الخميس، 25 يونيو 2015

قناة السويس الجديدة، وقطاع الكهرباء .. دلالات إيجابية في زمن صعب

 
جريدة الاخبار - 25/6/2015

في المقال السابق، أشرت إلي أهمية تطوير أساليب الإدارة للمؤسسات والأجهزة الحكومية، وأنه آن الأوان لاتباع أسلوب إدارة «الرؤية»، وهو ما يعني تحديد أهداف واضحة للمستقبل وإسناد المهمة التنفيذية لمن هو قادر علي تنفيذ هذه الرؤية. وأكدنا علي أن هذا الأسلوب يمكن معه نقل مصر نقلة نوعية في وقت قياسي، شريطة أن تكون هذه الرؤية محددة وقابلة للقياس، وأن تكون آثارها الإيجابية واضحة لعموم الناس.

والحقيقة أن لدينا مثالين ناجحين علي هذا الأسلوب الأمثل للإدارة، وأنه في أقل من عام واحد حققنا ما يشبه المعجزة بكل المقاييس.

المثال الأول هو قناة السويس الجديدة، فالفكرة بدأت منذ عام حين طرح الفريق مميش رؤية واضحة تتمثل في ضرورة أن تكون قناة السويس قادرة علي المنافسة لخدمة أجيال قادمة وقادرة علي استيعاب التطوير السريع في حجم السفن العالمية وزيادة القدرة الاستيعابية للقناة، ومواجهة أية منافسة أو مشروعات لقنوات بديلة أو طرق برية بديلة كخط السكة الحديد المزمع إقامته للربط من إسرائيل حتي الصين.

ففكرة حفر قناة موازية بطول 37 كيلومتراً مربعاً وعرض أربعمائة متر وعمق يستوعب السفن العملاقة وناقلات البترول هو رؤية استراتيجية للحفاظ علي قناة السويس باعتبارها محوراً رئيسياً للتجارة العالمية، وحفاظاً علي ثروة قومية وتنميتها.

وحينما تكون الرؤية واضحة يكون القرار السياسي سهلاً وحاسماً وواضحاً، وهنا كان قرار الرئيس السيسي قاطعاً بإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، وفي زمن قياسي.
وحينما تكون الرؤية واضحة من الناحيتين الفنية والسياسية يكون الدعم الشعبي قوياً ومضموناً، وهو ما تمثل في الإقبال الشعبي علي السندات التي بلغت 64 مليار جنيه، وفي اعتبار المشروع مشروعاً قومياً لأجيال قادمة.

لقد سعدت وشرفت بالمرور بالقناة الجديدة أمس، والمشروع قارب علي نهايته. وهناك أمور كثيرة تعكس في رأيي النجاح، وهي ليست فقط عملية الحفر، وإنما الأهم العملية اللوجستية الخاصة بنقل العمال وإعاشتهم سواء في فنادق عائمة أو في أماكن مخصصة، وهم عشرات الآلاف، تابعت بانبهار إجراءات السلامة، وأنا أشاهد (45) حفاراً عملاقاً، كانت الساعة حوالي الثالثة بعد الظهر، تمر بالقناة الجميع يعمل بسلاسة وبهمة وهدوء وكأنك لست في موقع عمل، وإنما في نزهة بحرية خلابة. هذا هو النجاح الحقيقي في رأيي للإدارة، تمر بالموقع دون أدني مساس بالملاحة في القناة الأصلية.

مشروع القناة الجديدة يرتبط معه تنمية 461 كيلومتراً مربعاً لإنشاء مناطق صناعية وتجارية قادرة علي جذب ما لا يقل عن 30 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة خلال الخمس سنوات القادمة تساهم في خلق ما لا يقل عن خمسمائة ألف فرصة عمل.

فحفر قناة السويس الجديدة مصحوب برؤي اقتصادية واجتماعية مهمة لا تقل أهمية عن القناة الجديدة ذاتها، أهمها زيادة معدل التشغيل وخفض معدل البطالة، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وزيادة قدرة مصر التصديرية، وإعادة بناء أسطول تجاري يساهم في رفع القدرة التنافسية لمصر، وخفض العجز في الميزان التجاري.

بالمناسبة إن حفر القناة الجديدة وتطوير وتنمية منطقة قناة السويس هو تنفيذ لالتزام واستحقاق دستوري، فالمادة (43) من الدستور الجديد تنص علي «التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً.

إن حفر قناة السويس الجديدة مشروع قومي وليس مجرد تفريعة كما يقول البعض للانتقاص من الإنجاز، ومحاولة جلد الذات. لدينا سلبيات كثيرة، ولكن إذا اتبعنا أسلوب الإدارة الحديثة برؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وآليات للمتابعة التنفيذية سنكون قادرين علي تحقيق إنجازات تفوق كل توقعاتنا، علينا أن نؤمن بأنه لا بديل عن الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة لتحقيق التنمية.

مثال آخر رائع علي إمكانية النجاح والتحول السريع. وهو ما يجري الآن في قطاع الكهرباء، الجميع يتذكر انقطاعات الكهرباء، ومآسي المستشفيات والبيوت وتوقف المصانع، وتعطل ماكينات الري وكيف أن محطات الكهرباء الحكومية كانت تعمل بأقل من 30% من طاقاتها الإنتاجية بسبب التوقف عن صيانتها. مرة أخري، توفرت رؤية واضحة نحو زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، وتوفرت خطة تنفيذية عملية مدروسة لأعمال الصيانة، ورفع الكفاءة الإنتاجية، وتحرير سعر التعريفة علي الشرائح الفنية والأكثر استهلاكاً، وتم وضع منظومة منضبطة لتوسيع دور القطاع الخاص في عملية إنتاج وتوزيع الكهرباء، وطرح مشروعات جادة للطاقة المتجددة، والحد من نزيف الدعم، وتوسيع قدرة الشبكة القومية، فكانت المحصلة في أقل من عام تقريباً، هو الحد من ظاهرة الانقطاع الكهربائي، وزيادة الطاقة الإنتاجية، إن مشكلة مصر خلال عامين من الآن ستتحول من قلة الطاقة الكهربائية المتاحة، إلي زيادة في الطاقة المتاحة!! وهو ما سيستلزم إعادة النظر في سياسات تصدير الطاقة والتصنيع ويساهم في خطط التطوير الزراعي.

مرة أخري الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة والرؤية الواضحة والدعم السياسي كانت عوامل لتحقيق معجزة في عام واحد.. وبالمناسبة أيضاً فإن خطة وزارة الكهرباء في دعم التوسع في استخدام الطاقة المتجددة هو تنفيذ لالتزام دستوري جاء في المادة 32/2 من الدستور الجديد، والتي تنص علي التزام الدولة «بالعمل علي الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها».

ليست كل الأمور حولنا سيئة بل هناك أمثلة إيجابية ونجاحات تتبلور علي أرض الواقع. آمل أن نشهد طفرة حقيقية في القطاع الصناعي والتعليم خلال العامين القادمين، نحن قادرون علي النجاح إن شئنا. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق