الخميس، 16 يوليو 2015

الدروس المستفادة من يوميات مواطن في إدارة المرور

جريدة الاخبار - 16/7/2015

أما آن الأوان لكي نبدأ بجدية في تفعيل النظم الإلكترونية في الجهات الحكومية؟! أما آن الأوان لتطبيق نظم السداد المالي عن طريق التليفون والكروت كما يحدث في «كينيا»؟!!

اشتريت مؤخراً سيارة جديدة صغيرة الحجم لكي تعينني علي التحرك داخل شوارع القاهرة التاريخية ووسط البلد المزدحم. والسيارة كانت علي الزيرو، وقد قررت أن أقوم باستخراج الرخصة للسيارة بنفسي دون إجراء توكيل مستغلاً وجود بعض السويعات القليلة المتاحة يوم السبت. وابتداء مواعيد المقابلات من الساعة 12 ظهراً في هذا اليوم. فتوجهت إلي إدارة مرور 6 أكتوبر مع مندوب الشركة البائعة في تمام الساعة التاسعة والنصف. وتبدأ إجراءات استخراج الرخصة بإجراء الفحص الفني واستخراج بصمة لموتور وشاسيه السيارة، وتوقعت أن يأخذ هذا الإجراء 10 دقائق علي الأكثر، إلا أنه استغرق ثلاث ساعات تقريباً.

والبداية كانت بطابور طويل للسيارات في منتصف الشارع الجانبي، وكان طابور الفحص بطبيعة الحال له أجنحة متعددة. ووقفت جميع السيارات مختلطة ببعضها البعض، سيارات النصف نقل مع سيارات الأتوبيس الخفيفة مع سيارات الميكروباص بجوار سيارات الركوب القديمة، وتزاحمها سيارات الركوب الحديثة. ولكم أن تتصوروا شكل طابور الفحص.

وتلاحظ لي منذ اللحظة ثلاثة أمور: أولها، قلة عدد الفنيين المسئولين عن أخذ البصمة بالمقارنة لعدد السيارات محل الفحص. والأمر الثاني، هو اتباع إجراءات بدائية في أخذ البصمة وخلو أيدي الفنيين من أية آلات أو معدات حديثة تتناسب مع التطور الحاصل في صناعة السيارات، فكانت البصمة تؤخذ بذات الطريقة التي كانت تؤخذ بها عام 1983 -وهو العام الذي رخصت فيه أول سيارة في حياتي، وكانت صناعة شركة نصر (فيات 127). وأما الأمر الثالث، فهو أن إجراء الفحص وكل ما يتخذ من إجراءات يتم في الشارع في عز الحر وفي ظروف غير آدمية لا للعاملين ولا لأصحاب السيارات.

وبعد انتظار في طابور السيارات محل الفحص لمدة ساعة تقريباً، جاء عليّ الدور. وقد لاحظت محاولات متكررة من الفني المختص للتهرب من فحص سيارتي، وقررت التوجه إليه مباشرة ببعض الغضب وسألته عن السبب، فرد قائلاً: «أخذ بصمة العربية دي بياخد منّي علي الأقل ساعة لأنها بتيجي من المصنع عليها شمع، والفتحة المخصصة للموتور ضيقة جداً، وليس معي معدات». وكان يوجد صبي يتجول بين السيارات فهمت أنه مساعد فني مسئول عن فك بعض أجزاء الموتور حتي يقوم الفني بأخذ البصمة.

وكانت أيدي الفني المختص ملتهبة نتيجة كثرة تلامسها بالمواتير الساخنة للسيارات، وبها بعض الحروق الخفيفة، فأشفقت عليه، واتخذت قراراً بالمخاطرة بفك أجزاء من موتور السيارة مما يمكن فكه، وفك خراطيم المياه مع تسرب مياه البطارية حتي يمكنه الحصول علي البصمة. واستغرق الأمر أكثر من ساعة ونصف حتي وصلت الساعة 12:20، ولم تكن البصمة واضحة، ولكن تم فك شفراتها برقم الشاسيه الموجود علي فاتورة البيع.وبعد هذه العملية القيصرية؛ كانت المفاجأة أن الخزينة تغلق في تمام الساعة 12 ظهراً!!ومن ثَمّ لم يكن من الممكن استكمال الإجراءات، وكان واجباً أن تعود في يوم آخر. ورغم الصدمة وفوات مواعيدي كنت سعيداً بالخروج من هذا الفخ والهروب من حرارة الشمس الملتهبة.

ونظراً لظروف عملي لم أستطع العودة في اليوم التالي، ولكن عدت إلي إدارة مرور 6 أكتوبر بعد يومين لاستكمال الإجراءات، وكنت أكثر حيطة فذهبت في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وأخذت معي مندوبين وليس واحداً لكي يقف كل منّا في طابور مختلف للإسراع بالإجراءات حيث كنت مضطراً للمغادرة في تمام الساعة 10:30 للحاق بمواعيد العمل في ذلك اليوم. ولكن للأسف لم تأت الرياح بما تشتهي السفن، فكانت الطوابير طويلة والإجراءات بطيئة. وتلاحظ لي وأنا داخل المبني أنه لا يوجد به جهاز تكييف واحد إلا في غرفة الكمبيوتر، وكان رئيس وحدة المرور يجلس خلف موظفيه في نفس الغرفة في ظروف أقل ما توصف به أنها غير لائقة وغير مريحة للعمل.

وأثناء وقوفي للانتظار وجدت صديقا لي يقوم بتجديد رخصة سيارته وكانت سيارة BMW، فضحكت وقلت له بنظرة الخبير «قدامك ساعة علي الأقل». وتم رفع سيارته بشكل بدائي علي قطعة حديد، وكان من الممكن أن تقع السيارة علي الفني ولكن ربنا سترها، وبالطبع لا يوجد أي غطاء أو جرار أو قطعة قماش حتي ينام عليها الفني أثناء الفحص، ولكن كان ينبطح علي الأسفلت في عز حرارة الشمس لأخذ البصمة.

وأعود مرة أخري لرخصتي، ففي تمام الساعة 11:30 صباحاً -بعد ساعتين بالتمام والكمال- جاءت الصيحات من كل جانب للنداء علي اسمي لتبشيري بأن الرخصة قد صدرت وحان استلامها، فجريت فرحاً -بعد أن ضاع عليّ موعدي الأول- واستلمت الرخصة، وحان موعد الذهاب لاستلام اللوحة المعدنية. ووقفت في غرفة اللوحات المعدنية، وهي غرفة صغيرة بها اثنان من مساعدي الشرطة، ولا تحتوي علي أية شبابيك أو نور ، وطبعاً لا يوجد بها أي تكييف أو حتي مروحة. المهم طال انتظاري لاستلام اللوحات لمدة تزيد عن نصف ساعة تقريباً، وكانت الحركة غريبة فتساءلت بحدة، فكانت الإجابة الصادمة أنه لا يوجد لوحة معدنية بنفس الرقم الموجود علي الرخصة المطبوعة!!! فالبيان يتم إفراغه يدوياً، ثم يتم طبع الرخصة إلكترونياً، وواضح أن مساعد الشرطة قد أعطي رقم لوحة معدنية مختلف غير موجود لديه بطريق الخطأ. فتساءلت: وما الحل؟ عموماً حصل خير، نأخذ رقم لوحة آخر؛ فكان الرد الصدمة أن البيان علي الرخصة نزل علي قاعدة البيانات بمدينة نصر، ويجب تحرير مذكرة، والذهاب إلي الإدارة المختصة بمدينة نصر لتصحيح الخطأ وتغيير رقم الرخصة!!!

ظللت متماسكاً من هول الصدمة، وطلبت من المختص أن يعطيني الرخصة وتوجهت بها إلي الضابط المختص رئيس وحدة المرور، وبعد دقيقتين تفهّم وجود الخطأ، والحق يقال، أنه قام بنفسه وفوراً بالاتصال بالجهات المختصة، وأعلمهم بالخطأ وقال علي المكالمة بالحرف الواحد: «يا فندم الغلطة من عندنا ولا يجب أن يتحملها الدكتور...، فأرجو التصحيح علي مسئوليتي، وسأرسل المذكرة غداً». وبعد خمس دقائق تم تسليمي رخصة جديدة برقم جديد، واستكملت الإجراءات، وخرجت باللوحات المعدنية في تمام الساعة الواحدة تقريباً.

أخلص من هذه الرحلة، أن عملية استخراج رخصة سيارة جديدة عالزيرو استغرقت تقريباً سبع ساعات عمل موزعة علي يومين، وأهدرت وقتاً وجهداً دون طائل أو داع.وأننا مازلنا نعمل بنفس الآليات البدائية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، علي الرغم من تطور صناعة السيارات علي مدار هذه الأعوام،والتطور التكنولوجي والإلكتروني وتوفر نظم الحاسب الآلي، والسداد المالي الإلكتروني -والذي يطبّق الآن بشأن المخالفات المرورية؛ إلا أننا مازلنا نتبع الأدوات العقيمة ونقع تحت مخاطر الخطأ البشري خاصة في ظل ظروف عمل صعبة.

أما آن الأوان لكي نبدأ بجدية في تفعيل النظم الإلكترونية في الجهات الحكومية؟! أما آن الأوان لتطبيق نظم السداد المالي عن طريق التليفون والكروت كما يحدث في «كينيا»؟!! أما آن الأوان لكي نخلق للعاملين في الجهات الحكومية بيئة آمنة للعمل، وبيئة نظيفة ومريحة؟!! أما آن الأوان لمراجعة الدورات المستندية داخل مؤسساتنا الحكومية والتخلص من كل ما هو غير ضروري؟!!

أقولها منذ عشرين عاماً، وسأظل أقولها حتي آخر العمر... الطفرة الحقيقية ونقطة الانطلاق تبدأ من الإصلاح المؤسسي لأجهزتنا الحكومية، ولنبدأ بالتدريج. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق