الأحد، 7 أكتوبر 2012

أين مصر الآن بين دول العالم؟

مجلة السياسي - 7/10/2012


صدر منذ أسابيع قليلة التقرير السنوي العالمى للتنافسية
(The Global Competitiveness Report)
عن المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum) لعام 2012-2013.

ويعد مؤشر التنافسية العالمي المقياس الدولي الأهم والأكثر استخداماً في مجال قياس التنافسية على مستوى دول العالم (144) دولة. 

ويضع هذا التقرير والذي امتد اصداره على مدى أكثر من ثلاثين عاماً مؤشرات متعددة لقياس مدى نمو وتقدم دول العالم، ومدى نجاح حكوماتها على تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية لشعوبها.


وقد جاء التقرير السنوي ليضرب جرس الإنذار الآخير، ويؤكد للأسف على تدهور مستوى التنمية في مصر، والتي وصل ترتيبها بين دول العالم إلى الترتيب رقم (101)، فجاء ترتيب مصر تالياً بدرجات كبيرة لدول لم تكن على خريطة العالم منذ أقل من خمسين عاماً.

 جاءت مصر في مرتبة لاحقة وبمسافة كبيرة عن اليمن!! وفيتنام والمغرب ورواندا وكمبوديا وكينيا وزامبيا وغانا ونيجريا!!!
كنت أتصور أن مثل هذا التقرير، وهو الأهم والأدق على مستوى العالم أن يسبب إزعاجاً شديداً للسيد رئيس الوزراء ومجلسى وزرائه، وأنه كان من شأنه أن يدعو رئيس الجمهورية إلى الاجتماع بمجلس الوزراء وبالمجموعة الاقتصادية لمناقشة التقرير، ووضع خطة حقيقية للنهوض بركائز الإصلاح.

وتقرير التنافسية الدولية يضع اثنى عشر معياراً أساسياً ومعايير تبعية لكل معيار أساسي لقياس القدرة التنافسية لدول العالم وقدرتها على تحقيق النمو والازدهار لشعوبها. والمعيار الأول،
هو الإطار المؤسسي في الدولة المعنية، ويعني التنظيم الإداري والقانوني الذي يعمل في إطاره الحكومة والمواطنون والمستثمرون. ويقيس مستوى الأداء الحكومي والإداري ومدى كفاءة أجهزة الدولة وقدرتها على تحقيق خطط التنمية، ويقيس هذا المعيار كذلك درجة تفشي الرشاوي والبيروقراطية والمحسوبية ومدى الالتزام بالقوانين واستقلالية القضاء ودرجات الإنفاق الحكومي. وللأسف الشديد، جاء ترتيب مصر متدنياً بين دول العالم في هذا الشأن حيث جاء ترتيبنا الـ (96). وقد بلغ ترتيبنا في إهدار المال العام وإساءة إدارة الإنفاق الحكومي رقم (113). ولولا أن لدينا قدر من الاستقلال القضائي لقبعنا في ذيل دول العالم لا محالة! ما الذي تحتاجه حكومتنا المبجلة حتى تتحرك وتستشعر الخطر! يا سادة، مرة أخرى لا أمل في إصلاح مصر وتحقيق النهضة دون ثورة شاملة في الجهاز الحكومي والإداري للدولة. لقد بلغت درجة العفونة أقصى درجاتها في أجهزة الحكم المحلي والمحافظات والوزارات، وللأسف بدأت العفونة تنتشر في الجامعات، وحذاري من أن يمتد ذلك إلى القضاء.

أما المعيار الثاني، فيقيس كفاءة البنية التحتية للدولة المعنية، وقدرتها على دفع الاقتصاد وتحقيق الحاجات الأساسية للشعب بما في ذلك مرافق الطرق والمطارات والسكك الحديدية والكهرباء والاتصالات. وتحتل مصر في هذا الشأن المرتبة الـ (83) على مستوى العالم، وإن جاءت جودة الطرق وسلامتها في المرتبة الـ (109) على مستوى العالم، فلا عجب في أن نكون من أبطا مدن العالم مرورياً وأكثرها نزيفاً لدماء المصريين نتاج حوادث الطرق، ألا يحفز ذلك الحكومة على أن يكون من بين أولوياتها العمل مع القطاع الخاص على تطوير بنية الطرق في مصر للحفاظ على أرواح المصريين ووقتهم وتحين مستوى النقل لأغراض التجارة الداخلية، والربط بين المحافظات والموانئ والمطارات.

أما المعيار الثالث، فيقيس أداء الاقتصاد الكلي للدولة، وعلى وجه الخصوص عجز الموازنة، وحجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، ومعدل التضخم، وحجم الدين الحكومي، والتصنيف الائتماني. وجاء ترتيب مصر الـ (138) من بين (144) دولة على مستوى العالم، أي أن مصر يعد أداؤها الاقتصادي ضمن أسوأ (10) اقتصاديات في العالم، وقد بلغ العجز الحكومي مداه فجاء ترتيب مصر الـــ (142) من بين (144)، نعم لا يوجد خطأ مطبعي!

اما المعياران الرابع والخامس فيقيسان مستوى التعليم الأساسي والصحة، والتعليم العالي، وقد جاء ترتيب مصر الـ (94) والـ (109) على التوالي. وقد تدنت مرتبة مصر فيما يخص جودة التعليم الأساسي إلى المرتبة الـ (137). ويقيس المعيار السادس كفاءة سوق السلع وقد جاء ترتيب مصر الـ (125) على مستوى العالم بسبب سوء السياسات الخاصة بمحاربة الاحتكار (الترتيب الـ 133) وسوء السياسات الضريبية والجمركية (الترتيب الـ 133).

اما المعيار السابع فيقيس جودة وكفاءة سوق العمل، وجاءت مصر ضمن أسوأ (3) دول في العالم في هذا الخصوص لا يليها إلا الجزائر وفنزويلا. وهو ما يؤثر على مناخ الاستثمار ومعدلات التشغيل والتوزيع المرن لسوق العمالة حسب احتياجات القطاعات الاقتصادية.

والمعايير الخمسة المتبقية تتصل بنمو وتطور أسواق المال (الترتيب 102) والجاهزية للتطور التكنولوجي (المرتبة الـ 91) وحجم السوق (المرتبة 29) وهي الميزة النسبية الأساسية الآن التي تتمتع بها مصر وتسمح بالنمو الاقتصادي، ومعيار الابتكار والتطوير (المرتبة 83)، والتجديد والاختراع(المرتبة الـ 109).

ويتضح مما سبق مدى خطورة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تواجهه مصر، وخاصة مايتعلق بسوق العمل، ومستوى الإقتصاد الكلى، والمؤسسات.

 وفي رأيي، فإن أخطر التحديات التي يجب على الحكومة مواجهتها الآن تتمثل في أمرين الأول: إصلاح مناخ الاقتصاد الكلي من خلال العمل على الحد من الإنفاق الحكومي، وخفض العجز في الدين الداخلي، وزيادة حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، وخفض العجز في الموازنة، والعمل على رفع درجة ترتيب الائتمان. ويكون ذلك من خلال آليات محددة وجدول زمني محدد، فالحد من الإنفاق الحكومي وترشيده يستلزم إرادة سياسية قوية وخفض العجز في الدين الداخلي يستلزم وقف فوضى الدعم. كما أن إصلاح مناخ الاستثمار فوراً، وخفض درجة المخاطر الائتمانية يستلزم العمل على تحقيق الاستقرار السياسي وإرساء الأمن بقوة وبسرعة.

أما الأمر الثاني، فيخص كفاءة سوق العمل، وهو ما يقتضي العمل مع ممثلي العمال وأصحاب العمل والحكومة على اتخاذ إجراءات عاجلة وفورية للحد من فوضى الإضرابات والاعتصامات لمدة عام واحد، وتحسين علاقات أصحاب الأعمال – العمال بشكل مؤسسي مع الاستمرار في دعم الإطار المؤسسي للمفاوضات الجماعية، والحريات النقابية، وربط الأجور بالإنتاج، وتحقيق العدالة الإجتماعية.

أما على المستوى المتوسط والبعيد فيما يخص التعليم والإصلاح المؤسسي والنبية التحتية فالأمر ليس بالصعوبة بمكان، ولكن علينا الآن أن نوقف النزيف ونحدد الداء والدواء.

أرجو من السيد رئيس مجلس الوزراء أن يضع تقرير التنافسية تحت نظره، وهو يخطط لاستراتيجية الحكومة، ويضع المعايير السابقة لقياس التنمية تحت نظر أعضاء حكومته الموقرة، فلو لم يكن هناك إطار وأهداف ومعايير محددة للقياس عليها وبرنامج زمنى محدد لكل معيار، فلن يتجاوز الأمر مزيد من "المكلمات" و"الحكاوي" وأحاديث "طق الحنك" التي نحن غنى عنها الآن.

هذه ليست دعوة لليأس، بل العكس دعوة للعمل لتحقيق آمال المصريين، وهو أمر فى متناول أيادينا.

الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

أحلم

مجلة السياسى - 2/10/2012

القائد الحقيقي للأمة هو من يستطيع تحويل أحلام شعبه البسيطة والمشروعة إلى واقع ملموس وحقيقة مرئية. لا نريد برامج وأوهام، لا نريد كلام إنشائي ومكلمات. كفانا!! أحلم لأهلي جميعاً فقراء قبل الأغنياء بكوب مياه نظيف غير ملوث، أحلم لغير القادر والقادر منهم على أن يحصل على غذائه اليومي دون أن يدخل جوفه مواد مسرطنة تأكل أمعائه وتنخر في عظامه، أحلم للجميع استنشاق هواء ربنا النقي دون تلوث يقضى على رئة الإنسان دون هوادة، أحلم للمصريين جميعاً أن يتلقوا العلاج حيث يقطنون بتشخيص طبي سليم، وعلاج فوري، ودواء حال وفي متناول الجميع .. أحلم لأطفالي وأبناء وطني بتعليم أساسي يركز على بناء الإنسان يسلحه بالفكر والعلم يربي فيه ملكة الإبداع والحوار واحترام الآخر، تعليم يغرس قيم حب الوطن والعطاء وعمل الفريق البناء، تعليم يهتم بالكيف لا بالكم، تعليم معنى باحترام وغرس قيم التسامح والثقافة، تعليم يحترم العقل والفكر والفن والنظافة والإبداع والحق في الاختيار، تعليم يكرس قيم المساواة والعدالة --- أحلم لأبناء وطني جميعاً بمسكن نظيف يليق بكرامة وإنسانية البشر --- أحلم بالقضاء على العشوائيات --- أحلم لإبنتي ونساء مصر جميعاً بحقهم في التعليم والعمل دون أن يصنفن على أساس وصفهن الاجتماعي أو مظهرهن الخارجي، أحلم بحقهن جميعاً في ركوب المواصلات العامة دون تحرش أو إيذاء بدني أو لفظي ---- أحلم لهن بمعاملة كريمة على أنهن نصف المجتمع بما تعنيه الكلمة --- أحلم لأبني وأبناء مصر جميعاً بالحق في التعليم، وبالمساواة في العمل، وبحقهم في المنافسة المشروعة، وعدم التمييز.


أحلم لأبنائي وأخواتي وآبائي من أبناء هذا الوطن بألا يتعرضوا للإهانة من رجال الأمن، وألا يظلم منهم أحداً، وألا تهدر كرامتهم، وألا تلفق لهم قضايا، وألا يحتجزوا في السجون أو المعتقلات لآرائهم السياسية أو الفكرية--- أحلم لهؤلاء جميعاً بأن يكونوا في مأمن على حياتهم وأموالهم، وألا يتعرضوا للإهانة والبلطجة --- أحلم بمأوى للجميع --- أحلم بالقضاء على ظاهرة أطفال الشوارع المصدر الرئيسي لعصابات المستقبل --- أحلم بحياة كريمة لهؤلاء الأطفال، والقضاء على أسباب هذه الظاهرة المشينة --- أحلم بطريق آمن لا تسفك فيه دماء الأبرياء نهاراً وليلاً جراء حوادث السيارات وعربدة سائقين بلا رادع يسفكون دماء شبابنا وأرباب الأسر، وأطفال في عمر الزهور --- أحلم بطرق مرور انسيابي لا يستهلك فيه الوقت والمال والصحة ولا يتآكل على الإسفلت اقتصاد بلد بأكمله --- أحلم بقضاء عادل الجميع أمامه متساوون أمام القانون --- أحلم بقضاء مستقل لا تتدخل في شئونه حكومة أو سلطان --- أحلم بقضاء كفء متخصص ينجز في الفصل في القضايا --- أحلم بخلو مصر من الفساد والرشاوى والمحسوبية --- أحلم لكل مواطن غير قادر على العمل بحد أدنى لدخله بما يسمح له بحد أدنى من الحياة الكريمة --- أحلم بنظام سياسي يحترم الحقوق والحريات --- أحلم بنظام سياسي يؤمن بتداول السلطة والمحاسبة يحترم الرأي والرأي الآخر، ويقوم على أهل الخبرة والكفاءة لا أهل الثقة --- أحلم بنظام سياسي يؤمن بالاحتواء لكافة أبناء الوطن لا إقصاء طائفة منهم على أساس دينهم أو جنسهم أو عرقهم --- أحلم برجال دين وعلماء يدعون لفضائل الإسلام والحب والوحدة الوطنية، لا رجال دين مدعون للعلم يحرضون على القتل والكراهية والعنصرية، أحلم بعلماء دين يشجعون على العلم والبناء والتحديث لا التقليد والجمود والهدم --- أحلم بجامعات ومعاهد تعليمية تربط برامجها بأسواق العمل واحتياجات مصر الحقيقية، وتكون مصدراً لإنتاج أفضل أيادي العمل والعقول في العالم أجمع --- أحلم لمصر بأن تكون دولة إنتاج لا استهلاك --- أحلم بأن تأتي مصدر في الصدارة بين دول العالم لا أن تقبع في المركز الـ 90 بين 139 دولة على مستوى كفاءة سوق العمل والصحة والتعليم والاقتصاد الكلي والابتكار والمؤسسات والبنية التحتية فهذه مرتبة دنيا لا تليق بالإنسان المصري --- أحلم بحاضر ومستقبل لمصر يليق بماضيها وحضارتها --- أحلم بالكرامة للمواطن المصري داخل بلاده وخارجها.

أحلامي ليست مستحيلة، فإذا ترجمنا أحلامي وأحلام الملايين من البسطاء إلى لغة النخبة ورجالات السياسة والاقتصاد فهي تعني أن تعمل الحكومة على تحقيق "التنمية الشاملة المستدامة" وأن تعتمد رؤيتها وبرامجها على الركائز الآتية:

الركيزة الأولى: بإصلاح الاستثمار البشري، ويشمل تطوير جودة التعليم، وسوق العمل والصحة.

الركيزة الثانية: بإصلاح مؤسس شامل لكل أجهزة الدولة بكل ما تعنيه الكلمة بما في ذلك مرفق القضاء والقطاع الحكومي والمحلي.

الركيزة الثالثة:الإصلاح السياسي والدستوري. 


الركيزة الرابعة إصلاح الاقتصاد الكلي ويشمل معالجة العجز المالي والتضخم ومعدلات المدخرات الحكومية والدين الحكومي. 


الركيزة الخامسة: الابتكار والتطوير التكنولوجي. 


الركيزة السادسة: تطوير البنية التحتية. 


الركيزة السابعة: تطوير مناخ الاستثمار.


ألم يحن الوقت بعدلتعلق علينا الحكومة الجديدة ركائز الإصلاح التى تتبناها، وآلياتها والخطة الزمنية لتنفيذها، يا حكومة أين برامجك ورؤيتك لتحويل أحلام المصريين إلى واقع ملموس؟

الأحد، 9 سبتمبر 2012

الحزب الحاكم والمعارضة

9/9/2012


لدينا الان حزب حاكم بكل ما تعنيه الكلمة هو حزب الحرية و العدالة، فالرئيس المنتخب د/محمد مرسي هو رئيسه السابق، وبرنامجه الرئاسي الانتخابي هو برنامج الحزب، ومجلس الشوري اغلبية اعضائه من الحرية والعدالة، والذي قام بتعين رئيس الحكومة الجديدة هو الرئيس المنتخب، وتنوعت تشكيلة الحكومة من وزراء منتمين لحزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين، وكانت لهم الكلمة النهائية في اختيار الوزراء من خارج الجماعة، فان الاختيار كان للرئيس/ محمد مرسي، وكان لجماعة الاخوان المسلمين و حزب الحرية و العدالة كذلك رؤية واضحة في رسم السياسات الخاصة بالحكومة.

وقد أعلن رئيس الحكومة تبنيه مشروع النهضة الذي أعلنه الرئيس مرسي، وهذا البرنامج بحذافيره هو برنامج حزب الحرية و العدالة. و قد أعلن عدد كبير من المحافظين وخاصة في الدلتا تأييدهم لبرنامج النهضة والالتزام به. ولأعضاء حكومة حزب الحرية و العدالة تأثير هام علي وزارات الحشد و الخدمات و منها، د/اسامة ياسين لوزارة الشباب ،والسيد/خالد الازهرى لوزارة القوي العاملة ،والسيد/ عبد المقصود لوزارة الاعلام، والمهندس طارق وفيق لوزارة الإسكان واخرين. ولحزب الحرية والعدالة الحاكم وجماعة الاخوان هيمنة علي النقابات المهنية، وتأثير كبير الان علي اتحاد عمال مصر ولا شك فيه ان حركة تعيين المحافظين الأخيرة شهدت نمو نفوذ الحزب الحاكم و هيمنته علي مؤسسات الدولة و خاصة المؤسسات الصحفية، ولم يسلم كل من المجلس الأعلي لحقوق الانسان، والمجلس الأعلي للصحافة من هذه الهيمنة. وبدأ نفوذ الحزب الحاكم يمتد كذلك وبسرعة شديدة إلي المؤسسات الاقتصادية وبدايتها كانت مع شركة المقاولون العرب وسوف تكون هناك محاولات بشكل اكبر خلال العام الحالى لنشر نفوذ الحزب الحاكم على الشرطة والمؤسسة العسكرية والقضاء.

ولا غضاضة فى ظل النظم الديمقراطية من سعى الحزب الحاكم الى نشر نفوذه ومحاولة تعميق جذوره فى المجتمع لتنفيذ برنامجه الحكومى وسياساته التى انتخب على اساسها. ولكن الخطر كل الخطر على الوطن ان يسعى الحزب الحاكم الى احلال اتباعه محل الدولى وان يكون الاختيار مبنيا فقط على الولاء والطاعة والثقة وهو ما يعنى اقصاء اصحاب الكفاءات ممن لا ينتمون الى الحزب الحاكم هو ما يهعنى ببساطة انتاج النظام السابق.

فالمعضلة الحقيقية فى رايي ان الحزب الحاكم قد بدا يستحسن فكرة الابقاء على الهيكل المؤسسى للنظام السابق مع الاقتصار على احلال قيادات جديدة تنتمى الى الحزب الحاكم الجديدة محل القيادات القديمة ومن ثم الاستفادة من السيطرة والتمكين القائم. وهذا هو مكمن الخطورة فمشكلة مصر لم تكن ابدا فى الاشخاص بقدر ما كانت تتعلق بفساد مؤسسات الدولة وعدم صلاحيتها وهشاشة الدولة وهو ما عبر عنه دكتور جلال امين بنظرية "الدولة الرخوة" . فلا افهم حتى الان مقاومة الحزب الحاكم لاصدار قوانين الحريات النقابية والنقابات المستقلة الا اذا كان السبب هو الرغبة فى الابقاء على اتحاد عمال مصر بهيكلة الحالى والهيمنة عليه واستخدامه وتطويعه لاغراض الحزب الحاكم على الرغم من ان هذا الاتحاد وفساده الهيكلى هو الذى اضر بالعمال وبحركة العمالية فى مصر. ولا افهم كيف يتم الابقاء على وزارة الاعلام فى حين ان الجميع اتفق على ان هذة الوزارة كانت مفسدة مطلقة وان الحل الوحيد هو الغائها واسناد شئونها الى اتحاد مستقل . ومع ذلك قررت حكومة الحزب الحاكم الابقاء على وزارة الاعلام ربما للرغبة فى تطويع الاعلام الحكومى لصالح الحزب الحاكم على النحو الذى مضى وربما لمحاولة التاثير عليه ومواجهة الانتقادات والهجوم على الحزب الحاكم من قبل الاعلام الخاص.

ولم أفهم كذلك تعيين أعضاء من الحزب الحاكم في مجلس حقوق الإنسان، مع أن الأصل هو أن يكون أعضاؤه مستقلين عن الحكومة.
إن الاستمرار في استغلال النظام المؤسس الحالي الفاسد من قبل الحزب الحاكم لن يحقق النهضة التي ينشدها، وإنما يعمق من الدولة الرخوة ويعجل بالانهيار.

في المقابل لن تتحقق التنمية والنهضة بدون معارضة قوية، "فكما نحتاج إلي حكومة منتخبة قوية نحتاج فورا إلي معارضة مستنيرة أقوي" لها كوادرها وكفاءتها ورؤيتها الواضحة، لديها جذور شعبية وقدرة علي الحشد والتأثير، والقدرة علي الوصول إلي الحكم عن طريق الصندوق الانتخابي، والأهم القدرة علي الحكم حال وصولها إليه. ولن نبني مصر قوية بدون حكومة قوية ومعارضة أقوي.فأين المعارضة الآن من الحزب الحاكم.للأسف الشديد، فإن المعارضة لاتزال ضعيفة رغم أنها تضم أفضل العقول، وأخلص الرجال مثل د/ محمد غنيم ود/ البرادعي والمهندس/منير فخري عبد النور، ود/أيمن نور، وحمدين صباحي، وعمرو موسي، والأهم أجيال مخلصة من خيرة شباب مصر وعقولها.

إلا أن المعارضة لاتزال منكبة علي مشاكلها الداخلية، ومحاولات تأكيد زعامات واهية، وتعاني من قصور في الهمة، وعدم الحماسة للعمل الشعبي، وقصور في التمويل، تركيز الأحزاب السياسية علي نقاط اختلافها وعلي مايفرقها أكثر مما يعمقها.علي قوي المعارضة المستقلة وأحزابها التوحد وخلق معارضة قوية لمواجهة حكومة قوية لأن هذه هي الديمقراطية، وهذا هو الحل الوحيد لبناء مصر قوية، وتحقيق النهضة، فإن لم يحدث ذلك من الآن، فلا تلوموا إلا أنفسكم، ولاتلعنوا حظوظكم، ولاتلوموا الحزب الحاكم فقد أفسحتم له الطريق.




السبت، 8 سبتمبر 2012

أزمة الإقتراض الحكومى وترشيد الدعم



مجلة السياسى - 2/9/2012

سألني أحد الصحفيين الشبان هل تحتاج مصر إلي الإقتراض للخروج من الازمة الحالية؟

فأجبته أن الإقتراض الحكومى من الخارج أو الداخل لا يكون إلا في حالات الضرورة القصوي وبشكل إستثنائي.

فسألني وهل نحن في حالة ضرورة الآن؟ أجبته للأسف نعم في حالة ضرورة، وأصبح الإقتراض شر لا مفر منه للحد من آثار الأزمة الإقتصادية الحالية ، فحجم العجز في الموازنة أي إنخفاض الإيرادات عن المصروفات يتراوح ما بين 30 إلي 35 مليار دولار أمريكي، أي أن حجمى العجز اليومي يبلغ 500 مليون جنيه، أي أن الحكومة تواجه يومياً عجز لمواجهة إحتياجاتها (500 مليون جنيه في اليوم الواحد)!!
كما وصل حجم الإحتياطي الأجنبي إلي حوالي 11 مليار دولار أمريكي بعد ان كان 40 مليار في بداية عام 2011.

فمصر تنفق شهرياص (4) مليار دولار أمريكي يصلها إيراد قدره (2) مليار دولار أمريكي فقط، وحجم الفاقد من التدفقات النقدية يصل تقديره إلي 25 مليار دولار أمريكي نتيجة توقف الإستثمارات وضعف التدفق السياحي. والمحصلة 20 مليون عاطل عن العمل بكل مايحمله ذلك من عبء إنساني وأخلاقي وإجتماعي وسياسي.

فالإقتراض ضرورة لسد العجز في الميزانية الجارية، وضرورة لمواجهة أوضاع ومخاطر حالة مؤقتة.

ولكن الإقتراض عبء علي الدى المتوسط والطويل ولايصلح لتحقيق التنمية والنهضة والإستقلالية.

فالإقتراض من صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولي يعد من قبيل حالات الضرورة لمواجهة أزمة عاجلة، ولكنه أبداً لا يعد حلاً لمشاكلنا، واذا لم يكن هذا الإقتراض مصحوباً بإجراءات إصلاحية، إقتصادية، وإجتماعية ومؤسسية حقيقية وعاجلة فإنه سيكون وبالاً علي مصر إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً.

فنحن لسنا بحاجه الي صندوق النقد الدولي ليقول لنا لابد من زيادة الإنتاج، وتشجيع الإستثمار، وترشيد الدعم الحكومي وضمان وصوله لمستحقيه. فهذه أمور علينا أن نبدأ بها فوراً ودون لكاعة. ومن الأمور التي تلكعنا فيها كثيراً حتي وصلنا إلي ما وصلنا إليه هو مسألة "دعم المواد البترولية" الذي بلغ قدره في موازنة 2011/2012 حوالي 96 مليار جنيه. ويمثل هذا الدعم قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها للسوق المحلي سواء عن طريق الإنتاج المحلي أو إستيراد بعضها من الخارج.
والأصل في مفهوم الدعم أن يكون دعماً للفقراء لإعانتهم علي مواجهة أعباء الحياة والحصول علي الخدمات الأساسية والضرورية للحياة بتكلفة معقولة يستطيعون تحملها. ولكن للأسف فانه بسبب سوء السياسة والفساد والانهيار المؤسسي، فإن 80% من هذا الدعم يذهب للقادرين وغير المستحقين، ويعمق العجز في الموازنة وأصبح يستفيد من الدعم سكان المنتجعات والعمارات الشاهقة، وأصحاب السيارات الفارهة، والفنادق والمصانع الكبيرة. وتشمل المنتجات البترولية (الغاز الطبيعي والبوتاجاز والبنزين والسولار والكيروسين والمازوت). وأنبوبة البوتاجاز علي سبيل المثال تقع تكلفتها الفعلية بحوالي 60 جنيه للانبوبة، سعرها الرسمي أقل من 5 جنيهأي تتحمل الموازنة علي الأقل 55 جنيه، ويتم بيعها في الأسواق ما بين 20 جنيه و30 جنيه أي أن أكثر من 35% من الدعم يذهب الي الوسطاء والوق السوداء؟!

وقد ظلت الحكومات المتعاقبة علي مدار 40 سنة الماضية مرتعشة ومترددة من مواجهة هذه المشكلة التي تفاقمت حتي أصبحت مسألة تهدد بالإنفجار في أية لحظة. والموازنة الحالية 2013/2013 خفضت بالفعل حجم الدعم للمنتجات البترولية من حوالي 96 مليار جنيه الي حوالي 70 مليار جنيه أي أن التخفيض وصل في الموازنة الحالية إلي حوالي 26 مليار جنيه. وكان من المتوقع البدء في خفض الدعم وإجراءات ترشيده منذ أكثر من شهرين ولم يحدث ذلك حتي الآن. يجب أن نصارح الشعب المصري بحقيقة الأزمة وأبعادها وكيفية الخروج منها، يجب أن يكون الشعب شريكاً حقيقياً في القرار وصاحب الإختيار، لا يمكن أيتها الحكومة الإستمرار في سياسات التعتيم والمفاجأة، علينا بمواجهة الشعب بالحقيقة وجعله جزءً من الحل، وليس جزءً من المشكلة، علينا أن نجعل من هذا الشعب فاعل وليس مفعول به.

يا حكومة لا تتواري خلف صندوق النقد الدولي، والإدعاء بأن رفع الدعم وترشيده مفروض علينا من قبل المؤسسات الدولية، فأكرم للشعب المصري والحكومة أن يتخذ القرارات الصعبة، ويواجها الأزمات معاً بدلاً من فرضها علينا من الغير. فقد بلغ الشعب المصري سن الرشد ولم يعد قاصراً،  وأصبح قادراً علي اتخاذ القرارات الصعبة لبناء حاضر ومستقبل يليق بهذه الأمة، صارحوا الناس بالحقائق فهذا هو الحل.

ويجب أن يكون للحكومة سياسة واضحة بشأن الإصلاح المؤسسي، ودعم الإستثمار، والتنمية الإجتماعية، وترشيد الإنفاق الحكومي. وهناك قرارات أكثر صعوبة سيستعين علي الحكومة الحالية إتخاذها منها التوقف عن دعم الجنيه المصري في مواجهة الدولار وترشيد دعم السلع الغذائية.




الأحد، 26 أغسطس 2012

إستثمار القطاع الخاص فـى مشـروعــات الـبنيـة الأسـاسيـة

مجلة السياسي - 26/8/2014

حسناً فعل الدكتور/ هشام قنديل بإنشاء وزارة مستقلة للمرافق تكون مسؤلة عن إنشاء وتشغيل محطات مياه الشرب والصرف الصحى وغيرها من المرافق الأساسية، وإن ظلت مشروعات الكهرباء والطاقة مسؤلية وزارة الكهرباء

إن إستكمال خطة التنمية العمرانية، والتطوير الصناعى، والقضاء على العشوائيات والبدء فى مشروعات التنمية العملاقة مثل تنمية وتطوير سيناء وقناة السويس وخليج السويس، وإنشاء وتطوير الموانئ البرية والنهرية والبحرية يحتاج إلى مئات المليارات من الجنيهات. فمن أين تأتى الحكومة بهذه الأموال لمشروعات البنية الأساسية التى بدونها لا أمل فى التنمية الحقيقية للإنسان المصرى وللأجيال القادمة؟؟

وتزداد صعوبة السؤال بمراجعة الموازنة العامة للدولة للسنة المالية (2012/2013) لنجد أن الإيرادات العامة المتوقعة تبلغ حوالى 393،4 مليار جنيه مصرى فى حين تصل المصروفات إلى533،7 مليار جنيه مصرى تقريباً أى أن العجز فى الموازنة يصل إلى حوالى 140 مليار جنيه مصرى! وهو أمر مخيف. ويزداد الأمر تعقيداً إذا قمنا بتحليل بنود المصروفات العامة لنكتشف أن 25،6 % من المصروفات يذهب إلى الأجور والمرتبات بمبلغ قدره 36،6 مليار جنيه، وأن الفوائد المستحقة على خزانة الدولة لخدمة القروض المحلية والدولية بلغت تقديراتها 25% من مصروفات الموازنة بمبلغ وقدره 133،6 مليار جنيه. فإذا نظرنا على ال 50% المتبقية للمصروفات العامة نجد أن أكثر من نصفها بقليل يذهب إلى دعم السلع والخدمات والمنتجات البترولية بواقع حوالى 27،3% من إجمالى الموازنة بمبلغ وقدره 145،8 مليار جنيه، وتنفق ال 10% من المصروفات فى شراء السلع والخدمات للجهات الحكومية.

أى أن ما يتبقى من الموازنة لتمويل إستثمارات المرافق الأساسية يصل بالكاد إلى حوالى5% من إجمالى الموازنة لتمويل مشروعات البنية الأساسية وهى تعتبر نسبة ضئيلة للغاية ولا تغطى إحتياجات مصر للتنمية. ولذلك، فإنه لا غرابة فيما نشهده من سوء خدمات الطرق والصرف الصحى والمياه والكهرباء، وضعف التنمية الإجتماعية والإقتصادية.
عرضنا المشكلة فما هو الحل؟ لا أمل فى تحقيق التنمية الشاملة دون الإسراع بتنفيذ مشروعات البنية الأساسية، ولن تحقق الأخيرة دون مشاركة القطاع الخاص فى تمويل وتشغيل مشروعات البنية الأساسية. ولم يعد هذا الحل إلا الخيار الوحيد المتاح إن كنا جادين فى مشروع التنمية والإصلاح.

وأتوجه بنصيحة خالصة إلى الصديق الدكتور/عبدالقوى خليفة الوزير المسؤل عن المرافق الأساسية، لا تتعب نفسك كثيراً يا دكتور عليك فوراً ومن اليوم فى طرح المشروعات التى تحتاج إليها على القطاع الخاص لكى يقوم بتمويلها وتشغيلها. ونفس النصيحة أقدمها إلى وزير الكهرباء وخاصاً بشأن مشروعات محطات الكهرباء والطاقة المتجددة، فدور القطاع الخاص فى التنمية لم يعد رفاهية. فطرح هذه المشروعات على القطاع الخاص بضمان حكومى يعنى مواجهة العجز فى الموازنة الحكومية، ويعنى رفع قدرة الحكومة على إنشاء مشروعات أساسية ومرافق حيوية دون إبطاء، ويؤدى إلى توجيه جزء أكبر من الموازنة إلى الخدمات الإجتماعية كالتعليم والصحة، ويساعد فى تحسين مستويات أداء الخدمة ومواجهة البطالة. ومع ذلك فإن نجاح هذه المشاركة له شروطه ومتطلباته، أولها ضرورة خلق كوادر فنية حكومية رفيعة المستوى لدراسة الجدوى الإقتصادية والإجتماعية للمشروعات الواجب طرحها،  والتفاوض مع القطاع الخاص بما يحقق المصلحة العامة وتوجد وحدة متخصصة لمشاركة القطاع الخاص فى مشروعات البنية الأساسية بوزارة المالية، وبها خبرات وكفاءات متميزة، إلا أن هذه الخبرات لهذا النوع من المشروعات تكاد تكون منعدمة داخل الوزارات الأخرى المسؤلة بشكل مباشر إنشاء هذه المشروعات وتشغيلها.
 كما أن ضمان جودة الخدمة والعدالة مقابل أدائها يقتضى دور هام وفعال للأجهزة الرقابية والمعنية بهذه المرافق. ويجب أن تسعى الحكومة جاهدة إلى دعم هذا البرنامج وضمان مسؤلية الجهات والأجهزة الحكومية المعنية على أن تكون الأولوية للطرق والكبارى ومياه الشرب والصرف الصحى والكهرباء والطاقة المتجددة، وهى مشرعات لها جميعاً مردود إقتصادى وإجتماعى، وكم أتمنى أن تتسع التجربة لتشمل بناء المدارس والمستشفيات ولنا تجارب حديثة لا بأس بها ونحن هنا لا نخترع العجلة فقد سبقتنا فى ذلك دول كثيرة علينا أن نستفيد من تجاربها.       



الأحد، 19 أغسطس 2012

أزمة الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي

مجلة السياسى- 19/8/2012

إتصل بي عدد من ممثلي شركات سوق المال والشركات المقيدة بالبورصة خلال الأسبوعين الماضيين يشكون مما قامت به هيئة الرقابة المالية من إحالة أكثر من 630 قضية إلى النيابة العامة للشئون المالية، وذلك في أسبوع واحد، فالهيئة قررت مؤخراً إلى إحالة عدد من الشكوى إلى النيابة العامة قبل فحصها من قبل الهيئة.


وقد تأكد ذلك فى تصريح لرئيس الهيئة لجريدة الأهرام الأسبوع الماضى كشف أن حوالى 60% من الشكاوى التى تم إحالتها الى النيابة العامة لم يتم فحصها من قبل الهيئة.

 وقد أزعجني هذا الأمر بشكل كبير لأنه يعني أن الهيئة قد قررت أن تتخلى عن دورها الرئيسى، كما أزعجتني أيضاً طريقة التعامل مع القضايا الاقتصادية.

إن هيئة الرقابة المالية هى الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي غير المصرفي، ويشمل سوق المال والبورصة والتأمين والتمويل العقاري والتأجير التمويلي، وغيرها من أنشطة التمويل غير المصرفي. فهو قطاع حيوي للاقتصاد القومي، ويضم آلاف العاملين، ويتعلق باستثمارات بآلاف المليارات من الجنيهات. والهيئة العامة للرقابة المالية مسئولة عن اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للحد من المخاطر غير التجارية للقطاع المالي غير المصرفي وحماية المستثمرين فيه، كما أنها مسئولة كذلك عن دعم هذا القطاع وتطويره. ولا يقل دور هذه الهيئة أهمية عن البنك المركزي المصري، وهو الجهة المنوط بها الرقابة على القطاع المالي المصرفي (البنوك) ووضع السياسة النقدية. وفي العديد من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية، فإن مسئولية الرقابة على القطاع المصرفي أسندت إلى هيئات الرقابة المالية وليس البنك المركزى، وهو ما يدل على أهمية تلك الجهة الرقابية.

وللأسف الشديد، فإن مسلك الهيئة الأخير وما دأبت عليه خاصة بعد ثورة 25 يناير من إحالة القضايا الاقتصادية الخاصة بالقطاع المالى غير المصرفى إلى النيابة العامة دون فحص أو تمحيص أو دراسة متأنية له دلالات في منتهى الخطورة وآثار سلبية هائلة على هذا القطاع، وهو ما يقتضي وقفة جادة في هذا الشأن.

فهذا المسلك يعني تخلي الهيئة عن الدور الذي أناطه بها القانون، فقانون هيئة الرقابة المالية - شأنه في ذلك شأن قانون البنك المركزي المصري- لا يجيز تحريك الدعوى الجنائية في قطاع القطاع المالي غير المصرفي إلا بناءً على طلب رئيس هيئة الرقابة المالية. وهو ما يعنى أنه لا يجوز تحريك أي دعوى جنائية تتعلق بالقطاع إلا بعد دراسة متأنية من الهيئة وفحص، فإحالة الدعاوى الجنائية للنيابة العامة دون دراسة داخل الهيئة يعني ولا شك تتخلي الهيئة عن مسئوليتها القانونية. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

 كما أن إحالة كافة القضايا الاقتصادية المالية إلى النيابة العامة دون إخطار أطرافها أولاً بالمخالفة ومنحهم مهلة لإزالتها أو التصالح بشأنها فيه كذلك إخلال بفلسفة القانون، والتي تجيز التصالح على هذه  المخالفات حتى بعد صدور حكم نهائى فى الدعوة ويتعارض هذا السلوك أيضاً مع مبادئ العدالة ويهدر مبدأ المواجهة فيفاجأ الشخص المعني بإحالته إلى النيابة العامة ثم إلى المحاكمة دون إجراء أي تحقيق ودون مواجهته بالمخالفات المنسوبة إليه، ودون منحه مهلة لإبداء وجهة نظره ودفاعه، ودون إعطائه مهلة لإزالة المخالفة، أو التصالح، فكل هذا إهدار للمال والوقت، والأهم إهدار للعدالة.

أن هذا الكم من القضايا المحالة في أسبوع واحد يعادل ما تم إحالته من قضايا على مدار عامين أو أكثر، وذلك دليل على الفشل الذريع للرقابة المالية. فالرقابة المالية الحديثة تقوم فلسفتها على الرقابة الوقائية أي الرقابة المانعة لحصول المخالفات، فإحالة هذا القدر الكبير من المخالفات دليل على الفشل الرقابي الذي يستوجب الحد من ارتكاب المخالفات، وهو ما يسمى بالرقابة السابقة، أي رقابة الحد من المخاطر، فالرقيب دوره الرئيسى الحد من إرتكاب المخالفات، والحد من آثارها إن وقعت.

فى هذا الإطار يدور تساؤل مهم بشأن اعتبارات الملاءمة ومدى جدوى إحالة هذا القدر الكبير من القضايا مهما بلغت ضآلة قيمتها، ومهما انعدمت خطورتها الاقتصادية، ومهما انخفضت جسامتها. أليس في إحالة هذه القضايا دون إجراءات فحص مسبقة إرهاق شديد للنيابة العامة دون مبرر، أليس في ذلك مضيعة للوقت والمال وما يستوجبه من تعيين لخبراء ومحامين في قضايا تافهة القيمة ولا تمثل أية جسامة. إن لعب دور المحولجى من قبل الرقيب من باب راحة البال، هو تخلي عن المسئولية القانونية، وإلقاء عبء غير ضروري على القضاء والنيابة، ونوع من الاستسهال في هذه الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة، وهو مصيبة ودلالة على عدم إدراك لخطورة الموقف. وأتساءل هل تدرك  الهيئة التكلفة المالية والإدارية والآثار الوخيمة لهذا السلوك، فالجميع يعلم أن أكثر من 50% من الشركات العاملة في هذا القطاع، وبخاصة سوق المال قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس، وأنها مهددة بالتوقف عن النشاط وهو ما يهدد قوت الآلاف من العاملين في هذا القطاع حيث بلغ حجم التداول في سوق المال إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عشر سنوات، فهل من الملائم في هذا التوقيت العصيب أن نضيف أعباء على أعباء دون دراسة، هل يتفق مع مقتضيات حسن إدارة الأزمات أن يكون الرقيب عبئاً إضافياً على السوق، وجزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل.

إن أداء الدور الرقابي الصحيح يستلزم المراجعة الكاملة للموقف، وإعادة النظر في كيفية معالجة الأمر، فأداء الدور الرقابي في هذه الظروف الحرجة يستوجب إعمال العقل والتدبر،إن فلسفة المعالجة للأزمة المالية والاقتصادية لا يكون عن طريق القانون الجنائي، فهذا أقرب ما يكون لسياسة إقحام الأمن لمواجهة مشكلات اجتماعية وتعليمية. وعلينا أن نتوقف عن ذلك فوراً.
رجاءً خاصاً للمسؤلين الحكومين والجهات الرقابية لا تكونوا جزءاً من المشكلة كونوا جزءاً من الحل، الأولى هو العمل على تقوية القطاع المالي غير المصرفي ودعمه في هذه المرحلة الحرجة والعمل على حل مشكلاته، والعمل الجاد على تفعيل الرقابة السابقة ومنع الضرر قبل وقوعه.

الأحد، 12 أغسطس 2012

وصية الدكتور إبراهيم شحاتة إلى أعضاء الجمعية التأسيسة لوضع دستور مصر (2)

مجلة السياسي - 12/8/2012 

استكملاً لمقالى السابق عن وصايا المرحوم العلامة الدكتور إبراهيم شحاته لإعداد دستور جديد لمصر اوضح فيه التالى: 

دور الدولة الاقتصادي والاجتماعى من الأمور الهامة، الأفضل فى معالجتها اتباع سنة الدساتير الحديثة في هذا الخصوص. فبينما تتضمن الدساتير الحديثة نصوصاً ذات طابع اقتصادي، مثل النصوص المتعلقة بحق الملكية الخاصة والنظام الخاص بالموارد الطبيعية، فإن معظم هذه الدساتير تتفادى النص على نظام اقتصادي معين تلتزم به الدولة. فيجب أن يترك الدستور الجديد للحكومة التي ينتخبها الشعب والتي قد تختلف توجهاتها الاقتصادية من حكومة لأخرى. فقد تحل حكومة اشتراكية محل حكومة ذات توجه رأسمالى فعلى كل حكومة منتخبة أن تعمل في إطار الدستور ذاته. فالأهم في هذا الإطار هو النص على دور الدولة في إقرار العدالة الاجتماعية، والنص على الحقوق الاقتصادية للمواطن دون التطرق أو التعرض للنظام الاقتصادي للحكومة. فما نريده للدستور الجديد هو أن ينص على التزام الدولة بتقديم الخدمات الأساسية لجميع المواطنين بمستويات عالية مقابل رسوم تمكن الدولة من توفير هذه الخدمات مع إعفاء غير القادرين مالياً من هذه الرسوم، وعلى أن تلتزم الدولة بتقديم خدمات التعليم الأساسي ومحو الأمية والصحة الوقائية لجميع المواطنين بغير مقابل، كما تلتزم بتوفير المنح الدراسية للطلبة المتفوقين والمحتاجين في التعليم العالي في حدود قدراتها المالية. وفي رأيي الخاص، أنه يجب أن ينص الدستور الجديد على إلتزام الدولة بحد أدنى للدخل لضمان حياة كريمة للمواطن المصري من خلال نظم التكافل والتأمين.

الإبقاء على مجلس الشورى من الأمور المحيرة وتأخذ معظم الدساتير الحديثة بنظام المجلسين في البرلمان. ويرى د/ شحاته الإبقاء على مجلس الشورى مع إعطائه اختصاصات تشريعية موازية لاختصاصات مجلس الشعب كما هو الحال في فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وكذا الدستور الهندي والجنوب أفريقي، على أن يتم انتخاب نصف أعضائه عن طريق الانتخاب العام المباشر في الدوائر التي يحددها القانون، ويتم انتخاب النصف الثاني بطريق الانتخاب غير المباشر أي بواسطة مجالس الجامعات والنقابات المهنية واتحادات العمال والفلاحين أو أن يتم الاختيار من جانب رئيس الدولة بعد التشاور مع الجامعات والنقابات والاتحادات المذكورة.  فالخلاصة، أنه لا جدوى من الإبقاء على مجلس الشورى في ظل دوره الاستشاري الحالي، وعلاقته الشائكة مع الصحف القومية.

 تعين ودور نائب الرئيس: من الأمور الغامضة في دستور (71). ومن ثم فإن وضع نائب الرئيس وما إذا كان هذا المنصب يشترط وجوده وجوباً وما إذا كان من الأفضل أن يُشغل بالانتخاب أو التعيين، من المسائل التي لا بد أن تحظى بالاهتمام عند وضع الدستور الجديد.

       سلطات رئيس الجمهورية الاستثنائية و الخاصة بحالة الطوارئ والحق في إصدار قرارات لها قوة القانون في غيبة مجلس الشعب والتفويض التشريعي والإجراءات الاستثنائية الأخرى الواردة بدستور (71)، لا مثيل لها في الدساتير الديمقراطية الحديثة، ويجب مراجعة هذه الأحكام للحد من الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى السلطات الاستثنائية وتحديد الفترة التي يمكن ممارسة هذه السلطات فيها بمدة قصيرة يحددها الدستور ولا يجيز تمديدها بغير موافقة مجلس البرلمان بأغلبية خاصة للتأكد من أن اللجوء إلى هذه السلطات سوف يظل محدوداً بالحالات الاستثنائية جداً التي تبررها، كما أنه سيكون من المفيد جداً أن ينص الدستور صراحة على عدم جواز تعليق الحريات الأساسية التي يحددها الدستور إبان هذه الفترات الاستثنائية، كما فعلت ذلك أكثر الدساتير الحديثة بل بعض الدساتير العتيقة.

      تمثيل العمال والفلاحين بنسبة 50% فى مجلس الشعب من الأمور الواجب إعادة النظر فيها، حيث أثبت الواقع العملي أن أقدر النواب على الدفاع عن مصالح العمال والفلاحين لم يكونوا بالضرورة عمالاً أو فلاحين، كما أتى  التوسع في تعريف العامل والفلاح إلى تفريغ الأمر من مضمونه بحيث أصبح ضباط شرطة ورؤساء شركات قطاع أعمال عام يرشحون تحت وصف عمال أو فلاحين، فالمسألة تحتاج إلى بحث متعمق بعيداً عن الشعارات الرخيصة حتى نتبين ما إذا كانت المصلحة العامة بما فيها مصلحة العمال والفلاحين تقتضي الإبقاء على نسبة الـ 50% عمال وفلاحين.

      كما يجب أن يحظر الدستور الجديد الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظائف في الحكومة وقطاع الأعمال العام:  فقد استساغ الحزب الحاكم في الماضي ترشيح بعض أصحاب المناصب الكبيرة ورؤساء الشركات التي يعمل فيها أعداد ضخمة وبقى هؤلاء بعد انتخابهم في مناصبهم، ويرى د/ شحاته أن هذا الوضع لا يخلو من الغرابة ولا نجد له مقابلاً في معظم دساتير الدول الأخرى (إلا من حيث جواز الجمع بين منصب الوزير وعضوية البرلمان في الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني حيث يختار الوزراء عادة من أعضاء البرلمان).

      أما مسألة الرقابة على دستورية القوانين: فمن المفيد أن يسمح الدستور الجديد بممارسة المحكمة لاختصاصها قبل صدور القوانين بصورة نهائية وبعد صدورها كذلك، أي أن يسمح الدستور بالرقابة السابقة واللاحقة على دستورية القوانين. أما الرقابة السابقة فتكون بناءً على طلب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب أو من جانب عدد معين من أعضاء مجلس الشعب أو الشورى. أما الرقابة اللاحقة فتكون من خلال إجازة الطعن بعدم دستورية قانون أو لائحة ما بعد صدورهما لكل ذي مصلحة. فحق الأفراد والجمعيات في اللجوء مباشرة إلى المحكمة الدستورية للطعن بعدم دستورية القوانين التي يرونها كذلك من أهم الضمانات الفعلية التي يأتي بها الدستور لاحترام ما يرد به من أحكام،  وسواء تم ذلك أثناء نظر دعوى معينة أمام محكمة أدنى، أو جاء ابتداءً أمام المحكمة الدستورية.

هذه كانت بعض من ملامح وصايا العلامة الدكتور إبراهيم شحاته رحمه الله، فهذه الوصايا نضعها الان تحت نظرأعضاء الجمعية التأسيسية الحالية لمحاولة التوفيق بين الماضي والمستقبل لكي تسير مصر للأمام.


الأحد، 5 أغسطس 2012

وصية الدكتور إبراهيم شحاتة إلى أعضاء الجمعية التأسيسة لوضع دستور مصر (1)

مجلة السياسي - 5/8/2012

الدكتور إبراهيم شحاتة أحد أعظم فقهاء القانون الدولى للقرن العشرين، وعلى الرغم أنه كان نائباً أول لرئيس البنك الدولى إلا أنه لم ينسى أبداً مصريته فقد كان عاشقاً ومخلصاً لمصر حتى النخاع.
وقبل وفاته أصدر كتابه القيم "وصيتى لبلادى" ضمنه وأحلامه لوطنه، وقد كانت وصيته من أجل التغيير إلى الأفضل، تغيير أنفسنا وتغيير مفاهيمنا وتغير سلوكياتنا. إن وصية الدكتور شحاتة لمصر تقع فى (416) صفحة خص منها رؤيته لدستور مصر الجديد فى أكثر من (90) صفحة، ما أحوجنا هذه الأيام لأن تكون هذه الرؤية تحت نظر أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور الجمهورية الثانية. وقد عرض د/شحاتة رؤيته الدستورية من خلال الإجابة على سؤالين،
-          الأول: هل هناك حاجة ضرورية لتغير دستور 1971؟
-          الثانى: كيف نعالج المسائل الأساسية والحساسة فى الدستور الجديد؟
وأما عن إجابة السؤال الأول، فقد إنتهى إلى عدم صلاحيتة دستور (71) لبناء مجتمع جديد. وتبدو أهمية هذه الإجابة فى الرد على من يقولون بأن دستور (71) يصلح للجمهورية الثانية مع بعض التعديلات بالحذف أو الإضافة هنا وهناك.  فدستور (71) برمته لا يصلح لمصر الحديثة، فدستور (71) يفترض مقومات إقتصادية لاتصلح لبناء مجتمع حديث وبناء دولة عصرية، كما انه أخضع كثيراً من الحريات والحقوق المدنية والسياسية الواردة فيه لقيود غير محددة قد يأتى بها التشريع، مما يفقدها أهميتها الدستورية. خاصة ما يتصل بحرية الرأى والتعبير وحرية المواطن فى التنقل والإقامة، فقد جاءت جميعها فى حدود القانون! أن دستور (71) يتضمن شعارات لم تطبق عملاً، فجاء فى صياغته خلط بين الحقائق والأوهام وأقرب فى بعض أحكامة الى النصوص الأدبيىة، والشعارات الجوفاء خاصة ما يتصل بالضمانات التى تكفل الحريات. ويضاف إلى ما تقدم أن دستور (71) توسع فى سلطات رئيس الجمهورية الإستثنائية التى تسمح له بتعطيل العمل بالدستور أو بالقوانين العادية. كما أنه تضمن تفاصيل ليس محلها الدستور، ولاتجد مقابلاً لها فى دساتير الدول الديمقراطية العريقة من ذلك النص على أن الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين– فى الدستور والقانون! ووضع نائب رئيس الجمهورية فى دستور (71) لا معنى له.
كما أن هذا الدستور يتضمن أموراً لا تتفق والديمقراطيات الحديثة خاصة ما يتصل بصفات أعضاء البرلمان، كما يعد من العبث جواز الجمع بين عضوية مجلس الشعب والوظائف في الحكومة والقطاع العام الموجود في دستور (71) إضافة إلى ما يتعلق بكيفية وطريقة موافقة مجلس الشعب على القروض. كما أن هذا الدستور يتضمن أحكاماً عقيمة خاصة بمسئولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء، وكذلك دور مجلس الشورى الملتبس.
وأخيراً، فإن دستور (71) رغم إسهابه لا يتضمن أحكاماً مهمة تنص عليها الدساتير الحديثة، فليس فيه مادة واحدة بشأن حماية البيئة، أو بحقوق المصريين في الخارج أو بحماية الآثار، أو دور المجتمع المدني. كما أن دستور (71) لا يتكلم عن مسئولية البنك المركزي عن السياسة النقدية ولا يكفل استقلاله.
لهذه الأسباب فإنه يجب على أعضاء الجمعية التأسيسية عدم الاعتماد على نصوص دستور (71) كأساس للدستور الجديد، فما  يتضمنه من أحكام وما سكت عنه من أحكام منتهي الصلاحية ولا يجوز التعويل عليه لصياغة (العقد الاجتماعي) الجديد.
والسؤال الثاني، يتعلق بمعالجة المسائل الأساسية والحساسة في الدستور الجديد، وأهمها مسألتى الحقوق والواجبات العامة،وعلاقة الدين بالدولة. فأما الحقوق والواجبات العامة، فإنه يجب أن يأتي النص على الحريات العامة الأساسية على النحو الذي يرد في الاتفاقات الدولية بشأن حقوق الإنسان التي انضمت مصر إليها وذلك حتى تتساوى التزامات مصر الدولية مع التزاماتها الدستورية ويتمتع المصريون بالحريات المقررة لشعوب الدول المختلفة طبقاً لهذه الاتفاقيات. كما يجب أن تأتي الإحالة إلى القانون أو الشريعة في النصوص التي تقيد الحقوق بضوابط محددة للقيود التي يسمح  الدستور بها في هذا المجال، وألا يترك الأمر للسلطة التشريعية في تقييد الحقوق الدستورية على أي نحو تشاء.
 ويجب أن توضح الحقوق الإيجابية (مثل الحق في العناية الصحية والحق في الإسكان والحق فى العمل) مدى الالتزام القانوني للدولة بتوفيرهذه الحقوق، ولا تتركها مجرد عبارات إنشائية. ويجب أن تأتي النصوص الخاصة بالواجبات العامة أكثر تحديداً، بتوضيح من يقع عليهم عبء كل واجب من هذه الواجبات والمسئولية القانونية في حالة الامتناع عن القيام بها. وأخيراً فإنه يلزم  إضافة نصوص جديدة تتصل بالحق في بيئة نظيفة وحقوق المصريين في الخارج وحقوق الوالدين والأطفال. وأما بالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة (المادة 2 من دستور1971)، فقد أدرك الدكتور/شحاته إدراكاً عميقاً لحساسية أية محاولة لتعديل الدستور أو تغييره في العلاقة بين الدين والدولة فأية محاولة لإعادة النظر في الدستور ستكون مناسبة من جانب أصحاب الاتجاهات المختلفة لتغيير هذه الأحكام على النحو الذي يريدونه فالذين يرددون الشعارات الدينية سوف يحاولون بلا شك الإضافة إلى الأحكام القائمة بما يجعل الدستور دستوراً عقائدياً صرفاً على نحو الدستور الإيراني أو النظام الأساسي للحكم في السعودية، مع حذف النصوص الأخرى التي تتنافى مع هذا الاتجاه العقائدي أو تتأسس على اتجاه عقائدي مغاير. والذين يرون أن الخلاص هو بناء دولة عصرية حديثة تحترم الدين دون أن تجعل له دوراً في الحكم سوف يحاولون التخفيف من الأحكام القائمة أو حذفها ضمن محاولتهم تخليص الدستور من النصوص العقائدية المختلفة سواء ما كان منها دينياً أو غير ديني... وللحديث بقية.

 أليس هذا هو الموقف الذي نواجهه اليوم بحذافيره، فالمطالبة بتطبيق الشريعة  - للأسف - قد أصبحت رمزاً لإتجاه سياسي، وهو رمز يعرف أصحاب هذا الاتجاه أن له وقعاً لدى الجماهير فيستغلونه لجلب التأييد السياسي، وليس لمجرد الاقتناع بجدواه أو أهميته، ولأن نتائجه سوف تختلف كثيراً عما هو كان فعلاً. فالأسلم والأجدى فى هذه المرحلة للمجتمع المصري أن نبقى على المادة (2) من دستور (71) كما هي دون أن نعبث بها، فتعديلها في تلك المرحلة تهديد للسلام الاجتماعي لهذا الوطن، وهذا ما أدركه العلامة ابراهيم شحاته منذ زمن بعيد، وأكد عليه شيخ الازهر الشريف حرصاً على سلامة الوطن ووحدته.

الأحد، 29 يوليو 2012

حكـومة قنـديل ومهمـة إعـادة الثـقة فـي منـاخ الاستثـمار فـي مـصر

مجلة السياسي - 29/7/2012

          ربما تكون الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل قد حلفت اليمين وبدأت عملها الرسمي عند نشر هذا المقال. وأرجو أن تعي الحكومة الجديدة أن إنعاش مصر إقتصادياً أصبح طريقاً لا مفر منه ولا بديل عنه لحل مشاكل وأزمات سياسة واجتماعية وأمنية، بل ودينية أيضاً في المجتمع المصري.

فالحكومة الجديدة تتسلم المسئولية في مواجهة عجز غير مسبوق في موازنة الدولة، ومعدلات تضخم تصل إلى 18% عند أحسن تقدير، وعجز في الاحتياطي النقدي الاجنبي ينذر بوقوع كارثة محققة حال توقف الحكومة عن سداد ديونها الخارجية، ومواجهة احتياجات الوطن من سلع غذائية وهي أمور تسوء ما حدث لليونان  ولا تتوقف المواجهات المقبلة عند هذا الحد فهناك أزمة البطالة وتبعاتها الاجتماعية، وتوقف أكثر من 1200 مصنع عن العمل ، وتشابك أزمات الاستثمار تحت وطأة الإضرابات وإلغاء العقود والتحقيقات الجنائية، وملفات مفتوحة منذ سنوات دون حسم.

ومما يزيد الطين بلة أن المؤسسات الحكومية في حالة هزال، وضعف إداري يجعل من تنفيذ السياسات والاستراتيجيات مهما بلغت دقتها أمر شبة مستحيل، وتتحول معه كل مشكلة مهما صغرت إلى أزمة كبيرة.

وفي هذا المقال أريد أن ألقي بعض الضوء على إحدى الوزارات الاقتصادية الهامة وكيف يمكن التعاطي معها في المرحلة القادمة ألا وهي وزارة الاستثمار. وهذه الوزارة رغم أهميتها بحكم الملفات التي كانت ملقاة على عاتقها أصيبت بالسكتة القلبية منذ سبتمبر عام 2010، ورحيل أول وآخر وزير لها، وهو الدكتور/ محمود محي الدين. فهذه الوزارة تضطلع بمسئولية ملفات اقتصادية ثلاثة هامة. أولها، القطاع المالي غير المصرفي ويشمل سوق المال والبورصة، وقطاع التأمين، ونشاط التمويل العقاري، والتأجير التمويلي والتخصييم. وثانيها، ملف الاستثمار ترويجاً ورقابة، وثالثها، الإشراف على شركات قطاع الأعمال العام بمؤسساته القابضة والتابعة وبما في ذلك قطاع السياحة، والصناعة، والنقل، والإسكان والتشييد، والغزل والنسيج وغيرها.

ولي بعض المقترحات للحكومة الجديدة في هذا الشأن أجملها في الآتي:-

1-  ضرورة الإبقاء على وزارة الاستثمار – من حيث المضمون حتى ولو تغير المسمى – في المرحلة الحالية لأن في تفكيكها وإعادة توزيع ملفاتها بين الوزارات الأخرى مزيد من الإرباك لدولاب العمل، وتعطيل لعملية الإصلاح بلا مبرر خاصة، وأن عملية صنع القرار في القطاع الاقتصادي أصيبت بالعطل منذ ما يقرب على عامين. كما أن في الإبقاء عليها بمثابة إصدار رسالة واضحة أن تشجيع الاستثمار ودعمه لا يزال من أولويات الحكومة المصرية ومحور اهتمامها.
2- إعمالاً لتفعيل الأداء الحكومي وتقليل النفقات، أرى ضرورة دمج وزارتي الاستثمار والتعاون الدولي في هذه المرحلة إلى وزارة واحدة.
3-  يجب إعادة الهيكلة والتطوير المؤسسي للجهات المعنية داخل الوزارة بهذه الملفات الاقتصادية الحيوية.
4- يلزم تطوير وإعادة هيكلة هيئة الرقابة المالية بحيث تتحقق لها الاستقلالية الكاملة بعيداً عن الحكومة فيكون هناك جهاز رقابي قوي للقطاع المالي غير المصرفي مسئول عن تطويره ودفع التمويل للأنشطة الاقتصادية وخاصة السوق الأولية. فالهيئة على الرغم من التطور الذي أصابها لا تزال تحتاج إلى عملية إصلاح هيكلي ومؤسسي كبيرة لكي تؤدي الدور المرجو منها، وعندئذ فقط يتم فصلها عن وزير الاستثمار، ويكون لها ذات الحكم القانوني للبنك المركزي المصري.
5- تطوير الدور الترويجي لهيئة الاستثمار، فالترويج يعني الترويج لمصر، ولمشروعات بعينها، فهيئة الاستثمار دون دعم كافة الوزارات والحكومة لها ستعجز عن الترويج لمشروع واحد، وهذه هي (المأساة الحقيقية) فالترويج للاستثمار في مصر هو ترويج للبلد بأكملها، وهو ما يخرج عن صلاحيات جهة بعينها. ومشاكل الاستثمار لا تخص الهيئة بل هي في حقيقتها تتعلق بكل الوزارات كالإسكان والصحة والتجارة والدفاع والداخلية. ومن هنا لزم تكوين لجنة وزارية يكون أمينها وزير الاستثمار ويرأسها نائب لرئيس الوزارء تكون مهمتها الرئيسية الحل الفوري على مدار الأربع وعشرين ساعة لأزمات الاستثمار وتنفيذ رؤية واضحة للحكومة في هذا الشأن.
6- إعادة النظر في لجان فض المنازعات، فهي آليات عقيمة لم يثبت نجاحها، وللأسف صارت معظمها مضيعة للوقت والمال. فهذه اللجان يجب أن تكون لها فاعليتها، ولها قراراتها الإلزامية ويجب أن تعمل في إطار زمني محدد.
7- يجب فوراً اتخاذ قرار بتسوية كافة المنازعات محل التحقيقات الجنائية، وتكوين  لجان مشتركة برئاسة وزير العدل ولجان قضائية محايدة فالمعالجة الجنائية لقضايا الاستثمار والقضايا الاقتصادية التي لم يثبت بشأنها عدوان على المال العام فيه دمار للاستثمار والاقتصادي المصري، ويجب غلق هذا الملف كاملاً خلال ستة أشهر على الأكثر، ففي ذلك رسالة واضحة للاستثمار في مصر.
8-  على الحكومة أن تسعى خلال الـ 120 يوماً الأولى على إعادة فتح كافة المصانع التي تم إغلاقها.
9- لا يمكن الاستمرار في إدارة قطاع الأعمال العام على ذات النحو الذي يسير عليه، ففي ذلك جريمة لا تغتفر في حق الوطن. فيجب فصل الملكية عن الإدارة بحيث تظل الملكية للدولة، على أن تعهد هيكلة القطاع وإدارته لكفاءات متخصصة تعمل وفقاً لآليات الكفاءة والإدارة الناجحة، فيحظر تدخل الدولة في عملية الإدارة، كما يجب أن تتخذ الحكومة الجديدة قرارات حادة وحاسمة بشأن الاستثمار الرأسمالي في قطاع الأعمال العام. وتجربة "الخزانة" في ماليزيا ليست بعيدة عن أعيننا أن كنا جادين حقيقة.

ولا يخفى على أحد أن ما طرحناه الآن إنما يدخل ضمن سياسات المدى القصير، ومحاولة إرسال رسائل إيجابية واضحة للمستثمرين الجادين لإعادة البدء فيما توقف من مشروعات، ووقف نزيف تسرب الاستثمارات والفرص الضائعة.

وفي جميع الأحوال، فلا أمل في تحقيق ما نصبو إليه دون عودة الأمن  إلى المجتمع، إرساء دولة القانون، وتنفيذ أحكام القضاء، ووضوح الرؤية السياسية، وإذا كنا نسعى إلى البناء والتنمية بحق، وأن يكون لهذا الوطن أمل في التنافس مع الأمم من حولنا وضخ استثمارات حقيقية في إطار من العدالة الاجتماعية فإن المشوار طويل، ويستلزم إعادة النظر في ملف التعليم برمته، والإصلاح المؤسس الحقيقي، واقتلاع الفساد الحكومي من جذوره. 


الجمعة، 1 يونيو 2012

مرشحى الرئاسة يفتقدا الحس الاقتصادى

مجلة اموال الغد - 1/6/2012

جولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية بين مرشح الأخوان محمد مرسى والفريق احمد شفيق - الذى أعتبره امتداد لنظام ثار الشعب عليه - لم تكن مرضية بالنسبة لى، ورغم أن الأسباب كثيرة لشعورى بعدم الرضا عن النتيجة إلا إننى أرى أن أهمها على الإطلاق هو قلة خبرة المرشحين في التعامل سياسياً وافتقدهم للحس الاقتصادى، هذا ما أفصحت به دون مواربة لمجلةأموال الغد فى عددها الصادر 1/6/2012 ، الحوار ناقش تأثير الانتخابات على الاقتصاد وتأثر البورصة بتصريحات مرشحى الرئاسة التى وصفها "بالمقامرة"، وفى الحقيقة ورغم حرصى الشديد على التصريحات التى تصدر على لسانى فأننى وصفت قائل هذه التصريحات "بالجاهل" لأن البورصة بوابة هامة للاستثمارات فى مصر ومرآه لأوضاع اقتصادية وسياسية نعيشها ووصفها "بالمقامرة" عبث ومن اطلقها ليس له دراية بأهمية البورصة التى تحتاج إلى مساندة قوية من الدولة وتتوقف عودتها لطبيعتها على من المرشح الفائز فى جولة الإعادة ومدى إيمانه بها وبدورها وما سوف يتخذه من إجراءات سياسية واقتصادية تؤتى بثمارها على البورصة مستقبلاً، تطرق الحوار الى القطاع العقارى الذى أرى انه قاطرة التنمية وحسنا فعلت الدولة عندما اتجهت للتسويات مع الشركات العقارية حتى تستطيع هذه الشركات اعادة تنشيط السوق العقارى مرة ثانية، طرحت المجلة اسئلة كثيرة متعلق معظمها برؤيتى للاقتصاد ومستقبله تفاصيل الإجابات فى هذا الحوار