الخميس، 27 أغسطس 2015

مصر ورفع العقوبات الاقتصادية عن إيران

جريدة الاخبار - 27/8/2015
من المتعارف عليه أن شهري يوليو وأغسطس يكونان عادة من أقل شهور السنة سخونة من حيث الأحداث الاقتصادية نظراً للإجازات، إلا أن عام 2015 شهد ارتفاعا غير مسبوق في درجات الحرارة حول العالم في شهري يوليو وأغسطس، وجوا أكثر سخونة عالمياً في النواحي الاقتصادية. فشهد العالم خلال الشهرين المذكورين أحداثاً اقتصادية ثلاثة سيكون لها آثارها علي مدار الأعوام القادمة.

فشهدت بدايات شهر يوليو انفجار الأزمة الاقتصادية لديون اليونان، وآثارها السلبية علي الاتحاد الأوروبي. وفجأة وبدون مقدمات تابعنا انهيار بورصة الصين بعد أن وصلت إلي أعلي ارتفاع لها في شهر يونيو، فانخفضت انخفاضاً حاداً حتي وصل الانخفاض إلي نسبة 30%، وهو ما استتبعه انهيار وانخفاض في شتي بورصات العالم، ومنها البورصة المصرية اليتيمة. ويري البعض أن هذا الانهيار مقدمة ضرورية لأزمة اقتصادية عالمية لا تقل حدتها عن الأزمة العالمية لعام 2008.


أما الحدث الجلل الثالث، فكان الوصول إلي صفقة بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية بمجلس الأمن، إضافة إلي ألمانيا، في 14 يوليو عام 2015، للحد من أنشطة إيران النووية، في مقابل رفع الجزاءات الدولية والحظر الاقتصادي المفروض علي إيران. فهذا الاتفاق من الناحية الاقتصادية - ولا أتحدث في هذا المقال عن آثاره السياسية - تتجاوز آثاره الحدود الإيرانية، ويتعدي تأثيره علي المجتمع الدولي بأسره بما فيه مصر.

ولعل أهم آثار هذا الاتفاق هو تأثيره علي أسعار البترول العالمية. ولقد شهد العام الماضي انخفاضاً حاداً في أسعار برميل البترول حيث أصبح حوالي 64 دولاراً للبرميل الواحد من النفط الخام. ولهذا الانخفاض أسباب عديدة كان أهمها توجه الولايات المتحدة نحو تطوير إمكاناتها واستخدام تكنولوجيا حديثة في التنقيب عن البترول أدت إلي رفع طاقتها الإنتاجية وتخفيض تكلفة التنقيب، مما مكّنها من قدرتها علي رفع طاقاتها من الاكتفاء الذاتي والحد من الاستيراد، وصاحب ذلك زيادة السعودية وفنزويلا للإنتاج، ناهيك عن فوضي التصدير المصاحب لإنتاج النفط الليبي والعراقي.

وقد كانت مصر باعتبارها من الدول المستوردة من أكثر البلاد استفادة من هذا الانخفاض في الأسعار، أخذاً في الاعتبار انخفاض قدرة مصر الإنتاجية خلال السنوات الخمس الماضية.

وقد أدت الجزاءات المفروضة علي إيران ومنع تصديرها البترول إلي دول الاتحاد الأوروبي إلي انخفاض حجم تصديرها من 2.8 مليون برميل في اليوم في يوليو 2011 إلي أقل من مليون برميل في اليوم في يوليو 2012، أي انخفاض حجم تصديرها بأكثر من 60%. والآن بعد رفع حظر التصدير عن إيران يثور تساؤل، وما أثر ذلك علي سعر البترول العالمي؟ فبعد أن تعاود إيران قدرتها علي التصدير إلي حوالي 2 مليون برميل من النفط يومياً علي الأقل، هل سيتبع ذلك انخفاض آخر في سعر البترول عالمياً؟ الإجابة: نعم، فطبقاً لتوقعات الدراسات الصادرة عن البنك الدولي، فإن سعر برميل النفط سينخفض في عام 2016 في حدود 10 دولارات أمريكية للبرميل، أي من المتصور أن يصل سعر البرميل إلي 54 دولارا أمريكيا، نتيجة زيادة حجم الإنتاج وتدفق البترول الإيراني.

وانخفاض سعر البترول عام 2016 يحمل أخباراً سارة للبعض وأخباراً غير سارة للبعض الآخر. فمن أكثر الدول تضرراً من هذا الانخفاض هي المملكة العربية السعودية. فانخفاض سعر البترول عام 2016 يترجم إلي خسارة قدرها 40 مليار دولار أمريكي للسعودية، وما لا يقل عن خمسة مليارات دولار أمريكي لليبيا. وإيران لن تتأثر سلبياً من هذا الانخفاض بل علي العكس ستستفيد إيجابياً من زيادة حجم التصدير، حيث يري بعض الخبراء أن إيران تستطيع تصدير من أربعمائة ألف إلي خمسمائة ألف برميل من مخزونها دون حاجة إلي ضخ أية استثمارات إضافية.

ولاشك أن هذا الانخفاض الإضافي في سعر البترول له أثر إيجابي نسبي علي الاقتصاد المصري، حيث تقل تكلفة الاستيراد علي مصر. ولكن في رأيي أن مصر يجب أن تزيد من قدرتها علي تخزين النفط الخام لكي تستفيد من انخفاض هذه الأسعار الآن، إن رفع قدرة مصر التخزينية لاشك قرار استراتيجي في غاية الأهمية، ويحتاج إلي استثمارات عاجلة. نفس الأمر ينطبق علي استيراد القمح، فرفع قدرتنا علي التخزين الاستراتيجي يمكّننا من توفير مليارات الدولارات في المستقبل حال ارتفاع الأسعار، ويقلل من العجز في الميزان التجاري في المستقبل، ويحد من الضغط علي الاحتياطي النقدي الأجنبي. فالخلاصة أن الاتفاق الإيراني يمكن لنا في مصر أن نستفيد منه.

ولا تقتصر آثار الاتفاق الإيراني علي أسعار البترول العالمية فبلا شك ستستفيد إيران من فك أكثر من مائة مليار دولار من أصولها المجمدة في الخارج. ولكن الأهم هو تأثير هذا الاتفاق إيجابياً علي التبادل التجاري الثنائي مع العديد من دول العالم. فالدول المستفيدة من هذا الاتفاق كثيرة منها إنجلترا ويليها الصين والهند، وهم من أكبر الشركاء التجاريين لإيران قبل المقاطعة. ولذلك لم يكن من المستغرب أن تكون بريطانيا أول دولة أوروبية تسارع بفتح سفارتها في إيران هذا الأسبوع.

وطبقاً لتوقعات البنك الدولي، فإن رفع الجزاءات عن إيران من شأنه أن يؤدي إلي ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلي 5.1% في عام 2016 بعد أن كان قد وصل بالسلب إلي أكثر من (-6.8%) في عامي 2012 و2013، وستكون إيران بهذا الاتفاق قادرة علي استرداد عائداتها من الصادرات، حيث بلغت خسائر إيران أكثر من 17 مليار دولار أمريكي نتيجة انخفاض صادراتها بهذا المبلغ خلال الفترة من 2012 إلي 2014.

لم يتأثر حجم التبادل التجاري بين مصر وإيران كثيراً نتيجة العقوبات الاقتصادية، ولكن لاشك أن حجم التبادل التجاري من الممكن أن يتضاعف إيجابياً لصالح مصر لو أحسنّا إدارة الميزان التجاري وذلك من خلال تعظيم سلع ومنتجات مصرية مقابل النفط الإيراني ونفس الشيء ينطبق علي علاقاتنا التجارية بروسيا. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق