعة، ومن يؤمنون بذات الرؤية، ومن أصحاب الخبرات والخلفيات الناجحة. وعليك بهدم كل حوائط البيروقراطية. بداية النجاح هو الإصلاح المؤسسي داخل المحافظة. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 12 فبراير 2015

دروس مستفادة من أحداث هذا الأسبوع

جريدة الاخبار - 12/2/2015


آن الأوان لضخ دماء جديدة في قيادات وزارة الداخلية بما فيها وزير الداخلية ذاته... قيادة تعي المرحلة السياسية التي نخوضها، وتعي التغيرات التي حدثت في المجتمع المصري.


 1) مأساة استاد الدفاع الجوي:

كنت أناقش مع أحد لواءات القوات المسلحة السابقين ومن قياداتها المعتبرين أحداث استاد الدفاع الجوي، وارتفاع عدد الضحايا من شباب لم تتفتح بعد ثمرات عمرهم. وحكي لي حكاية لها مغزي، أنه كُلِّف منذ سنوات مضت مع زملاء له بحماية السيادة المصرية علي إحدي المناطق الحدودية المتنازع عليها مع إحدي دول الجوار، وهنا أتحدث عن مناطق حلايب وشلاتين المصرية، وكانت تعليمات القيادة لضباطهم: «عليكم بتنفيذ المهمة بنجاح دون أية خسائر في الأرواح»، وأكدت القيادة «خسائر صفر في الأرواح». وكان الانطباع لدي ضباط العمليات أن قيادتهم تعني خسائر صفر في أرواح أفراد القوات المسلحة، وأن التكليف يعني كذلك خسائر صفر في أرواح المدنيين في المناطق الحدودية. ولم تترك قيادة الجيش فرصة للفهم الخاطئ، فكانت التعليمات أن نجاح العملية العسكرية في هذه الحالة هو حماية السيادة المصرية دون وقوع أية خسائر كذلك في أرواح القوات الحدودية المرابطة في الجيش السوداني، أي المحافظة كذلك علي أرواح أفراد القوات المسلحة للدولة المتنازع معها في ذلك الوقت.

هذه هي العقلية والتدريب النفسي الذي تفتقره بنسبة 100% عقلية أفراد الشرطة في الأمن المركزي ومكافحة الشغب. يجب أن نغرس في عقيدة ضباط وأفراد الشرطة أن مهمتهم حماية المنشآت وأرواح الناس دون وقوع ضحايا. يجب تدريبهم نفسياً وذهنياً وجسمانياً وتكتيكياً علي أنهم معنيون بحماية أرواح الجماهير في حالات الشغب والفوضي، وأن من مهامهم الحفاظ علي النظام والأرواح حتي بين المتظاهرين والمتجمهرين، لأن مهمتهم الأساسية هي حماية هؤلاء حتي من أنفسهم، ولأنه في حالة الشغب والتجمهر في المباريات وغيرها هناك مئات الأبرياء والمسالمين.

إن الإفراط الغبي في استخدام القوة والغاز، والتعامل بمنطق صيد الفئران والحيوانات الضالة، وليس التعامل مع بني آدميين وأرواح وشباب في عمر الزهور، سيؤدي إلي مزيد من الضحايا بين أفراد الشرطة وأبناء الشعب، دون مبرر سوي فشل قيادات الداخلية علي تطوير أدائها، والتطوير من عقلياتها.
وغياب الوعي السياسي لدي هذه القيادات التي في رأيي أصبحت -مع كل الاحترام لوطنيتهم وشجاعتهم- عبئاً علي الدولة وليس سنداً لها... آن الأوان لضخ دماء جديدة في قيادات وزارة الداخلية بما فيها وزير الداخلية ذاته... قيادة تعي المرحلة السياسية التي نخوضها، وتعي التغيرات التي حدثت في المجتمع المصري، قيادة تعي جيداً أن الآليات القديمة فكراً وتسليحاً وتعاملاً لم تعد تصلح لحماية الأمن والنظام في مصر... قيادة قادرة علي التطوير المؤسسي وإعادة التأهيل النفسي والثقافي... قيادة قادرة علي الإصلاح المؤسسي داخل المنظومة الشرطية تجعل الشرطة المصرية عنصراً فاعلاً في عملية بناء مصر جديدة... قيادة قادرة علي أن تجعل من الشباب والمواطنين العاديين ظهيراً لهم وسنداً في محاربة الإرهاب، وليس عبئاً عليهم وعدواً لهم.


2) القوائم الانتخابية للبرلمان القادم:
قائمتا «تحالف الوفد» و»في حب مصر» ستكونان في رأيي القائمتين الأساسيتين في المنافسة، وسيكون لذلك تأثير كذلك علي الانتخابات الفردية. أتوقع لقائمة «تحالف الوفد» الفوز في قوائم محافظات الشرقية وبورسعيد، وأن تكون الغلبة لقائمة «في حب مصر» في الجيزة والصعيد، وستكون معركة قائمة محافظة القاهرة والدلتا صعبة بين القائمتين، وسيكون الفيصل هو حسن اختيار أعضاء القائمة. وألمح تفوقاً طفيفاً في هذا الشأن لقائمة الوفد. أما الإسكندرية ومرسي مطروح فربما تذهب إلي حزب النور علي الأرجح ما لم تحدث مفاجئة.

ومازلت عند رأيي بأن الخريطة السياسية في مصر لن تتضح معالمها إلا بعد الانتهاء من الانتخابات البرلمانية، وأنه ستتكون تحالفات سياسية جديدة تضم تحالف «في حب مصر» و»الوفد المصري»، وحزب المصريين الأحرار، وعدد لا بأس به من المستقلين سينضم إليهم، وهذه التركيبة ستمثل الأكثرية. هذه ليست معلومات؛ بل قراءة سياسية للمستقبل القريب. وأتمني أن تسرع محكمتنا الدستورية العليا بالفصل في الطعون المقدمة ضد القوانين المنظمة للانتخابات قبل الانتهاء من الانتخابات البرلمانية... لا نريد برلمان علي كف عفريت، فذلك ليس في مصلحة الاستقرار السياسي حتي ولو كان البرلمان متعباً ومرهقاً للسلطة التنفيذية. وأرجو من الحكومة ومن لجنة الانتخابات العليا أن توسع من تطبيق الربط الإلكتروني بين الدوائر، وقواعد البيانات للحد من التزوير وسرعة عمليات التصويت، وقد تم تجربة هذه النظم الحديثة بنجاح في بعض الدوائر الانتخابية عند التصويت علي الدستور في 2014 وفي الانتخابات الأخيرة، ومنها دائرة قصر النيل علي ما أعتقد. إن مرور الانتخابات البرلمانية القادمة بسلام وبدون تزوير ومخالفات أمر لا يريده أعداء مصر وجماعات الإرهاب.
فأرجوكم فوتوا عليهم هذه الفرصة... فكثير من خسائرنا هي من صنع أيدينا، فلا تجعلوا الانتخابات القادمة واحدة منها. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 5 فبراير 2015

الإصلاح الاقتصادي علي المسار الصحيح


جريدة الاخبار - 5/2/2015

إن أكثر الأمور صعوبة وخطورة في عملية الإصلاح الاقتصادي هو ما يستوجبه الإصلاح من تغيير لنظم قائمة ومفاهيم سائدة،حتي ولو في المجتمع متفقاً علي فساد هذه النظم والمفاهيم.

لا شك أن خطوات البنك المركزي الأخيرة بشأن تعويم الجنيه المصري، ومحاولة القضاء علي السوق السوداء يلقي معارضة ويراه البعض مخاطرة. والحقيقة أنها خطوةأولي جادة يجب دعمها نحو إصلاح مسار السياسات النقدية.

يجب ألا نتبع سياسات النعام وندفن رؤوسنا في الرمال. لقد مررنا علي مدار الخمس سنوات بصعاب وبهبوط حاد في الاستثمارات، والاحتياطي الأجنبي، وحدث خلل في ميزان المدفوعات التجاري، وعانينا من عدم الاستقرار السياسي، فقامت ثورتان وتبدلت حكومات، فمن المنطقي والطبيعي أن تتأثر قوة العملة المحلية، فالإصرار علي إنكار ذلك يعني مزيدا من الخلل في أسواق العملة، وضغطاغير مبرر علي الاقتصاد وأرباحا غير مبررة لتجار السوق السوداء وخفض للاستثمارات، وتأثيرا سلبيا علي الصادرات. فكان لابد من مواجهة الأمر، وفي رأيي أن قرار البنك المركزي المصري بتعويم الجنيه المصري، ومواجهة السوق السوداء بآليات السوق؛ قد جاء متأخراً بعض الشيء، ومع ذلك فإن ما لا يدرك كله لا يترك كله. وفي تقديري أن البنك المركزي المصري سينجح في القضاء علي ازدواج سعر العملة والسوق السوداء تماماً بنهاية شهر فبراير، ولا شك أن التخفيض الجاري سيصحبه طرح للعملات الأجنبية من خلال آليات السوق ستساهم في القضاء علي السوق السوداء، وستنجح في توفير سيولة لدي البنوك لفتح الاعتمادات اللازمة، وللحد من الرغبة في اكتنازالعملات الأجنبية لدي المودعين.

وعلي الحكومة -علي مسار آخر- أن تعمل علي توفير السلع الأساسية الغذائية علي وجه التحديد من خلال وزارة التجارة والتموين ومنافذها، إضافة إلي منافذ توزيع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، للحد من ارتفاع أسعار السلع الغذائية، ومقاومة الغلاء غير المبرر.


وعلي الحكومة –في تقديري-أن تتخذ خطوة ثانية أكثر صعوبة خلال شهر فبراير الجاري في قطاع الطاقة، ولكنها لازمة. هذه الإجراءات تتمثل في رفع دعم الطاقة بالكامل عن بنزين (92)، دون المساس بالسولار أو بنزين (80) علي الأقل في هذه المرحلة. فهذا الرفع للدعم يعني تصحيح مسار دعم الطاقة واستكمال ما بدأ من إجراءات وتوفير ما لا يقل عن 3 مليارات جنيه سنوياً إضافية تذهب لغير مستحقيها، ويمكن توجيهها مباشرة لصالح من هو أجدر باستحقاقها كدعم نقدي أو من خلال دعم للتعليم والصحة.وحسناً فعلت الحكومة بالعمل بجدية خلال الشهور الماضية لتخفيض المديونية علي مؤسسات الدولة وشركائها في قطاع البترول، فهذا الإجراء من شأنه توفير قدر من السيولة للإنفاق علي مشروعات تنمية حقول البترول والغاز وعمليات التنقيب عن آبار جديدة، والإسراع بإقامة مشروعات توليد الطاقة.

أما الخطوة الثالثة، والهامة نحو طريق إصلاح المسار الاقتصادي، فتتعلق بضرورة إقرار حوافز حقيقية للاستثمار العام والخاص علي حد سواء جغرافياً وقطاعياً. أما علي المستوي الجغرافي؛ فعلي الحكومة أن تعلن خلال هذا الشهر عن حزمة من الحوافز لتشجيع الاستثمار في محافظات الصعيد، فهذه المحافظات علي مدار الخمسين عاماً الماضية لم ينلها أكثر من 10% من إجمالي الاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية. فلابد فوراً من محاربة تهميش أبناء مصر في الصعيد وفي جنوب الوادي، فتشجيع الاستثمار في هذه المناطق من خلال حوافز ضريبية حقيقية ومزايا تتعلق بالبنية الأساسية هو إحدي آليات محاربة الفقر بجدية. وقد سبقنا في ذلك البرازيل وماليزيا وكوريا الجنوبية، والتي اعتمدت علي إقرار حوافز لتشجيع الاستثمار في المناطق النائية والأكثر فقراً.

وأما النوع الثاني من الحوافز فيجب توجيهه لقطاعات صناعية بعينها تحتاجها مصر الآن، مثل مشروعات الطاقة البديلة علي سبيل المثال، والمشروعات الزراعية.
وأما الخطوة الرابعة الهامة من حزم الإصلاح فهي -في تقديري-البدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة علي السلع والخدمات، فهذه الضريبة هي الأفضل في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتوسعة النطاق الضريبي علي نحو يتفادي مساوئ انتشار القطاع غير الرسمي ولكن نجاحها يستلزم التحضير الجيد من وزارة المالية وإصلاح الخلل القائم الآن في معلومات وفي الهيكل الضريبي القائم.وفي إطار هذه الإصلاحات يجب أن تقوم الحكومةبوضع حزمة حقيقية من الإجراءات تخص العشوائيات وتقوية شبكة التضامن الاجتماعي. وفي تقديري أن حديث الحكومة عن إصلاح منظومة عمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا يزال في دائرة الأقوال لا الأفعال. اللينك
استمع الي مقالي فى الاخبار عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك