الخميس، 8 أكتوبر 2015

لا لتعديل دستور 2014

جريدة الاخبار - 8/10/2015

أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها

الحوار بشأن تعديل نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم" ويضرب مسيرة الإصلاح في مقتل.
بدأت تتكون لديّ قناعة بأن كثيرا من السياسيين والنخبة صاروا يتفننون في إحداث الفتنة وإثارة الجدل في غير موضعه وفي غير وقته علي نحو يؤدي إلي نشر البلبلة وعدم الاستقرار، والاقتراب من القضايا غير الجوهرية التي تهدم ولا تبني، والتي تفرق ولا تجمع، وخلق حالة من الخلاف غير المجدي، وفتح الثغرات للمتربصين بالوطن وباستقراره، والتبرع باستنزاف الوطن وتماسكه.

وإحدي الدلائل علي ما أقول؛ هو ارتفاع نبرة المطالبة بتعديل الدستور الآن، يا الله... ما هذا؟!... يطالب البعض من الآن بتعديل دستور لم يختبر بعد، ولم تدخل العديد من مواده موضع التطبيق!! ودعونا نناقش الأمر بقدر من الموضوعية والهدوء بعيداً عن أي تعصب أو خلاف غير مبرر.

بداءة تعالوا نتساءل عن آلية تعديل الدستور وفقاً لنصوص الدستور ذاته. فطبقاً للمادة (226) لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسبابها.

ولذلك، فإن الحديث عن تعديل الدستور في غير ذي محل الآن، فلا الرئيس طلب تعديل الدستور صراحة، ولا خمس أعضاء مجلس النواب اقترحوا التعديل لأن المجلس أصلاً لم ينتخب بعد، إذا كنا قد نسينا!! أيضاً أصحاب الدعوي المطالبون بتعديل الدستور يرون أن بعض نصوص الدستور تعوق صلاحيات الرئيس، وتحول دون تسيير شئون الدولة وتحقيق الإصلاح، ولا أعلم علي أي سند يقال هذا الكلام، فرئيس الجمهورية طبقاً للمادة (139) من هذا الدستور هو "رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية"، وهو الذي يختار رئيس مجلس الوزراء ويجب أن تحصل الحكومة بعد تشكيلها علي ثقة أغلبية مجلس النواب، وهو شرط بديهي في أي نظام ديمقراطي.

ونظامنا الدستوري الجديد ليس نظاماً رئاسياً خالصاً كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا نظاماً برلمانياً كإيطاليا وانجلترا وألمانيا، وإنما هو نظام شبه رئاسي كما هو الحال في فرنسا، ويميل الدستور المصري إلي تعظيم صلاحيات رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية علي حساب رئيس الوزراء، حتي ولو كان يمثل حزب الأغلبية. فالدستور الجديد لا يعطل صلاحيات رئيس الجمهورية بل يعظمها باعتباره رئيس السلطة التنفيذية.

وفي حالة اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز علي أكثرية مقاعد مجلس النواب - وهو ما لا نتوقعه سياسياً في هذه المرحلة - فإن رئيس الجمهورية هو الذي يختار- طبقاً للمادة (146) من الدستور - وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل وليس رئيس مجلس الوزراء، حتي ولو كان هذا الأخير يمثل حزب الأغلبية أو الأكثرية في البرلمان، فاختيار حقائب الوزارات السيادية حكراً علي رئيس الجمهورية بنص الدستور، ورئيس الجمهورية هو الذي يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية (م151)، وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة (م152)، وهو الذي يعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين ويعفيهم من مناصبهم (م153)، وهو الذي يعلن حالة الطوارئ (م154).. لقد جاء الدستور الجديد متوازناً ومتميزاً في نصوصه التي تحمي الحقوق والحريات الأساسية، ويحافظ علي متانة وسلامة القوات المسلحة، فلا يعين وزيراً للدفاع إلا أحد ضباطها (م201)، ولا يجوز تعيينه إلا بعد الحصول علي موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة (م234).

والبعض الآخر من أنصار فكرة التعديل يرون أن بعض نصوصه ترهق ميزانية الدولة وتستنزفها وغير واقعية كما هو الحال في المادة (18) من الدستور، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، ونفس الأمر بالنسبة للتعليم 4% (م19)، والبحث العلمي 1% (م23). ومشكلة هذه النسب أنها لم تحسب كنسبة من إجمالي الموازنة، وإنما من الناتج القومي، وهو ما قد يقفز بها إلي نسب تتجاوز 10% أو 15% من حجم الموازنة، وهو أمر غير قابل للتحقيق في ظل العجز الحالي في الموازنة. وهذا النقد له أسبابه الاقتصادية، ومع ذلك فإن هذا الالتزام علي الدولة يأتي مع موازنة 2016-2017. ويمكن للحكومة ومجلس النواب وضع إطار في حينه لرفع مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي.

ما أريد أن أقوله هو أن الحوار حول تعديل الدستور الآن سابق لأوانه، لأسباب عديدة منها أن معظم مواده لم يتم تفعيلها ولم تختبر بعد، وأن صاحب الحق في طلب التعديل لم يطلبه، ومبررات التعديل غير واضحة والتعديل الآن يضر ولا ينفع فهو مدخل واسع نحو عدم الاستقرار الدستوري والسياسي بشكل غير مبرر، ويفتح الباب لمناقشة وإعادة الجدل حول باقي النصوص الدستورية جميعها، إن الجدل بشأن تعديل الدستور الآن أيضاً من شأنه التشكيك في جديتنا بشأن تطبيق القانون واحترام النصوص الدستورية، ويخلق حالة من الانقسام نحن في غني عنها الآن. فكيف نفتح الباب لتعديلات جوهرية علي دستور تم الاستفتاء عليه منذ عام تقريباً، ولم تفعّل بعد نصف نصوصه تقريباً؟! وحسناً فعل المشرع الدستوري حينما حصن بعض مواد الدستور من قابليتها للتعديل أو التغيير، فلا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات (م226/5 من الدستور).

لا أريد أن أحجر علي رأي أحد أو أشكك في نوايا أي من أصحاب الرأي، ولكن في رأيي أن مناقشة تعديل أي من نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم"، ويضرب المسيرة الإصلاحية في مقتل. أرجو من الرئيس مخلصاً ألا يستجيب لهذه الدعوات.

كلمة أخيرة: حكومة شريف إسماعيل مستقرة، وليست انتقالية:
أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها ويطلب إعادة تشكيل الحكومة. وأتوقع أن يطلب أعضاء مجلس النواب إجراء تعديل علي بعض أعضاء الحكومة ولكن هذه قضية أخري. فالرئيس بدعمه هذا أنهي فكرة التأقيت الحكومي، وفكرة الحكومة الانتقالية، ولا أجد عذراً لرئيس الحكومة أو أي من الوزراء في عدم اتخاذ قرارات حاسمة، فرئيس السلطة التنفيذية - أي رئيس الجمهورية -  أعلن استمرار الحكومة ودعمه لها.

إن أخطر ما تعرضت له مصر منذ ثورة 25 يناير هو الطابع التأقيتي والانتقالي وعدم الاستقرار لكافة الحكومات التي تم تشكيلها منذ فبراير 2011، وحتي حكومة المهندس محلب الأخيرة، وهو الذي انعكس بدوره سلبياً علي كافة مؤسسات الدولة وزادها وهناً علي وهن. وأرجو أن تكون كلمة الرئيس السيسي هي الكلمة الحاسمة والأخيرة في إنهاء حالة التأقيت وعدم الاستقرار، وأن تعامل حكومة المهندس/ شريف إسماعيل علي أساس كونها حكومة مستقرة ومستمرة قادرة علي اتخاذ قرارات إصلاحية صعبة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق