الخميس، 29 أكتوبر 2015

كيم كاردشيان في مصر

جريدة الاخبار - 29/10/2015

مصر تشهد هذه الأيام أكبر موجة هجرة للعقول المتميزة
كنت خارج مصر خلال الأسبوع الماضي، واطلعت علي تصريح إلي أستاذ الأجيال الكاتب الكبير/ محمد حسنين هيكل كان خلاصته أن كثيراً من القيادات العجوزة لا تزال متشبثة بمقاعدها وترفض منح الفرص للشباب.

والمشكلة في رأيي ليست في الأشخاص، فالذي شاخ بالفعل هو نظامنا الإداري والجهاز الحكومي، فالنظم الحالية، وأساليب العمل والإدارة وقواعد الاختيار عفا عليها الزمن، وصارت طاردة لكل ما هو جديد ومبتكر، ولكل ما هو شاب ويتفق مع التطور والحداثة. وبالتالي كل الطرق والأساليب المستخدمة ودوائر الاختيار أشبه بالباب الدوار في مكان مغلق من يخرج من الباب يعود إليه لأن النظام الإداري والحكومي صار منغلقاً علي نفسه. بأمانة صار الجهاز التنفيذي للدولة أشبه بسيارة موتورها «فوت» أي موتور خربان. وكل ما نقوم به بشأن هذا الجهاز علي مدار العقود الماضية أشبه بإجراء عمليات طلاء للسيارة وتغيير للكاوتش وتلميع السيارة من الخارج في حين أن موتور السيارة نفسه لا يعمل، ونستغرب هو ليه العربية مش بتمشي، هو ليه عندنا نفس المشاكل وما بتتحلش رغم إننا غيرنا عشرين وزارة في الخمس سنوات اللي فاتت وغيرنا 7 رؤساء وزارة ورؤساء هيئات... الإجابة ببساطة لأننا نعتمد علي نفس الموتور الخرب، نفس الجهاز التنفيذي الحكومي لم نعالجه ونفس أساليب الاختيار لم نغيرها، ونفس النظم الإدارية لم نطورها، ونكتفي بالكلام المعسول، والغريب أننا ننتظر نتائج مختلفة.

ولا تزال الاجهزة تقول أصل مفيش ناس كويسة... عفواً الكويسين كثير جداً بس أنتم متعرفوهمش، وما تعرفوش توصلوا ليهم لأنكم تعتمدون علي نظم لا تعرف إلا القديم، ولا تعرف شيئاً عن الكفاءات الشابة المصرية الموجودة في كل الدنيا.

خلال زيارة ليوم واحد في ألمانيا التقيت علي العشاء بمجموعة من الشباب المصري خريجي الجامعات المصرية، والمدارس الحكومية أكبرهم عنده 33 سنة، كلهم حيوية وأفكار إيجابية ويعملون في شركات عالمية ووظائف مرموقة بعضهم لم تتح له الفرصة في مصر وحوربوا حتي هاجروا... مصر يا سادة تشهد هذه الأيام وفقاً لأحدث الدراسات أكبر موجة هجرة منذ 1967 للعقول المصرية المتميزة.

إن المجتمع المتطور القادر علي النهضة هو الذي يعتمد علي شبابه ويعطيهم الفرصة وأتحدث عن الكفاءات وما أكثرها لمن لا يعلمون. انظروا إلي رؤساء وزراء إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وإنجلترا أكبرهم سناً لا يزال في العقد الرابع من عمره، انظرواً إلي رؤساء شركات جوجل وفيس بوك شباب في العقد الثاني والثالث من أعمارهم.

لن نخرج من محنتنا، ولن نخرج من أزمتنا إلا إذا أتحنا الفرصة لأجيال جديدة قادرة علي التغير والتفكير خارج الصندوق، وتحلينا بشجاعة التجربة والاعتراف بالخطأ.

خلال مناقشة مع أحد أبنائي وعمره 19 سنة، وكنا نتحدث عن تنشيط السياحة في مصر، وعما تقوم به الدولة من محاولات لتنشيط السياحة، وما يحدث في مصر من محاولات لإقامة برامج جديدة وإعلانات في القنوات العالمية، فرد علي باستغراب، وليه تدفع الدولة كل الفلوس دي، ما تقترح عليهم يجيبوا النجمة الأمريكية المشهورة «كيم كاردشيان» وتقيم في مصر ليومين وتاخد صور جنب الهرم وشوارع مصر القديمة وإرسال رسالة إيجابية عن مصر بدلاً من تصدير أخبار الحوادث. فقلت له واشمعني «كيم كاردشيان» ما فيه نجوم أكثر شهرة قال لي باستغراب أيضاً «كيم كاردشيان» عندها 40 مليون متابع علي الانستجرام يعني كل صورة لها بيتابعها لحظياً 40 مليون شخص، هي أكثر شخص في العالم له متابعين “Followers”، وده يعني عن إعلانات بملايين الدولارات الأمريكية!! هذه أفكار شاب عنده (19) سنة وضعتها بالفعل تحت نظر وزير السياحة الصديق العزيز/ هشام زعزوع.

شاب آخر زميل لابني عمره (20) سنة سألني باستغراب هو ليه مفيش غير رحلة واحدة من لندن للأقصر خلال الأسبوع كله، هو مش لو عاوزين نشجع السياحة للأقصر مش كنا زودنا الرحلات سؤال أضعه أمام وزير السياحة.

اسمعوا للشباب... عدلوا وصلحوا الجهاز التنفيذي، واسألوا أنفسكم بجد هو ليه عندنا كل المشاكل الاقتصادية، المشكلة مش في الدولار ونقصه، المشكلة في أننا بسبب البيروقراطية الحكومية قفلنا 4000 مصنع، وقفلنا باب الاستثمار الأجنبي بالضبة والمفتاح رغم كل النوايا الحسنة، ولخبطنا المستثمرين حول اتجاه الاقتصاد، وبنقرف بكل همة ونشاط كل من يعمل في الصناعة، ونضيف لأعباء الاقتصاد فكانت المحصلة انخفاض الصادرات وزيادة الواردات، وزيادة العجز في الموازنة، وزيادة المصروفات وقلة الإيرادات، وانهيار ميزان المدفوعات وتغير الاقتصاد. تغيير حجم الطلب علي الدولار والسلع لا يكون بإجراءات إدارية ولا بوليسية، وانما وفقاً لآليات السوق صلحوا موتور العربية.... وصدقوني النتائج ستكون مذهلة. اللينك

الخميس، 22 أكتوبر 2015

الاستثمار الأمثل لأراضي الدولة في القاهرة والإسكندرية

جريدة الاخبار - 22/10/2015


 من العقارات غير المستغلة فندق كونتيننتال التابع لوزارة الاستثمار، وهو يشغل مساحة 12 الف متر مربع بميدان العتبة، فلا شك ان هذه المساحة يمكن استغلالها بشكل أفضل

أتقابل بشكل دوري مع عدد من الأصدقاء من خلفيات مهنية وعملية متنوعة، ونتبادل الأفكار والتحليل للمشكلات التي تواجهها مصر في شتي النواحي، ويضع بعضنا أفكاراً مكتوبة لمواجهة مشاكلنا. ووثّق بعض الأصدقاء علي مدي السنوات المختلفة آراءهم، ووضع بعضهم هذه الأفكار في شكل سياسات مكتوبة بل ودراسات مستفيضة. وبدأ يتكون لديّ علي مر السنوات بنك للأفكار، وكلما سنحت الفرصة نعرض هذه الأفكار، لعل وعسي. ولا أُخفي عليكم أن معظم هذه المقترحات علي مدار السنوات تم تقديمها لكافة الحكومات المتعاقبة دون جدوي.

ومن الأفكار الجديرة بالمناقشة دراسة مبدئية طرحها المهندس/ مدحت أبو زيد وهو من الخبراء المعماريين المعتبرين والمهمومين بمشكلات بلده، وركز في كل ما يقوم به علي البعد التنموي والبشري وليس الجانب الإسمنتي. فهو مؤمن بأن المباني والمنشآت مهما بلغ حجمها وجمالها لن تحقق التنمية. هذه الدراسة تتصل بتحديد أهم الأراضي المتبقية في القاهرة والإسكندرية لدي الحكومة والهيئات التابعة لها، والطريقة المثلي لاستثمارها. وتقوم الدراسة علي مبادئ ثلاثة أساسية، أمكنني استخلاصها من الرسومات والتصميمات والأفكار الواردة بها.


المبدأ الأول: هو تحويل أصول غير منتجة إلي أصول منتجة تدر عائدا وتعظم دخل الدولة وتواجه العجز في الموارد. المبدأ الثاني: المحافظة علي حقوق الأجيال القادمة، وهو مسئولية أخلاقية، فلا تعتمد الدراسة علي بيع الأصول وتسييل قيمتها أياً كان استخدامها، بل المحافظة علي الأصول المنتجة واستمرار إنتاجيتها وتعاظم قيمتها وعوائدها للأجيال الحالية والمستقبلية علي حد سواء. المبدأ الثالث: مراعاة البعد التنموي والاجتماعي في سياسات الدولة، بحيث يتم استغلال بعض المساحات للاستثمار العقاري علي أن يتم استغلال العائد في مشروعات ذات طابع اجتماعي وتمثل إضافة إلي التنمية الشاملة.

ولقد كان من أهم الأسباب التي جعلت للخصخصة سمعة سيئة هو عدم وضوح استخدام العائد للمصلحة العامة. ففي فرنسا علي سبيل المثال فإن القانون المنظم لعملية الخصخصة نص منذ اللحظة الأولي علي إنشاء صندوق تئول إليه عوائد البيع لاستخدامها في أغراض اجتماعية وتنموية واضحة، واستثمارات عامة ذات عائد اجتماعي، ويصدر الصندوق تقريرا دوريا عن أعماله لكي يعرف عموم الناس أين ذهبت أموالهم، وللتحقق من أنها تم استغلالها الاستغلال الأمثل لصالحهم.

ووفقاً للدراسة المذكورة فإن من العقارات غير المستغلة فندق كونتيننتال التابع لوزارة الاستثمار، وهو يشغل مساحة 12 ألف متر مربع بميدان العتبة، فلا شك أن هذه المساحة يمكن استغلالها بشكل أفضل، ويكون بداية لإعادة تجميل وتطوير القاهرة الخديوية، فليس من المعقول ألا يستغل هذا الموقع وهذه المساحة بشكل يدرّ عائداً سنوياً للدولة، وبشكل يعيد القاهرة الخديوية لوجهها الحضاري الجميل. الدراسة أيضاً تعرضت لمسرح البالون والسيرك القومي بالعجوزة، وموقعهما المتميز علي النيل، فإجمالي مساحتهما معاً تبلغ حوالي اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة متر مربع، ولا شك أن استغلال هذه المساحة في هذا الموقع بهذا الشكل إهدار لموقع متميز يمكن استخدامه بشكل أفضل لأغراض سياحية وتجارية وإدارية. ولا يعني هذا إلغاء المسرح والسيرك، ولكن لماذا لا يتم نقلهما إلي منطقة مطار إمبابة كجزء من مدينة ثقافية متكاملة. لنقلهما إلي أرض مطار إمبابة أيضاً أهمية، فهو يساهم في نقلة حضارية لهذه المنطقة وتطويرها. وما هو مقترح في هذه الدراسة ليس بدعة، فمن يتابع التطور العمراني لمدينة لندن، وما يحدث الآن في مناطقها الفقيرة من تحول كما حصل في منطقة «كناري وولف»، وما يحدث الآن في شرق لندن من تطوير ثقافي وحضاري وعمراني سيعلم لا محالة أننا لا نخترع العجلة بهذا الاقتراح.

التطوير العمراني والاستغلال التجاري يجب أن يكون لتغيير حياة الناس للأفضل، ولا شك أننا حين نتحدث عن الاستغلال التجاري والإداري، فإن ذلك لا يعني بيع أراض لإقامة أبراج خرسانية بل يجب أن يكون لها شكل حضاري وثقافي يراعي الازدحام، ويجب ألا نقصر الاستغلال علي البيع بل يجب أن تكون هناك فنادق مملوكة للدولة تديرها شركات عالمية، وشقق فندقية، ومباني إدارية متكاملة وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص تضمن عائداً سنوياً مستمراً، وتستخدم هذه العوائد لتطوير الخدمات التعليمية والصحية والسكن الاجتماعي.

أرض الحزب الوطني البالغ مساحتها 22 ألف متر مربع، وكذلك مجمع التحرير كلها مبان وأراض في أفضل المواقع المتبقية في القاهرة، نسيء استغلالها واستخدامها.. مثال آخر تشير إليه الدراسة، فمحطة تنقية شبرا الخيمة تقع علي أجمل بقاع النيل، وعلي مساحة قدرها 45.800 ألف متر مربع، يمكن نقلها. قصر البارون؛ لماذا لا يتم تحويله إلي متحف حقيقي وليكن متحف توت عنخ آمون، فهذا الفرعون يحتاج لكي يكون له قصره الجميل، ويمكن لأغراض السياحة توظيف حديقة القصر الهائلة. والأمثلة عديدة منها أرض المعارض بشارع صلاح سالم، وأرض كلية الزراعة بجامعة القاهرة وتبلغ 530 ألف متر مربع، والحديقة الدولية. والأمثلة متكررة في الإسكندرية مثال واحد أرض كارفور في مدخل الإسكندرية لا تزال أرضا صحراوية غير مستغلة، ومساحتها حوالي 2 مليون متر مربع تمثل امتداداً طبيعياً لمدينة الإسكندرية المكتظة بالسكان.. إن الاستغلال الأمثل لهذه الأراضي وبيعها ربما يحقق لخزانة الدولة علي مدار العشر سنوات القادمة ما لا يقل بأي حال عن خمسمائة مليار جنيه، أرجو من رئيس الوزراء أن يطلب هذه الدراسة، ويبدأ في تحويل أحلامها إلي واقع.

المرحلة الأولي من انتخابات مجلس النواب:

الناس منزعجة من نسب الإقبال المنخفضة علي الانتخابات. وأذكركم بأننا أجرينا (4) انتخابات و(3) استفتاءات منذ ثورة يناير 2011. أعلاها حضوراً كانت انتخابات مجلس شعب 2012 بنسبة 54.2%، وأقلها حضوراً كانت انتخابات مجلس الشوري 2012، وكانت نسبة الحضور حوالي 12.9%. استفتاء دستور 2013 علي الرغم من خطورته والحشد الكبير لم تزد فيه نسبة الحضور عن 38.6%
الشعب المصري ذكي، وليس غبياً أو كسولاً كما يتهمه البعض، بل هو أذكي من النخب الثقافية. ربما ستعلو النسب في النهاية عن انتخابات مجلس الشوري لسنة 2012. وللشعب أسبابه في العزوف، فهناك نسبة لا تقل عن 40% أو أكثر غير مكترثة بالعمل السياسي، وهم ما نسميهم بحزب الكنبة، وهم تحركوا فقط عند إحساسهم بالخطر الإخواني، فكان لهم دور إيجابي في استفتاء دستور 2013 و2014، حيث بلغت نسبة التصويت 38.6% و47.45%. وأما قد زال الخطر - من وجهة نظرهم - أو زالت حالة الضرورة - من وجهة نظرهم أيضاً - فقد عادت ريما لعادتها القديمة. فهم الآن مطمئنون إلي أن الأمور عادت للاستقرار، ومؤيدين للرئيس السيسي، ويرون أن دفة السفينة في أيدٍ أمينة. وهناك مجموعة أخري أكثر اهتماماً بالوضع السياسي، قد تصل نسبتهم إلي 20% من الناخبين، وهي غير راضية عن الأوضاع السياسية وعن مسار الإصلاح المؤسسي والاقتصادي، فكانت مقاطعتها التصويت رسالة يجب أن تُسمع. وهناك نسبة أخري امتنعت لأنها لم تقتنع بالمرشحين، ولم تصل إليهم برامجهم -أوهي غير موجودة بالأساس، فحالت ضمائرهم دون أن يصوتوا إتباعاً لقاعدة «أحسن الوحشين».

الشعب المصري لديه وعي سياسي، وغيابه عن التصويت يجب أن ننظر إليه علي اعتبار أنه رسالة إلي حكامه، يجب قراءتها بعناية وتحليلها، بعضها إيجابي من خلال «التأييد السلبي»، وعلينا أن نحوله إلي تأييد إيجابي، وبعضها «اعتراض سلبي» علينا أن نعيه ونُعيره انتباهاً لأن له وجاهته ومبرراته. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 8 أكتوبر 2015

لا لتعديل دستور 2014

جريدة الاخبار - 8/10/2015

أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها

الحوار بشأن تعديل نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم" ويضرب مسيرة الإصلاح في مقتل.
بدأت تتكون لديّ قناعة بأن كثيرا من السياسيين والنخبة صاروا يتفننون في إحداث الفتنة وإثارة الجدل في غير موضعه وفي غير وقته علي نحو يؤدي إلي نشر البلبلة وعدم الاستقرار، والاقتراب من القضايا غير الجوهرية التي تهدم ولا تبني، والتي تفرق ولا تجمع، وخلق حالة من الخلاف غير المجدي، وفتح الثغرات للمتربصين بالوطن وباستقراره، والتبرع باستنزاف الوطن وتماسكه.

وإحدي الدلائل علي ما أقول؛ هو ارتفاع نبرة المطالبة بتعديل الدستور الآن، يا الله... ما هذا؟!... يطالب البعض من الآن بتعديل دستور لم يختبر بعد، ولم تدخل العديد من مواده موضع التطبيق!! ودعونا نناقش الأمر بقدر من الموضوعية والهدوء بعيداً عن أي تعصب أو خلاف غير مبرر.

بداءة تعالوا نتساءل عن آلية تعديل الدستور وفقاً لنصوص الدستور ذاته. فطبقاً للمادة (226) لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسبابها.

ولذلك، فإن الحديث عن تعديل الدستور في غير ذي محل الآن، فلا الرئيس طلب تعديل الدستور صراحة، ولا خمس أعضاء مجلس النواب اقترحوا التعديل لأن المجلس أصلاً لم ينتخب بعد، إذا كنا قد نسينا!! أيضاً أصحاب الدعوي المطالبون بتعديل الدستور يرون أن بعض نصوص الدستور تعوق صلاحيات الرئيس، وتحول دون تسيير شئون الدولة وتحقيق الإصلاح، ولا أعلم علي أي سند يقال هذا الكلام، فرئيس الجمهورية طبقاً للمادة (139) من هذا الدستور هو "رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية"، وهو الذي يختار رئيس مجلس الوزراء ويجب أن تحصل الحكومة بعد تشكيلها علي ثقة أغلبية مجلس النواب، وهو شرط بديهي في أي نظام ديمقراطي.

ونظامنا الدستوري الجديد ليس نظاماً رئاسياً خالصاً كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا نظاماً برلمانياً كإيطاليا وانجلترا وألمانيا، وإنما هو نظام شبه رئاسي كما هو الحال في فرنسا، ويميل الدستور المصري إلي تعظيم صلاحيات رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية علي حساب رئيس الوزراء، حتي ولو كان يمثل حزب الأغلبية. فالدستور الجديد لا يعطل صلاحيات رئيس الجمهورية بل يعظمها باعتباره رئيس السلطة التنفيذية.

وفي حالة اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز علي أكثرية مقاعد مجلس النواب - وهو ما لا نتوقعه سياسياً في هذه المرحلة - فإن رئيس الجمهورية هو الذي يختار- طبقاً للمادة (146) من الدستور - وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل وليس رئيس مجلس الوزراء، حتي ولو كان هذا الأخير يمثل حزب الأغلبية أو الأكثرية في البرلمان، فاختيار حقائب الوزارات السيادية حكراً علي رئيس الجمهورية بنص الدستور، ورئيس الجمهورية هو الذي يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية (م151)، وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة (م152)، وهو الذي يعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين ويعفيهم من مناصبهم (م153)، وهو الذي يعلن حالة الطوارئ (م154).. لقد جاء الدستور الجديد متوازناً ومتميزاً في نصوصه التي تحمي الحقوق والحريات الأساسية، ويحافظ علي متانة وسلامة القوات المسلحة، فلا يعين وزيراً للدفاع إلا أحد ضباطها (م201)، ولا يجوز تعيينه إلا بعد الحصول علي موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة (م234).

والبعض الآخر من أنصار فكرة التعديل يرون أن بعض نصوصه ترهق ميزانية الدولة وتستنزفها وغير واقعية كما هو الحال في المادة (18) من الدستور، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، ونفس الأمر بالنسبة للتعليم 4% (م19)، والبحث العلمي 1% (م23). ومشكلة هذه النسب أنها لم تحسب كنسبة من إجمالي الموازنة، وإنما من الناتج القومي، وهو ما قد يقفز بها إلي نسب تتجاوز 10% أو 15% من حجم الموازنة، وهو أمر غير قابل للتحقيق في ظل العجز الحالي في الموازنة. وهذا النقد له أسبابه الاقتصادية، ومع ذلك فإن هذا الالتزام علي الدولة يأتي مع موازنة 2016-2017. ويمكن للحكومة ومجلس النواب وضع إطار في حينه لرفع مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي.

ما أريد أن أقوله هو أن الحوار حول تعديل الدستور الآن سابق لأوانه، لأسباب عديدة منها أن معظم مواده لم يتم تفعيلها ولم تختبر بعد، وأن صاحب الحق في طلب التعديل لم يطلبه، ومبررات التعديل غير واضحة والتعديل الآن يضر ولا ينفع فهو مدخل واسع نحو عدم الاستقرار الدستوري والسياسي بشكل غير مبرر، ويفتح الباب لمناقشة وإعادة الجدل حول باقي النصوص الدستورية جميعها، إن الجدل بشأن تعديل الدستور الآن أيضاً من شأنه التشكيك في جديتنا بشأن تطبيق القانون واحترام النصوص الدستورية، ويخلق حالة من الانقسام نحن في غني عنها الآن. فكيف نفتح الباب لتعديلات جوهرية علي دستور تم الاستفتاء عليه منذ عام تقريباً، ولم تفعّل بعد نصف نصوصه تقريباً؟! وحسناً فعل المشرع الدستوري حينما حصن بعض مواد الدستور من قابليتها للتعديل أو التغيير، فلا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات (م226/5 من الدستور).

لا أريد أن أحجر علي رأي أحد أو أشكك في نوايا أي من أصحاب الرأي، ولكن في رأيي أن مناقشة تعديل أي من نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم"، ويضرب المسيرة الإصلاحية في مقتل. أرجو من الرئيس مخلصاً ألا يستجيب لهذه الدعوات.

كلمة أخيرة: حكومة شريف إسماعيل مستقرة، وليست انتقالية:
أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها ويطلب إعادة تشكيل الحكومة. وأتوقع أن يطلب أعضاء مجلس النواب إجراء تعديل علي بعض أعضاء الحكومة ولكن هذه قضية أخري. فالرئيس بدعمه هذا أنهي فكرة التأقيت الحكومي، وفكرة الحكومة الانتقالية، ولا أجد عذراً لرئيس الحكومة أو أي من الوزراء في عدم اتخاذ قرارات حاسمة، فرئيس السلطة التنفيذية - أي رئيس الجمهورية -  أعلن استمرار الحكومة ودعمه لها.

إن أخطر ما تعرضت له مصر منذ ثورة 25 يناير هو الطابع التأقيتي والانتقالي وعدم الاستقرار لكافة الحكومات التي تم تشكيلها منذ فبراير 2011، وحتي حكومة المهندس محلب الأخيرة، وهو الذي انعكس بدوره سلبياً علي كافة مؤسسات الدولة وزادها وهناً علي وهن. وأرجو أن تكون كلمة الرئيس السيسي هي الكلمة الحاسمة والأخيرة في إنهاء حالة التأقيت وعدم الاستقرار، وأن تعامل حكومة المهندس/ شريف إسماعيل علي أساس كونها حكومة مستقرة ومستمرة قادرة علي اتخاذ قرارات إصلاحية صعبة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 1 أكتوبر 2015

«الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية»

جريدة الاخبار - 1/10/2015

كان دائماً رأيي أن الحقيقة تقف بين الأمرين، فلا شك أن النظم الديمقراطية أكثر حظاً في تحقيق نمو اقتصادي وتنمية شاملة وتغيير إلي الأفضل.

حينما كنت أعمل كمدرس محاضر بانجلترا في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي؛ كان من أكثر المواد التي كنت أستمتع بتدريسها لطلاب الدراسات العليا في القانون بجامعة لندن هي مادة "القانون والتنمية الاقتصادية". وكانت فلسفة هذه المادة تعتمد علي أن القانون مجرد وسيلة أو أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية، فإذا تحول القانون إلي غاية في ذاته فسدت عملية الإصلاح الاقتصادي، وإذا كانت الأداة  - أي القانون - منبت الصلة عن الغايات الاقتصادية والاجتماعية التي تسعي الحكومات الإصلاحية لتحقيقها، وكانت الفجوة كبيرة بين الوسيلة والغاية؛ فسدت عملية الإصلاح الاقتصادي.

وكان من أكثر المحاضرات التي تثير شغف طلبة الدراسات العليا خاصة من البلدان النامية وتثير جدلاً كبير في المناقشة معهم؛ محاضرة كنت ألقيها عليهم تحت تساؤل عنوانه: "هل يعد تطبيق الديمقراطية السياسية شرطاً ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة؟".وبمعني آخر؛ هل يلزم أن يكون النظام السياسي في دولة ما نظاماً ديمقراطياً حقيقياً لتحقيق النهضة الاقتصادية في هذه الدولة؟

وكانت إجابات ومناقشات الطلبة - وهو ذات الأمر بالنسبة للدراسات التي تناولت هذه المسألة - تتراوح ما بين مؤيد ومعارض.
فهناك اتجاه يري أن تحقيق الديمقراطية السياسية شرط ضروري لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة وحقيقية، وليست مجرد طفرة اقتصادية مؤقتة. وكان هؤلاء يعتمدون لتأييد وجهة نظرهم علي أن التنافسية وسيادة القانون وعدالة النظام القضائي والشفافية والمحاسبة وتداول السلطة وتكافؤ الفرص وديمقراطية القرارات الاقتصادية واستهداف مصلحة الأغلبية من خلال سياسات العدالة الاجتماعية؛ أمور لازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وهي أمور لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي سليم يحقق مبدأ الفصل بين السلطات، وتكون فيه الرقابة القضائية والبرلمانية علي أعمال السلطة التنفيذية صارمة وعادلة. ويستدل أصحاب هذا الاتجاه لدعم رؤيتهم بما حدث في أوروبا والولايات المتحدة، وتجارب بعض الدول النامية الناجحة كما حدث في البرازيل وتركيا والأرجنتين والمكسيك.

وأما أصحاب الاتجاه الثاني، فيرون أن الديمقراطية السياسية لا تكفي في ذاتها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وأن هناك نظما ديمقراطية تعثرت في تحقيق التنمية، ويضربون لذلك مثالاً بالهند،فرغم عراقة النظام الديمقراطي بها إلا أنها شهدت تعثرات اقتصادية واجتماعية كبيرة خلال حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وعلي النقيض هناك أنظمة غير ديمقراطية تعتمد علي نظام الحزب الحاكم الأوحد، ونظرية الحاكم العادل نجحت في تحقيق إصلاحاً اقتصادياً واجتماعياً شاملاً، وحققت طفرات وقفزات اقتصادية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، ويضربون لذلك أمثلة عديدة منها الصين وسنغافورة وماليزيا.

وكان دائماً رأيي أن الحقيقة تقف بين الأمرين، فلا شك أن النظم الديمقراطية أكثر حظاً في تحقيق نمو اقتصادي وتنمية شاملة وتغيير إلي الأفضل، وعلي الرغم من تعثرات الهند إلا أنها نجحت في النهاية في تحقيق نمو حقيقي، ونفس الأمر ينطبق علي تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. فالنظم الديمقراطية تسمح بمساحة أكثر للإبداع الإنساني، والتنوع الثقافي والانفتاح علي العالم، وتكريس التنافسية لصالح المستهلكين، والقضاء العادل الناجز، وفاعلية الجهاز الإداري وخلوه من الفساد البيروقراطي كنتيجة لتداول السلطة والتنافس السياسي للحوز علي دعم الأغلبية، والحرص علي دمج أكثر العناصر كفاءة للجهاز الحكومي والتنفيذي، ناهيك عن الرقابة القضائية والبرلمانية الصارمة، وفاعلية منظمات المجتمع المدني في كافة الاتجاهات. فهذا المناخ يكون عادة أكثر إيجابية ودافعاً للنمو الاقتصادي المستدام، يمثل بيئة صالحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة.

ومع ذلك كله، لا يمكن إنكار الواقع وأن هناك استثناءات علي هذه القاعدة، وكل دول شرق آسيا أو النمور الآسيوية دليل دامغ علي هذا الاستثناء، فرغم أنها جميعاً لم تستند في انطلاقها علي نظام سياسي ديمقراطي إلا أنها نجحت في تحقيق تنمية مستدامة بمعني الكلمة. ولكن هذه النظم غير الديمقراطية اعتمدت في نجاحها علي تبني عناصر أساسية تتفق في جوهرها مع مبادئ النظم الديمقراطية، وإن لم تتفق معها في الإطار الخارجي.فهذه الدول غير الديمقراطية نجحت في تحقيق التنمية الاقتصادية اعتماداً علي ركائز ستة رئيسية شأنها في ذلك شأن كافة النظم الديمقراطية؛ ألا وهي:

وجود رؤية واضحة وشاملة للإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي لدي القيادة السياسية، صاحبها خطة تنفيذية سنوية لأولويات الإصلاح، مع التمسك بتعيين أفضل العناصر والخبرات في الإدارة والجهاز الحكومي، والتخلص من أية عناصر غير صالحة أو غير مؤمنة بهذه الرؤية أو غير قادرة علي تنفيذها.
- تطبيق مبدأ سيادة القانون بحذافيره، وإعلاء كلمة القانون، والضرب بيد من حديد علي أيادي الفاسدين، وإصلاح النظام القضائي وتطويره، وتحقيق العدالة الناجزة، وتطبيق المساءلة والمحاسبة العلنية.
- احترام مبدأ التنافسية وتشجيع الصناعات الوطنية، ودعم الاستثمار بسياسات مالية ونقدية واضحة غير ملتبسة أو متلعثمة.
- تبني سياسات إصلاح مؤسسي حكومي جادة، وتولي أفضل العناصر القيادة، وتطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية والإدارية علي كافة أجهزة الدولة.
إصلاح التعليم الأساسي، والاهتمام بالتدريب الفني، ودعم النظام الاجتماعي بالعمالة المهرة، وفتح الباب للإبداع الفني والتكنولوجي، والاهتمام بنقل التكنولوجيا والبحوث العلمية.

تبني سياسات قاطعة في مجال العدالة الاجتماعية من خلال تبني سياسات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق نقلة نوعية ومستدامة في حياة عشرات الملايين من أبناء هذه الشعوب، والاهتمام الحقيقي بملف الصحة العامة.


هذه العوامل الستة المشتركة التي أدت بهذه الدول إلي النجاح، وكما نري كلها عوامل أيضاً مشتركة مع النظم ذات الطبيعة الديمقراطية السياسية. ولا شك أن هذه العوامل نجحت في تحول بعض هذه المجتمعات إلي المجتمع الديمقراطي كما يحدث الآن في سنغافورة وماليزيا، وكما حدث في تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ستؤدي حتماً إلي نظام مدني ديمقراطي، والديمقراطية تؤدي في الغالب الأعم إلي التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإذا بدأنا في تبني تطبيق عوامل التنمية الشاملة الستة، ومزجنا معها احترام حقوق الإنسان الأساسية سيكون مصيرنا الحتمي تحقيق التنمية المستدامة بشكل غير مسبوق في تاريخنا، والمدخل الطبيعي أيضاً إلي الديمقراطية السياسية التي نبغيها، والدول التي سبقتنا ونجحت حققت قفزتها الأولي الهائلة خلال جيل واحد، أي خلال 10 سنوات أو أكثر، وتوالت بعد ذلك القفزات لهذه الدول، هذا ما حدث في كوريا الجنوبية وماليزيا والصين والبرازيل وتركيا... علينا أن نبدأ في الإصلاح ولا نتردد. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك