الخميس، 30 أبريل 2015

أسئلة للحكومة المصرية

جريدة الاخبار - 30/4/2015

هل فعلاً هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة جاهزة لمشاركة المطورين العقاريين من القطاع الخاص؟

1- هل ستطبق الحكومة «ضريبة القيمة المضافة»؟

من يسافرون كثيراً إلي أوربا يدركون مفهوم ضريبة القيمة المضافة«Value added tax»، وهي شبيهة بمفهوم ضريبة المبيعات. ولكن ضريبة القيمة المضافة أكثر شمولاً؛ فهي تنطبق علي كل السلع والمنتجات والخدمات تقريباً. وتضاف إلي سعر الفاتورة وتتراوح نسبتها بين 12% و15%.

وتتجه الحكومة المصرية إلي تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وتتوقع الحكومة أن تدر هذه الضريبة حوالي 35 مليار جنيه لإيرادات الخزانة العامة. وأشك كثيراً في صحة هذا الرقم، وأعتقد أن العائد لن يزيد عن 7 مليارات جنيه علي أكثر تقدير، وسيتسبب في رفع التضخم إلي أقصي مدي في ذات عام تطبيقه. وهناك إشاعات أن الحكومة تسعي إلي البدء في تطبيق هذه الضريبة ببداية العام المالي الجديد، أي اعتباراً من شهر يوليو القادم. والمشكلة الرئيسية في ضريبة القيمة المضافة أنها تعني ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، وتؤدي إلي زيادة التضخم.فهل استعدت وزارة المالية ومصلحة الضرائب مؤسسياً لتطبيق الضريبة وتحصيلها بكفاءة لتجنب ارتباك السوق والاستثمار؟

أنا مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة ولكن بثلاثة شروط؛أولها: الاستعداد المؤسسي والفني الجيد، ولست مطمئناً لاستعداد مصلحة الضرائب، ولا أعتقد أن لديها حالياً الكفاءات والبنية الأساسية اللازمة لتطبيق هذه الضريبة بشكل كفء ودون إرباك للاستثمار وللمستهلكين. والشرط الثاني: هو اختيار التوقيت المناسب اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولا أعتقد شخصياً أن هذا العام وهذا الصيف الساخن هو التوقيت الأمثل لرفع الأسعار وزيادة التضخم في وقت تشهد فيه مصر انكماشاً اقتصادياً، وبطالة مرتفعة، وقدرا من الإحباط، ومحاولة تصيد الأخطاء. والشرط الثالث: تهيئة الرأي العام والمُنتجين والمصنّعين ومقدمي الخدمة بكافة الأبعاد الفنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الضريبة، حتي يكونوا جزءا من صُنع القرار. ولا أعتقد أن أيّاً من الشروط الثلاثة متحقق، ولذا وجب مزيد من الدراسة ومزيد من الاستقرار، ولتكن البداية هي العام المالي 2016-2017. أرجو من وزير المالية عدم الاندفاع بل الاستماع إلي صوت العقل. التأني في إصدار قرارات مدروسة أفضل عشرات المرات من التعجل في إصدار قرارات غير مدروسة، ولعل نعتبر بضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة.


2-  متي سيتم إجراء الانتخابات البرلمانية؟


لا أعلم حقاً إذا كانت الحكومة لديها إجابة علي هذا السؤال، وإذا كانت تملك من أمرها شيئاً فيه. ولكن إدارة الأمور السياسية بنظام اليوم بيومه أمر جَدّ خطير، ويؤدي إلي حالة من الرخاوة والسيولة المؤسسية لها خطورتها البالغة علي استقرار الدولة. ليس من المقبول ألا يكون هناك موعد محدد للانتخابات البرلمانية، ليس من المقبول أن نعيش بمنطق الحرب خدعة، ليس من المعقول أن نخفق لهذا الحد في تحديد جداول محددة، ليس من المقبول أن يكون المشهد السياسي بهذه العبثية، ليس من المعقول أن ترسانة الدولة من مؤسسات قضائية وقانونية عاجزة عن إصدار قانون انتخابات لا يتعارض مع الدستور. حالة الانتخاب واللاانتخاب؛ السياسة واللاسياسة؛ تضعف من مصداقية مؤسساتنا السياسية. أعود وأكرر وجود برلمان متعب ومزعج أفضل كثيراً مما نحن فيه... يجب أن نتقدم إلي الأمام، ونستكمل المؤسسات الدستورية. إن هذه الخطوة لازمة لاستكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي.

3- هل هدف السياسة النقدية ينتهي عند محاربة السوق السوداء؟


الإجراءات الأخيرة الخاصة بمواجهة السوق السوداء للدولار الأمريكي نجحت بلا شك في الحد من هذه السوق علي المدي القصير. ولكن كانت هناك أيضاً تداعيات أخري أثرت بشكل سلبي علي نمو الاقتصاد الكلي، وأدت إلي انكماش التجارة الخارجية والداخلية علي حد سواء، وأدت إلي التعثر المالي للعديد من المصانع، فهذه المؤسسات كانت تلجأ مضطرة للسوق السوداء لعدم تلبية احتياجاتها المشروعة من البنوك، أما الآن فتوقف كثير من الأنشطة لعدم قدرتها علي تلبية احتياجاتها من العملة الأجنبية، لا في السوق السوداء ولا في السوق البيضاء!! فالمحصلة: انكماش اقتصادي جديد وانخفاض محتمل في النمو. لابد من بدائل تمويلية، ولابد من تحسين مناخ الاستثمار. المنع ليس هو الحل. السوق السوداء ما زالت مستمرة من خلال تحويلات وترتيبات في الخارج، واسألوا عن تغير العملة المصرية في دبي.

4- لماذا ألغت الحكومة المناطق الحرة الخاصة؟


فجأة وبدون أية مقدمات، وبدون أي مناقشات مع أصحاب الشأن؛ ألغت الحكومة بمقتضي قانون الاستثمار المناطق الحرة الخاصة، وهي استثمارات تجاوزت ثلاثين مليار جنيه علي الأقل. وحصيلة رسومها لا تقل عن حصيلة الضرائب التي تسددها المصانع المثيلة بنظام الاستثمار الداخلي، ويتعرض أصحاب هذه المصانع الآن لتحرش غير مسبوق من الجمارك، ومن وزارة التجارة والصناعة، رغم أن تراخيصها لا تزال سارية. إن وزارة المالية كانت الضاغط الأساسي لإلغاء هذه المناطق، وللأسف رضخت وزارة الاستثمار لهذه الضغوط دون دراسة وافية بدعوي أن بعض المناطق الخاصة تلجأ إلي ممارسات ضارة، والحقيقة أن التهرب الجمركي ليس في هذه المناطق، فهي جميعها تحتوي علي استثمارات أجنبية ومصرية، وتخضع لرقابة محكمة... ارحمونا إذا كانت هناك بعض المخالفات فلا يعني هذا القضاء علي صناعات واستثمارات بالمليارات وتشريد عمال بالآلاف في غمضة عين...

5- هل فعلاً هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة جاهزة لمشاركة المطورين العقاريين من القطاع الخاص؟


انهالت علينا الأخبار بأن هيئة المجتمعات العمرانية في سبيلها إلي مشاركة المطورين العقاريين وبناء مشروعات مشتركة معهم من خلال تحصيل مقابل الأراضي في صورة نسبة من الإيراد أو من خلال الحصول علي وحدات بعد بنائها. والدافع المعلن لذلك هو السماح للمطورين العقاريين بالبناء دون تحصيل مبالغ نقدية عالية منهم في البداية مما يسمح لهم بسرعة إنجاذ المشروعات.. عفواً يا سادة... أجهزة الدولة الإدارية غير مهيأة للمشاركة في مشروعات تجارية... وأقسم بالله أن هذه المشاركة لو حدثت سيُتَّهم الجميع بلا استثناء بجريمة تسهيل الاستيلاء علي المال العام في ظل القوانين واللوائح ونظم المحاسبة الحكومية القائمة.. لن يتحقق تطوير في نظم التنمية العقارية دون إعادة النظر في نظم التمويل العقاري. والسماح بالتمويل العقاري للمطورين والمستهلكين قبل الانتهاء من عملية البناء، أما في ظل القواعد الحالية والتي لا تسمح بالتمويل العقاري إلا بعد انتهاء المشروع بالكامل!! 

فإن النتيجة هي عدم التزام أحد بالقواعد؛ولا تزال الحكومة مثل النعامة تدفن رأسها في الرمال!! اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك 

الأربعاء، 22 أبريل 2015

تحديات الاستثمار والنمو الاقتصادي في مصر بعيون الآخرين (2)


جريدة الاخبار- 2015/4/23

فيجب الإسراع بإعادة تأهيل مراكز التدريب المتعددة، ووضع استراتيجية واضحة للحكومة تشارك فيها وزارة التعليم، والتعليم الفني، والقوي العاملة، والتجارة والصناعة، والإسكان


يا سادة لا يمكن النهوض بالدولة، ولا التقدم إلي الأمام دون تطوير العنصر البشري والاستثمار فيه.

طبقاً لتقرير "مخاطر التشغيل" الصادر عن إحدي المؤسسات العالمية المتخصصة، والذي أشرنا إليه في المقال السابق، تواجه مصر ثمانية تحديات رئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي.

ولعل أول هذه التحديات وأهمها هو هجرة العقول من مصر، والنزيف المستمر للقدرات الفنية وتسربها إلي الخارج جيلا بعد جيل.

فصارت الأجهزة الحكومية والمؤسسات الاقتصادية العامة تعاني من فقر حقيقي في الكفاءات، وأصبح من السائد أن تسمع أحد كبار المسئولين يقول "ماعنديش حد كويس"... "مش لاقي كفاءات". والحقيقة أنه رغم هجرة العقول إلي الخارج، أو حتي من المؤسسات الحكومية إلي المؤسسات الخاصة في الداخل؛ فلا تزال هناك فرصة وقدرة علي جذب الكفاءات مرة أخري إلي المؤسسات الحكومية. ولكن يجب أن نشير كذلك إلي أن سوق العمل الفني صار يعاني من ندرة الكفاءات الفنية والعمالة المهرة.

وهناك خطوات يجب الإسراع بها لمواجهة هذا التحدي. فبالنسبة للتعليم الفني - وقد أصبح عندنا وزارة متخصصة في التعليم الفني والتدريب - فيجب الإسراع بإعادة تأهيل مراكز التدريب المتعددة، ووضع استراتيجية واضحة للحكومة تشارك فيها وزارة التعليم، والتعليم الفني، والقوي العاملة، والتجارة والصناعة، والإسكان، والتعاون الدولي. فكل وزارة من هذه الوزارات – باستثناء التعاون الدولي - لديها العشرات من مراكز التدريب والمعاهد، ولكنها كلها لا يربطها رابط واحد ولا استراتيجية واضحة. ويجب أن يكون هناك تنسيق كامل بين هذه الوزارات فيما بينها، ومع اتحاد الصناعات والغرفة التجارية. يجب أن تكون هذه المراكز والمعاهد مراكز حقيقية مؤهلة لإعداد أفضل الكوادر الفنية في المجالات المختلفة ولكافة القطاعات الصناعية والزراعية، ويجب أن تكون جميعها مراكز معتمدة ووثيقة الصلة بالمؤسسات التدريبية العالمية، ويجب أن يكون لها استراتيجيات وأهداف محدودة تربطها بالسياسات الاقتصادية للدولة، وباحتياجات سوق العمل. وأذكر مرة أخري، أن نجاح القطاع المصرفي وقطاع الاتصالات في مصر كان أحد مقوماته وجود مراكز تدريب متخصصة عالية الكفاءة.

ومن الخطوات الأخري الواجب التعامل معها لمواجهة ظاهرة تسرب الكفاءات الفنية - خاصة في المؤسسات الاقتصادية مثل الشركات العامة، والهيئات الرقابية الفنية - هو ضرورة إصلاحها مؤسسياً وتطوير أدائها. ولابد من إعادة النظر في كيفية تطبيق الحد الأقصي للأجور، وربط الأجور بالإنتاج وتحقيق أرباح للمشروعات الاقتصادية. يا سادة لا يمكن النهوض بالدولة، ولا التقدم إلي الأمام دون تطوير العنصر البشري والاستثمار فيه.

إن سوق العمل المصري من حيث كفاءة العاملين وتوافر الكوادر الفنية لاحتياجات السوق يأتي في المرتبة الـ(16) في الشرق الأوسط، وهي مرتبة متدنية، فتسبقنا إسرائيل وإيران والأردن وتونس ولبنان، بل والجزائر والعراق وسلطنة عمان. ولا يأتي بعدنا - طبقاً للتقرير- سوي اليمن والمغرب!! والسبب الرئيسي لهذا الموقع المتردي والذي نعيش واقعه هو سوء حالة التعليم الأساسي والفني والجامعي.
ومن التحديات - التي رصدها التقرير- والتي تواجه مناخ الاستثمار في مصر، وتعيق نمو التجارة الداخلية؛ هو سوء حالة شبكة الطرق، وتردي حالة شبكة السكة الحديد، وعدم تطوير آليات النقل النهري.

فعلي الرغم من تميز مصر وقدرتها علي تنمية الصادرات والمساهمة في نمو التجارة العالمية من خلال قناة السويس والموانئ البحرية المتعددة، إلا أن التجارة الداخلية ونقل البضائع والخدمات اللوجيستية والنقل الداخلي يعاني من سوء الحال ويساهم بشكل فاعل في إضعاف قدرات مصر التجارية والاقتصادية.

التوجه نحو مشاركة القطاع الخاص لتطوير بدائل للطرق البرية أمر في غاية الأهمية. مصر كانت الدولة الأولي في أفريقيا ومن الدول العشر الأولي علي مستوي العالم التي أنشأت شبكة للسكك الحديدية، وللأسف عفي عليها الزمان وأكلها الدهر حتي صارت شبكة السكك الحديدية في مصر واحدة من أسوأ (3) شبكات للسكك الحديد في الشرق الأوسط!! وصارت حوادث السكك الحديد في مصر من أعلي النسب في العالم. 

الاستثمار في هذا القطاع صار أمرا حتميا، وفي ظل العجز في الموازنة والقصور في الموارد، فإنه لابد من فتح الطريق للاستثمار الخاص في السكك الحديدية، وللربط بين المحافظات المختلفة واستخدامه بشكل مكثف في نقل البضائع. نفس الشيء ينطبق علي النقل النهري... بصراحة مش قادر أفهم إحنا مستنيين إيه؟ وللحديث بقية... اللينك
استمع الي مقالي فى الاخبار عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 16 أبريل 2015

تحديات الاستثمار والنمو الاقتصادي في مصر بعيون الآخرين (1)


جريدة الاخبار - 16/4/2015

نحن قادرون علي تحويل أحلامنا إلي واقع إذا التزمنا بمنهج إصلاحي مدروس، وقادرون علي النجاح بأسرع مما نتصور. 

خلّف المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ أجواءً إيجابية إلي أبعد مدي، ووضع مصر بجدارة مرة أخري بقوة علي خريطة الاستثمار العالمية. ولكن لا تزال التحديات علي أرض الواقع قائمة، وعلينا أن نعمل بشكل مؤسسي لإزالتها. ولعل من أكثر الدراسات عمقاً في هذا الخصوص، التقرير الربع سنوي الذي يصدر عن مؤسسة  تحت عنوان «تقرير مخاطر التشغيل». فهذا التقرير يقيس درجة مخاطر الاستثمار في كل دولة من دول العالم، ويحلل بشكل دوري مواطن القوة والضعف في اقتصاديات الدولة المعنية. ويتسم هذا التقرير بالحيادية والمهنية الرفيعة


وأضع تحت نظر المسئولين في مصر ملخص التقرير الصادر عن الربع الأول من عام 2015 لكي نحلله، ونستفيد منه. فنحن قادرون علي تحويل أحلامنا إلي واقع إذا التزمنا بمنهج إصلاحي مدروس، وقادرون علي النجاح بأسرع مما نتصور. وأضع ملخص التقرير المذكور في السطور التالية لكي نري مواطن قوتنا وضعفنا والتحديات الموجودة بأعين المؤسسات المتخصصة:

نقاط القوة:
 
يوجد وعاء ضخم من العمالة غير المدربة تدريباً عالياً، وهي تصلح في قطاع الإنشاءات والتعمير.. معدل النمو العمراني مرتفع، وتوجد عمالة متاحة للمشروعات الصناعية كثيفة استخدام العمالة.. تمثل قناة السويس المفتاح الرئيسي للتجارة العالمية البحرية، وهو ما يعني أن الموانئ البحرية لمصر مفتوحة أمام الشركات العالمية، وبنفقات غير مرتفعة، ووقت مثالي.

 
مصر بتعدادها السكاني المرتفع تمثل سوقاً مهماً ومفتوحاً من خلال وسائل الإنترنت، وهو ما يسمح لمؤسسات الأعمال بالوصول إلي قاعدة ضخمة من العملاء.. مصر تقدم بشكل مقبول سوقا قابلا للتعامل معه من قبل المستثمرين الجدد.. النظام الضريبي صار أكثر وضوحاً في الفترة الأخيرة.. معدل الجريمة منخفض نسبياً بالمقارنة للدول الأخري في العالم..  الجيش المصري هو الجيش الأكبر في الشرق الأوسط، ومن أفضلها تسليحاً. وهو ما يعني أن تهديد الأمن المصري من الخارج محدود.

 
أما نقاط الضعف طبقاً للتقرير، فهي تشمل ما يأتي:
انتشار الإضرابات والاعتصامات العمالية علي نحو غير مؤسسي مما يشل نشاط المصانع ويربك سلسلة التوريدات.. صعوبة حصول العمالة الأجنبية المدربة وذات القدرات الفنية العالمية علي تراخيص العمل، علي الرغم من وجود نقص في المهارات التي ينتجها التعليم المصري في السوق المصرية.. عدم كفاية شبكة المرافق مما يؤدي إلي توقف الأعمال والالتزام بالتوريدات، وهو ما يؤدي إلي خسائر ملحوظة في القدرة الإنتاجية.. النقص في وجود بدائل عالية الجودة للنقل البري وشبكة المواصلات، نظراً لتردي حالة خطوط السكك الحديدية، وعدم تطوير شبكة النقل النهريِ، وهو ما يعني إضعاف التجارة الداخلية.

هناك العديد من القيود التي تحيط بفتح أنشطة اقتصادية جديدة أو إنهائها وهو ما يسبب تأخيرا باهظ الثمن للمستثمرين.
انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة نتيجة عدم الاستقرار السياسي.. التهديدات الإرهابية لاتزال ملحوظة وهو ما يرفع من معدل المخاطرة للمصريين والأجانب علي حد سواء.

 
الفرص المتاحة أمام مصر طبقاً للتقرير:
 
الاستثمار البشري - أي الاستثمار في التعليم - من شأنه زيادة قوة العمل المدربة وذات المهارات الفنية المرتفعة علي مدار الوقت.
توجد فرصة عظيمة لنمو سوق العمل بين النساء حيث لايزال معدل تشغيل النساء ضعيفاً.
 
تقوم الحكومة الحالية برئاسة السيسي - علي حد تعبير التقرير - باستثمارات ملحوظة لتحسين شبكة المرافق وخاصة في قطاع توليد الكهرباء، حيث إن انقطاع الكهرباء المتكرر يسبب قلاقل اجتماعية.. موقع مصر كمحور إقليمي في التجارة الدولية في سبيله إلي التحسن مع التوسعات المستمرة في خدمات النقل الجوي بمطار القاهرة الدولي.
 
مصر في موقع متميز لكي تصبح شريكا تجاريا رئيسا مع أوروبا وآسيا نتيجة للدور المحوري لقناة السويس في التجارة العالمية.


يوجد فرص كبيرة للنمو والاستثمار في القطاع المصرفي حيث إن معدلات التمويل لاتزال محدودة..  الإطاحة بالإخوان المسلمين من السلطة أدي بشكل ملحوظ إلي تحسن الوضع الأمني..  التهديدات أو التحديات التي تواجه مناخ الاستثمار والنمو الاقتصادي:


 
توجد مخاطر حقيقية بشأن إمكانية تزايد إضرابات واحتجاجات العمال، والإضرابات المدنية، مما من شأنه التأثير سلباً علي مناخ العمل والاستثمار.. هجرة العقول من مصر أصبحت تمثل خطراً حقيقياً حيث إن العمالة المدربة وأصحاب القدرات المتميزة في هجرة مستمرة إلي خارج البلاد، وهو ما يؤدي إلي عدم توافر كفاءات حقيقية داخل البلاد في المجالات التي تحتاج إلي تخصص فني وإداري.


 
زيادة عدد السيارات الخاصة بشكل مستمر، وعدم توافر بدائل جيدة للمواصلات العامة، وتردي حالة الطرق في المدن الرئيسية؛ يعني المزيد من الازدحام، وتعطل التجارة الداخلية.


تعاظم الفقر المائي من شأنه أن يؤثر سلباً علي نمو القطاع الزراعي، والصناعات التي تعتمد علي الاستهلاك العالي من المياه.


 
المخاطر السياسية أدت إلي فقدان المستهلك للثقة في المستقبل وتناقص معدلات الإقراض، وهو ما يؤثر علي القدرة علي الإنفاق.


 
تزايد الفساد صار من أكثر الاعتبارات التي تعيق المستثمرين الجدد علي الدخول إلي السوق المصري.. الجريمة المنظمة والتنظيمات العصابية تزايدت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.. شعبية مصر كمزار سياحي، وأهمية مصر كمحور للتجارة العالمية من خلال قناة السويس يجعل من مصر هدفا جذابا للهجمات الإرهابية.


خلاصة هذا التقرير أن مواطن قوتنا تتمثل بشكل رئيسي في وجود جيش قوي، وممر مائي يمثل شريان التجارة العالمية، وسوق واعدة. أما مواطن الضعف والتحديات فتكمن في تناقص مصادر الطاقة، وتعاظم البيروقراطية، والفساد، وسوء حالة التعليم، ومخاطر الفقر المائي، والعمليات الإرهابية، وتردي البنية الأساسية خاصة شبكات النقل والمواصلات.

قد نتفق أو نختلف علي بعض ما جاء في هذا التقرير، ولكن المهم هو كيف نستفيد من نقاط القوة ونطورها، وكيف نعمل علي إصلاح الخلل الموجود حالياً لتحقيق التنمية.
وللحديث بقية... اللينك

استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 9 أبريل 2015

الخطأ المشترك للرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك

جريدة الاخبار - 9/4/2015


إن كافة آمال الشعوب وطموحاتها، والسياسات الإصلاحية الجادة، تنكسر علي حائط بيروقراطية الجهاز الإداري للدولة وفساده

لسنا هنا بصدد تقييم فترات حكم الرؤساء جمال عبد الناصر، ومحمد أنور السادات، وحسني مبارك، ولكن في رأيي أنه كان لهم جميعاً خطأ مشترك واحد وقعوا فيه. جميع الرؤساء السابقين ركّزوا في محاولات النهضة فقط علي فكرة المشروعات القومية الكبري؛ فكان للرئيس جمال عبد الناصر طموحات قومية داخل مصر وخارجها، بدءاً بمشروع الوحدة وتحرير أفريقيا والدول العربية، مروراً بإنشاء الصناعة الوطنية وانتهاءً بمشروع السد العالي.

وكذلك الرئيس السادات كان له مشروعاته القومية بدءاً بحرب أكتوبر، وانتهاءً بالمدن الجديدة (6 أكتوبر، والسادات، والعاشر من رمضان). أما الرئيس مبارك فكانت مشروعاته القومية أقل طموحاً، وتركزت علي استكمال البنية الأساسية مثل الكباري ومحطات الكهرباء والمياه وخطوط التليفونات ومترو الأنفاق، واستكمال التوسعات في المدن الجديدة.

ولكن لم يهتم أي منهم أو يعطي أولوية لإصلاح الجهاز الحكومي ورفع كفاءة أداء المرافق العامة والقائمين عليها. فلم يكن الإصلاح المؤسسي علي قائمة أولويات أي من الرؤساء المذكورين. وهذا هو مربط الفرس، والفارق بيننا وبين دول أخري نجحت رغم أن مصر بدأت معها برامجها في الإصلاح الاقتصادي.
ففي حين ركزنا في مصر علي الإنفاق علي المرافق العامة الجديدة، وسياسات الإصلاح الاقتصادي؛ لم نعط أولوية في إصلاح الجهاز الحكومي وتطوير أدائه، ومعه تطوير مرفق التعليم. في حين اعتمدت دول -مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتركيا وقبلها هونج كونج- علي محاور ثلاثة رئيسية، وهي تستهدف تحقيق معجزتها الاقتصادية، أولها: تحسين المرافق الأساسية من خلال مشروعات قومية عملاقة، وثانيها: رفع مستوي وأداء الجهاز الحكومي بمعناه الواسع، وجذب أفضل العناصر والكفاءات للعمل الوزاري والعمل الحكومي، وللمستشفيات العامة والمصانع المملوكة للدولة. وواجهت هذه الدول الفساد الحكومي بوضع نظم مالية لجذب أفضل العناصر الفنية والمهنية، علي الرغم من نقص الموارد الحكومية في ذلك الوقت.

تغيير حكومة بعد حكومة في ذات المناخ المؤسسي سيؤدي إلي نفس النتيجة وذات الفشل ما لم يكن تغير الحكومة مصحوباً بتغير مؤسسي حقيقي. هذا ما قاله (لي كون يون) مؤسس سنغافورة الحديثة.
أما المحور الثالث للإصلاح فكان الاهتمام بالتعليم وجودته ومضمونه الاجتماعي، وما يحمله من قيم التعلم وروح العمل الجماعي، وخدمة المجتمع، والإنجاز، والعدالة. وبالمناسبة مستوي التعليم في مصر سواء التعليم الأساسي أو الفني أو العالي في الستينات، بل وحتي منتصف السبعينات، كان أعلي من مستوي التعليم في هذه الدول جميعها.

لن أملّ وأنا أكرر يوماً بعد يوم، أن مصر لن ينصلح حالها ولن تقوم لها قائمة ما لم نبدأ بجدية في الإصلاحين المؤسسي والتعليم. مهما بنينا من مشروعات قومية، وحققنا من إنجازات في هذا المجال، فلن يؤتي ثماره وتتحقق الاستمرارية في النمو؛ والإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي -كما حدث في الهند والصين وتركيا وماليزيا- دون أن يواكب ذلك إصلاح حقيقي للجهاز الحكومي ومرفق التعليم. بل إن هناك تجارب بعيدة عنا حققت طفرات وقفزات تستأهل الدراسة وهما فيتنام وسريلانكا... هذا البلد الأخير كان من أفقر شعوب العالم، وبه حروب أهلية فتاكة. نسبة الأمية في هذا البلد تضاءلت في أقل من عشر سنوات إلي أقل من 4%
إن كافة آمال الشعوب وطموحاتها، والسياسات الإصلاحية الجادة، تنكسر علي حائط بيروقراطية الجهاز الإداري للدولة وفساده.

مصر لا تخلو من التجارب الناجحة. القطاع المصرفي في مصر بنهاية 1999 وبداية 2000 كان يحتوي علي أكثر من 40 بنكاً مفلساً بمعني الكلمة، وكان من أكثر القطاعات فساداً. بدأت خطة إصلاحه الحقيقية بنهاية عام 2002، ولم يكن من الممكن تحقيق أي نجاح بشأن السياسات النقدية، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي، وتوسيع قاعدة الإقراض، وضخ الاستثمار في الاقتصاد الوطني وتمويل المشروعات دون إصلاح مؤسسي للقطاع. فبدأت خطة الإصلاح بتعيين أكثر الناس كفاءة في القطاع المصرفي، فعمل بالبنك المركزي د. فاروق العقدة محافظاً له، وعمل معه أفضل الكفاءات المصرفية والتي لايزال جميعهم علي قمة القطاع المصرفي الآن سواء داخل البنك المركزي أو في البنوك العامة أو البنوك الخاصة، وبدأت خطة الإصلاح بإعادة هيكلة البنك المركزي ذاته، وتطوير دوره في المحافظة علي استقرار الأسعار، وسلامة ومتانة الجهاز المصرف». وكانت البداية بديهية لأصحاب العقول، فإذا كان البنك المركزي بنك البنوك وبنك الحكومة ضعيفاً ومترهلاً، فسيكون وضع القطاع المصرفي، والاقتصاد المصري كله كذلك. ومن هنا كانت بداية الإصلاح هي الإصلاح المؤسسي لبنك الحكومة، وتبع ذلك إصلاح القطاع المصرفي برمته، وفي أقل من 4 سنوات فقط من بداية الإصلاح أصبح القطاع المصرفي المصري في خلال الأزمة المالية العالمية من أقوي القطاعات وأقلها تأثراً ولم تسبقه سوي سنغافورة. ولم تتأثر استثمارات البنك المركزي خارج مصر رغم الأزمة المالية العالمية في 2008 لأن إدارة هذه الاستثمارات عهد بها إلي أكثر الناس خبرة وكفاءة، فكان أثر الخسائر محدود للغاية.

هناك نموذج آخر نجح بشدة، وإن كان حقه مهضوماً، وهو قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر. هذا القطاع نجح بنهاية التسعينات في تحقيق طفرة هائلة في مستوي تحسين الخدمات، ودخول مصر للعصور الحديثة، نجاح هذا القطاع أيضاً بدأ بعمليات إصلاح مؤسسي حقيقية للجهاز الحكومي والرقابي، وشركات الخدمات العامة، وفتح المنافسة المشروعة، فنجح هذا القطاع ليضع مصر علي خريطة العالم، ونجح في جذب كفاءات عالية للعمل الحكومي، ونجح من خلال الإصلاح المؤسسي في أقل من خمس سنوات في تحقيق قفزة، وللأسف تعرض هذا القطاع للإهمال علي مدار الخمس سنوات الماضية، ومع ذلك تحتل مصر علي مستوي البنية الأساسية وكفاءة القطاع رقم (61) علي مستوي دول العالم البالغ عددها حوالي 151 دولة. واستمرار الإصلاح المؤسسي في هذا القطاع أمر ضروري ولازم لإصلاح التعليم وجذب الاستثمار وتحقيق التنمية الإدارية والإصلاح الحكومي بشكل عام.

إتمام المشروعات القومية وحده ونهضته لن يحقق التنمية، فعلي سبيل المثال؛ محطات الكهرباء التي أنشأتها الدولة تعمل معظمها بـ35% من طاقتها بسبب سوء حالة الصيانة والتشغيل، في حين تبلغ كفاءة محطات الكهرباء التي يديرها القطاع الخاص 97% إلي 100% من إجمالي طاقتها. ما لم نحسن تدريب الجهاز القائم علي الصيانة ونطور كفاءته   الإدارية والمالية فستتحول هذه المشروعات إلي خرابات...

هناك قطاعات في الدولة بأقل مجهود يمكن أن تساهم في تحقيق طموحاتنا، علينا أن نحافظ علي نجاحات القطاع المصرفي وقطاع الاتصالات، ويجب أن تنتقل نوبة الإصلاح إلي قطاع الكهرباء والبترول والنقل البري والبحري، والتعليم، والقضاء، والموارد المائية، والاستصلاح الزراعي والثروة السمكية. لو نجحنا ونحن قادرون- علي تحقيق طفرة ملموسة في هذه القطاعات خلال الأعوام الثلاثة القادمة وأعطيناها الأولية، سنحقق انطلاقة عظيمة في كافة المجالات بعد ذلك... صدقوني. اللينك
استمع الي مقالي فى الاخبار عبر اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك

الخميس، 26 مارس 2015

الحزمة التشريعية المحفزة للاستثمار (٢)

 جريدة الاخبار - 26/3/2015

فإن المادة (29) من قانون الاستثمار بعد تعديلها سقط منها الإشارة إلي المناطق الحرة الخاصة،  فهل السقوط كان سهواً أم عمداً؟ لا أعرف.


من أهم التعديلات التشريعية التي أدخلت علي قانون الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 بمقتضي القانون رقم 17 لسنة 2015 الصادر في 12 مارس من هذا العام؛ هو التعديل الخاص بالمادة (7) مكرراً (1). فهذه المادة تعد تطوراً تشريعياً جوهرياً في المسئولية الجنائية،  فنصت الفقرة الأولي من المادة المذكورة علي أنه في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة باسم ولحساب الشخص الاعتباري؛ لا يعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية إلا إذا ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها تحقيقاً لمصلحة نفسه وغيره.

هذا الكلام معناه التأكيد علي أن الجريمة شخصية،  وأن رئيس مجلس الإدارة أو العضو المنتدب لشركة أو بنك لا يعاقب ولا يكون مسئولا عن الجريمة الاقتصادية لمجرد صفته كرئيس مجلس إدارة أو عضو منتدب. فالوضع السابق علي هذا القانون أدي إلي نتائج في غاية الغرابة،  فمثلاً لو أن هناك بنكا لديه 300 فرع،  فقامت إحدي شركات الصيانة لفرع من هذه الفروع بإلقاء مخلفات أو إشغالات للطريق،  فإن رئيس البنك يجد نفسه محبوساً،  وهذا الوضع شديد الغرابة... وكذلك لو أن هناك شركة تقوم ببناء مصنع،  فقام المقاول أو الاستشاري بمخالفات لقانون البناء،  يجد رئيس مجلس الإدارة نفسه محبوساً بسبب أخطاء غيره رغم عدم علمه بوقوع الجريمة. فهذا القانون جاء لكي يقرر مسئولية المدير عن الجرائم التي تقع باسم ولحساب شركته إذا ثبت علمه بالجريمة واتجهت إرادته لارتكابها.

ويثور التساؤل؛ فماذا لو وقعت الجريمة ولم يثبت علم المسئول عن الإدارة الفعلية بها،  ولم تتجه إرادته لارتكابها؟ هل تظل المسألة بلا محاسبة ولا يكون هناك عقاب؟
جاوبت المادة (7) مكرر (1) في فقرتها الثانية علي هذا السؤال،  فنصت علي أنه في الحالة التي لا تثبت فيها مسئولية الشخص الطبيعي تعاقب الشركة  أي الشخص المعنوي- بغرامة لا تقل عن أربعة أمثال الغرامة المقررة قانوناً للجريمة ولا تجاوز عشرة أمثالها،  ويجوز الحكم بإيقاف ترخيص مزاولة الشخص الاعتباري للنشاط مدة لا تزيد علي سنة،  وفي حالة العود  أي ارتكاب الجريمة مرة أخري- يحكم بإلغاء الترخيص أو حل الشركة بحسب الأحوال. فمعني هذا النص أنه إذا لم تثبت الجريمة في حق الشخص الطبيعي  أي مدير الشركة- كما لو ثبت عدم علمه بوقوع المخالفة،  أو أنه هو شخصياً لم يكن له أي تدخل فيما تم من مخالفات،  ولم يسع لتحقيق أي نفع لنفسه،  أو ثبت وقوع الجريمة في وقت لم يكن هو شخصياً رئيساً للشركة أو علي علاقة بها،  ففي هذه الحالة توقع العقوبة علي الشركة المخالفة ذاتها،  وتصل العقوبة إلي إلغاء الترخيص ومنعها من مباشرة النشاط. فإذا افترضنا أن شركة قامت بتوريد أغذية فاسدة،  ولم يثبت في حق رئيسها أنه كان يعلم،  وأن هذه التصرفات تمت بإهمال من العاملين،  أو لعدم اتخاذ الإجراءات الكافية لحفظها وتخزينها بشكل سليم،  فحتي ولو حكم بالبراءة علي الشخص الطبيعي لعدم اتجاه إرادته نحو ارتكاب الجريمة،  فإن عقوبة هذا الإهمال تصل إلي غلق نشاط الشركة بالكامل.

فهنا قرر المشرع المصري لأول مرة المسئولية الجنائية للشركات،  وهو حكم مستحدث. فالمشرع هنا أقام التوازن بين المصالح المختلفة،  ففي الوقت الذي لا يجوز فيه معاقبة شخص وحبسه لمجرد صفته كمسئول،  فإن العقوبة حال وقوع الجريمة الاقتصادية وعدم ثبوتها في حق المسئول عن الإدارة الفعلية،  فإنها ستوقع علي الشركة،  وقد يكون لها أثر أشد قوة لحماية مصالح المجتمع.

ورغم أنني مؤيد لهذا النص وفلسفته إلا أن الحلو مايكملش،  وللأسف حافظنا علي عادتنا السيئة،  وهو عدم إتقان صياغة النصوص التشريعية.
فالنص بصياغته الحالية فيه العديد من الثقوب،  وربما تكون مشاكله أكثر من فوائده. فهذا النص جاء كتعديل لقانون الاستثمار وليس في قانون العقوبات،  وعليه فإنه لن يسري إلا علي الشركات المنشأة في ظل قانون الاستثمار،  فشركات المقاولون العرب وبنك مصر والبنك الأهلي لن تستفيد من هذا النص. وهنا نقع مرة أخري في دائرة عدم الدستورية نتيجة عدم المساواة في أحكام القانون!! كما أن النص بصياغته الحالية قد يمثل عقبة أمام القضاة عند تطبيقه لتعارضه مع العقوبات المالية الواردة في قوانين المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك وغيرها. ويتغير تطبيق العقوبة رغم ارتكاب نفس الجريمة بحسب ما إذا كانت الشركة أو المصنع المخالف تحت قانون الاستثمار أو قانون الشركات العادي!!

ومن التعديلات التي أدخلت علي هيكل هيئة الاستثمار الحالية،  هو النص علي تعيين رئيس تنفيذي لها،  وأصبح وزير الاستثمار هو رئيس مجلس إدارتها. وأنبه إلي ضرورة إعادة هيكلة الهيئة،  فالوضع الحالي لم يعد مستقراً،  فيجب أن يصدر وزير الاستثمار فوراً قراراً بأن يكون للرئيس الحالي اختصاصات المدير التنفيذي المنصوص عليها في القانون. فهناك حالة من شبه الشلل التام في أعمال الهيئة منذ صدور القانون في 12 مارس،  ولخبطة بشأن الاختصاصات،  فتعطل كثير من المصالح وتعطل دولاب العمل في أعقاب المؤتمر الاقتصادي،  وهذه رسالة سلبية للغاية أرجو التنبه إليها فوراً.

ولي ملاحظة أخيرة،  فإن المادة (29) من قانون الاستثمار بعد تعديلها سقط منها الإشارة إلي المناطق الحرة الخاصة،  فهل السقوط كان سهواً أم عمداً؟ لا أعرف. وهل سيترتب علي ذلك إلغاء المناطق الحرة الخاصة القائمة أم سيستمر العمل بها؟ وهل سيتم المساس بمراكزها القانونية المكتسبة أم ستعطيها الحكومة قبلة الوداع؟... هل من مجيب؟

ومن محاسن التعديلات الأخيرة إنشاء لجنة للتظلمات من القرارات الإدارية الصادرة عن هيئة الاستثمار. وحسناً فعل المشرع بأن جاء تشكيلها من خمسة أعضاء؛ ثلاثة من مستشاري مجلس الدولة،  واثنين من ذوي الخبرة ومن خارج العاملين بالهيئة،  فلا يتصور أن تكون الهيئة خصماً وحكماً في ذات الوقت،  وهنا تفادي القانون أحد العيوب الجوهرية الموجودة في قانون سوق المال،  والتي تجعل إدارات هيئة الرقابة المالية ممثلة في تشكيل لجنة التظلمات،  وهو ما يخل بأبسط مبادئ العدالة والحيادية. اللينك

استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الخميس، 19 مارس 2015

الحزمة التشريعية المحفزة للاستثمار (1)

 جريدة الاخبار - 19/3/2015

وجاء هذا التنظيم متوازناً ليحافظ علي حقوق الدولة دون جور أو اعتداء علي حقوق المستثمر أو إعاقة لتنفيذ المشروع


صدر في 12 مارس، أي منذ أيام معدودات عدد من التعديلات التشريعية؛ تمثل في مجموعها الخطوة الأهم في مسار الإصلاح التشريعي لمناخ الاستثمار في مصر علي مدار السنوات العشر الأخيرة. وتعد هذه الإصلاحات التشريعية أهم الأدوات المستخدمة لدعم جهود الإصلاح الاقتصادي التي بدأت تتبلور علي مدار الشهور الستة الماضية.

هذه الحزمة من التشريعات المحفزة لمناخ الاستثمار لم تقتصر علي تعديل قانون الاستثمار؛ بل امتدت لتعديل قوانين الإجراءات الجنائية، والشركات، والضرائب علي الدخل، وضريبة المبيعات. ولانزال في انتظار صدور التعديلات المتعلقة بقانون المناطق الاقتصادية الخاصة.
ودعونا نلمس بعض أهم ملامح هذه التعديلات التشريعية التي في رأيي يمثل بعضها ثورة في الفلسفة التشريعية للقوانين المصرية.

(1) أهم التعديلات التي أدخلت علي قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 8 لسنة 1997 :
المشرع أبقي علي قانون (8) بشأن ضمانات وحوافز الاستثمار، ولم يصدر قانون جديد موحد للاستثمار علي عكس ما هو شائع في الخطاب الإعلامي- بل أدخل تعديلات علي القانون الحالي للتغلب علي أهم المعوقات والمشكلات التي صادفها مناخ الاستثمار في مصر. من التعديلات التي تصب في حماية المصلحة الوطنية المصرية هو تعديل المادة (7) من قانون الاستثمار الحالي، فهذه المادة كانت تعطي الضوء الأخضر لمقاضاة مصر أمام مركز تسوية منازعات الاستثمار بالبنك الدولي (المعروف بـ«الإيكسيد») دون اتفاق مباشر علي التحكيم.فالطريقة التي صيغت بها المادة (7) قبل تعديلها -وهي مأخوذة عن قانون الاستثمار رقم 230 لسنة 1989- كانت تعد أساساً تشريعياً لقبول الحكومة المصرية لمقاضاتها أمام جميع هيئات التحكيم الدولية وخاصة «الإيكسيد»، دون اتفاق مباشر بين الدولة والمستثمر. وهو وضع شاذ رغم احترامنا وتأكيدنا علي ضرورة احترام اتفاقات التحكيم.

والمادة (7) بعد تعديلها أكدت علي جواز الالتجاء إلي التحكيم في منازعات الاستثمار دون استثناء ولكن بناءً علي اتفاق مكتوب بين المستثمر والجهة المعنية.

وحماية للمصلحة الوطنية وتأكيداً علي أن الضمانات والحوافز المقررة للاستثمار تدور وجوداً وعدماً مع الممارسات القانونية السليمة وقواعد المنافسة الشريفة، فقد أضافت التعديلات التشريعية علي قانون الاستثمار نصاً جديداً هو نص المادة (10) مكرر (1)، يؤكد علي عدم تمتع الاستثمار المقام بناءً علي غش أو تدليس أو فساد بالحماية أو الضمانات المقررة بموجب أحكام هذا القانون، وذلك حال ثبوت هذا الغش أو التدليس أو الفساد بصورة القانونية المحددة بموجب حكم قضائي من المحكمة المختصة. ومن التعديلات الجوهرية التي تصب في صالح التنمية هو المادة (20) مكرراً، والتي سمحت بتطبيق حوافز غير ضريبية لتشجع المشروعات الصناعية وغيرها التي تساهم في التشغيل وخلق فرص عمل، وتعمير المناطق النائية ودعم البنية الأساسية، وتطوير المناطق الأكثر فقراً.

وبعبارة بسيطة؛ فنصت المادة (20) مكرراً علي أنه إلي جانب الضمانات والمزايا الممنوحة لجميع مشروعات الاستثمار؛ يجوز إضافة مزايا إضافية - غير ضريبية - للمشروعات ذات التشغيل الكثيف للعمالة، أو التي تعمل علي تعميق المكون المحلي في منتجاتها، أو التي تستثمر في مجالات الخدمات اللوجستية، أو تنمية التجارة الداخلية، أو مجالات الكهرباء (إنتاجاً ونقلاً وتوزيعاً) من الطاقة التقليدية أو الجديدة أو المتجددة، أو المشروعات الزراعية، أو مشروعات النقل البري والبحري والسكك الحديدية، أو التي تستثمر في المناطق النائية والمحرومة المستهدفة بالتنمية.

ومن بين الحوافز التي أقرها القانون لهذه المشروعات؛ تحمّل الدولة لحصة العامل وصاحب العمل في التأمينات الاجتماعية لمدة محددة، أو تحمل الدولة لجزء من تكلفة التدريب الفني للعاملين، أو أن تقوم الدولة برد قيمة توصيل المرافق إلي الأرض المخصصة للمشروع الاستثماري أو جزء منها للمستثمر وذلك بعد تشغيل المشروع. هذه نقلة نوعية في التفكير التشريعي لتشجيع الاستثمار وتوجيهه لما فيه تحقيق التنمية الشاملة.

وقد واجه تعديل قانون الاستثمار لأول مرة، واقتحم الصعوبات الخاصة بالتصرف في الأراضي والعقارات للمشروعات الاستثمارية، فخصص باباً مستقلاً لتنظيم هذه المسألة (المواد 71 إلي 83 من القانون) وجاء هذا التنظيم متوازناً ليحافظ علي حقوق الدولة دون جور أو اعتداء علي حقوق المستثمر أو إعاقة لتنفيذ المشروع. ووضع المشرع لأول مرة بشكل واضح أسس ومعايير محددة لتقييم الأراضي والعقارات المخصصة للاستثمار، بما في ذلك مراعاة أثمان العقارات المجاورة، وتكاليف إعداد العقار وتهيئته، والبنية الأساسية اللازمة، ومدي توافر الخدمات الرئيسية له. فثمن أرض مرفقة وممدودة بالكهرباء والمياه والصرف الصحي وشبكات الطرق لا يمكن أن يكون هو ذاته مقابل أرض تفتقر لكل هذه المرافق. اللينك

)وللحديث بقية(
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

الأربعاء، 18 مارس 2015

The proper steps to improve investment climate

15/3/2015 - Egyptindependent

Despite the economic and political challenges Egypt has faced over the past five years, the country is still a pivotal Middle East investment destination and, according to the latest Global Competitiveness Report, one of the most viable .markets for growth and development.


Consecutive governments have recently come to recognize that the creation of an attractive investment climate in Egypt is the solution to offset the trade deficit (US$33 billion), reduce the unemployment rate (13%) and increase foreign currency reserves (US$15 billion). 

Investment, if it is properly handled, secures employment, development and stability, both in the social and the political dimension.

The first earnest effort made by the Egyptian government to encourage investment, in my view, was to recognize the problems and impediments that hamper its growth. This step was taken by the hard-working Investment Minister Ashraf Salman. In fact, a closer look at the situation can enable us to appreciate the earnestness exhibited and the tremendous efforts exerted over the past six months to handle investment issues in Egypt. 

Over the past three ears, there were five major challenges facing investment in Egypt, and political instability was the first and most important one. Without a doubt, the referendum on constitutional amendments, followed by the election of President Abdel Fattah al-Sisi and the appointment of a government with clear assignments were all positive steps, indicating a quest for political stability. Those measures will be complemented by the upcoming parliamentary elections and the appointment of a permanent government.

Contrary to the World Bank report issued in September 2011, there are no signs of political instability as a primary impediment to investment in Egypt. This issue is now behind us, and the situation has been improving continuously, in spite of the terrorist incidents Egypt has faced.

The second challenge was the security situation between 2011 and 2014. In spite of terrorist incidents and attacks perpetrated against vital infrastructure over the past weeks, the security situation is no longer quoted in international reports as an obstacle to investment, as was the case in 2011 and 2012. There is a remarkable decline in theft, chaos and criminal assaults.

Thirdly, the government had lacked a clear vision of its economic policy both financially and fiscally, being undecided whether to adopt a free economy or not, or whether to opt for expansionary or deflationary strategies. However, in the past six months, the government presented its vision by taking serious steps towards economic reform, most notably by improving the subsidies system for petroleum products, opening the door for private investment in infrastructure, reforming the electricity sector, announcing a five-year tariff for electricity prices in prepsration for investments in renewable energy, applying the added value tax instead of the sales tax and implementing a clear expansionary policy for public expenditure and infrastructure projects.

Therefore, the economic policy is no longer vague or improvised, making the investors fully aware of the state’s economic vision and allowing for long-term planning. Hopefully, the Sharm el-Sheikh conference will represent a genuine opportunity for the government to announce those policies in a clear and detailed way.

The fourth challenge that had cast its shadow over the investment sector was the haphazard criminal prosecutions of investors, judicial disputes and cancellations of years-old contracts, which contributed to increasing the legal risks surrounding investment in Egypt and discouraged the potential flow on fresh investments.

After a period of hesitation, the government, recognizing the negative consequences of inaction, gained the political will to fix that deficiency. It started with amending the law that made challenges to state-signed contracts exclusive to cases where evidence of corruption is supported by judicial rulings, as well as limiting litigation to parties to the contract.

Moreover, the government, bypassing many hesitant state officials, embarked on friendly settlements of several disputes. A close follower of the investment-related cases referred to the General Prosecution can observe the drastic shift in the number of cases resolved by settlements, that surpassed 30, while those forwarded to the criminal court over a whole year can be counted with the fingers of one hand.

It can be argued that the latest positive step were the amendments to the investment law, approved by the Cabinet last week. The amendments, for the first time in Egypt’s legislative history, distinctly acknowledge the criminal liability of a corporate personality and removes the material penalties against board officials and managing directors that were previously imposed even if they had not personally committed a punishable crime. This constitues a historical shift in the Egyptian penal legislation, and reflects a genuine desire for an adequate investment atmosphere.

The bureaucracy embodied in complex project licensing and implementation procedures was the fifth challenge that negatively impacted the investment sector. Acknowledging the problem, the government, at last, amended the investment law to adopt a “one-window” system, rendering the General Authority for Investment (GAFI) the sole representative acting on behalf of all government agencies in dealing with investors. The Investment Minister was honest enough to explain that the application of that system would take 18 months for all government institutions to be electronically connected.

Another favorable change to the investment law was that which added a new chapter on land allocations for investment, setting rules and terms for an institutionalized allocation.

Lastly, the adoption of the amended law on special economic zones as a legal basis for the Suez Canal development project and other national ventures can arguably represent a new investment framework as it liberates economic zones from all bureaucratic constraints and intertwined government competencies.

Without a doubt, all of the aforementioned steps are worth encouraging and made a positive impact over the past six months, boosting the economic growth rate to an unprecedented 5 percent and pushing the inflation down by seven percent, while increasing investment inquiries by 17 percent.

We hereby stress that this is just the beginning, and that the path to reform is still long and difficult, requiring harder decisions. Yet, we should remain optimistic and believe in the possibility of further improvement, since all seems to indicate that we are steadily taking the right path. Link

الاثنين، 16 مارس 2015

الاعتراف بالمشكلات اولى الخطوات الجادة للإصلاح


16/3/2015


على الرغم مما تواجهه مصر من تحديات اقتصادية وسياسية على مدار نصف عقد من الزمان، فإنها لا تزال واحدة من مناطق الاستثمار الأهم في منطقة الشرق الأوسط. وطبقاً لتقرير التنافسية العالمية الأخير؛ فإن مصر تعد واحدة من أكثر الأسواق القابلة للنمو والتطور.

لقد أيقنت الحكومات المتعاقبة مؤخراً أن خلق مناخ ملائم وجاذب للاستثمار في مصر هو الحل الرئيسي لمواجهة العجز في الميزان التجاري الذي بلغ 33 مليار دولار أمريكي، وللحد من البطالة التي سجلت معدلاً بلغ 13%، ولزيادة الاحتياطي الأجنبي من العملات الأجنبية الذي وصل إلى 15 مليار دولار أمريكي. الاستثمار إذا أحسن استغلاله يعني التشغيل، والتنمية، والاستقرارين الاجتماعي والسياسي.

وكانت الخطوة الأولى الجادة التي اتخذتها الحكومة المصرية –في رأيي- لتشجيع مناخ الاستثمار هو الاعتراف بوجود مشكلات ومعوقات حقيقية تواجه الاستثمار وتحد من نموه. وقد جاء هذا الإقرار والاعتراف على لسان وزير الاستثمار المجتهد والجاد الوزير/ أشرف سلمان.

والمتتبع للأمور بدقة يستطيع أن يلمس بسهولة مدى الجدية وحجم المجهودات المبذولة في هذا الإطار على مدار الستة أشهر الأخيرة لمجابهة معوقات الاستثمار في مصر.

ولعل أهم تحديات الاستثمار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تمثلت في أمور خمسة رئيسية: أولها: حالة عدم الاستقرار السياسي. ولا شك أن تعديل الدستور والاستفتاء عليه، ثم انتخاب الرئيس السيسي، وتعيين حكومة بتكليفات محددة، كان خطوة إيجابية وإشارة جادة نحو تحقيق هذا الاستقرار، وتستكمل هذه الخطوة بانتخابات البرلمان وتعيين حكومة دائمة خلال شهرين من الآن. ولم تعد تشير التقارير –كما حدث في تقرير البنك الدولي الصادر في سبتمبر 2011- إلى عدم الاستقرار السياسي كأحد معوقات الاستثمار في مصر، فأصبحت هذه المسألة خلف ظهورنا الآن، وفي تحسن مستمر، رغم ما تواجهه مصر من إرهاب.

وأما التحدي الثاني الذي واجهناه على مدار الأعوام الثلاث 2011 و2013 و2014 تمثل في الوضع الأمني. وعلى الرغم مما يحدث خلال الأسابيع الماضية من محاولات للتخويف والتعدي على المرافق العامة الأساسية، إلا أن الوضع الأمني العام لم يعد يشار إليه باعتباره معوقاً للاستثمار على النحو الذي كان عليه في عامي 2011 و2012، فمعدل السرقات بالإكراه والفوضى وجرائم التعدي انخفض بشكل ملحوظ ولم يعد معوقاً أمام الاستثمار أو يمثل حالة عامة طبقاً للتقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن.

وأما التحدي الثالث الذي واجهه الاستثمار خلال الفترة الماضية، فتمثل في غياب رؤية واستراتيجية واضحة تتعلق بسياسيات الدولة الاقتصادية سواء السياسات المالية أو النقدية، وتوجهاتها نحو الاقتصاد الحر من عدمه، أو إقرار سياسات توسعية أو انكماشية، ومدى استعداد الحكومة لاتخاذ إجراءات إصلاحية. والحقيقة أن الحكومة خلال الستة أشهر الأخيرة بدأت تعلن عن رؤيتها بوضوح، واتخذت خطوات جادة نحو الإصلاح الاقتصادي؛ أهمها إجراءات تصحيح مسار دعم المنتجات البترولية، وفتح المجال للاستثمار الخاص في مشروعات البنية الأساسية، وإعادة هيكلة قطاع الكهرباء، والإعلان عن تعريفة الأسعار خلال الخمس سنوات القادمة تمهيداً للاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة، والإعلان عن البدء في تطبيق ضريبة القيمة المضافة بدلاً من ضريبة المبيعات، وتبني سياسة واضحة بشأن التوسع في الإنفاق العام على مشروعات البنية الأساسية، وتجنب السياسات الانكماشية.

وهكذا لم تعد السياسات الاقتصادية تتسم بالضبابية والفجائية، فأصبح المستثمر محيطاً برؤية الدولة الاقتصادية، وقادر على التخطيط طويل الأجل. ولعل مؤتمر شرم الشيخ فرصة حقيقية أمام الحكومة لكي تعلن عن هذه السياسات بشكل واضح ومحدد.

أما التحدي الرابع، والذي كان يغطي مناخ الاستثمار بغمامة كئيبة هو ما حدث من ملاحقات جنائية عشوائية للمستثمرين، ومنازعات قضائية، وإلغاء لتعاقدات قائمة منذ سنوات عديدة. فلا شك أن هذا المناخ أدى إلى ارتفاع المخاطر القانونية المحيطة بالاستثمار في مصر، وكان رادعاً ومنفراً لتدفق أية استثمارات جديدة. وقد أدركت الحكومة بعد فترات من التردد أن عدم المواجهة له آثار سلبية لا يمكن تداركها. فاتخذت خطوات جادة، وتوفرت لديها الإرادة السياسية والشجاعة لإصلاح هذا الخلل. وكانت بدايته بتعديل القانون لكي يحد من الطعن على عقود الدولة في غير الحالات التي يثبت فيها الفساد بأحكام جنائية، فقصر المشرع الطعن على عقود الدولة لأطراف التعاقد أو ممن تأثرت حقوقهم العينية بهذا التعاقد. ومع ذلك أجاز المشرع للغير الطعن على هذه العقود وإبطالها في حالة ثبوت الفساد بشأنها وصدور حكم جنائي بات.

ولم تقف الحكومة عند هذه الخطوة، فعلى الرغم من انتشار ظاهرة الأيادي المرتعشة لدى الكثير من مسئولي الدولة إلا أن مجلس الوزراء قد تصدى لهذه الظاهرة، واتجه نحو التسوية الودية للعديد من المنازعات. ولعل المتابع بدقة للملفات التي أحيلت للنيابة العامة يدرك مدى التحول الجذري الذي حدث إذ أن عدد القضايا التي تم قبول التسوية بشأنها تجاوز الثلاثون قضية، وما تم إحالته إلى محكمة الجنايات بشأن عقود الاستثمار لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة على مدار عام كامل.

ولعل آخر الخطوات ذات الدلالة الإيجابية هو مشروع تعديل قانون الاستثمار الأخير الذي أقره مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، والذي أقر –ولأول مرة في تاريخ التشريع المصري بشكل واضح- بالمسئولية الجنائية للشخص الاعتباري، وإلغاء توقيع العقوبات البدنية على رؤساء مجالس الإدارة أو الأعضاء المنتدبين للشركة لمجرد صفتهم هذه حتى ولو لم يثبت ارتكابهم شخصياً لأي من الجرائم المعاقب عليها. هذه نقطة تحول تاريخية في التشريع العقابي المصري، وتعكس نظرة إيجابية ورغبة حقيقية في خلق مناخ ملائم للاستثمار.

وأما التحدي الخامس الذي واجهته مصر بجدية فتمثل في البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الخاصة بإنشاء المشروعات وصعوبة الحصول على التراخيص، وهو ما أثر سلبياً على مناخ الاستثمار في مصر. وقد أقرت الحكومة بذلك، فعملت أخيراً على تعديل قانون الاستثمار لتطبيق نظام الشباك الواحد، بحيث تكون الهيئة العامة للاستثمار ممثلاً لكافة الجهات الحكومية في التعامل مع المستثمر. وقد أحسن وزير الاستثمار حينما أعلن أن التطبيق الكامل لهذا النظام قد يستغرق 18 شهراً لما يستلزمه من الربط الإلكتروني بين كافة الدوائر الحكومية، فمن المهم أن نكون واضحين وصادقين فيما يتم الإعلان عنه. 

ومن الخطوات الإيجابية كذلك التعديل الذي أدخل على قانون الاستثمار بإضافة باب جديد لتخصيص الأراضي للاستثمار، والنص على نظام وقواعد التخصيص بشكل مؤسسي.

وأخيراً فإن تعديل قانون المناطق الاقتصادية الخاصة، وإقراره كنظام قانوني لمشروع تنمية قناة السويس وغيره من المشروعات القومية، يمثل إطاراً استثمارياً جيداً، لأنه يخلص المناطق الاقتصادية الجديدة من كل قيود بيروقراطية، ومن تنازع للاختصاصات بين الجهات الحكومية.

من المؤكد أن هذه الخطوات جميعها أمور جيدة ويجب تشجيعها، وقد كان لها مردود إيجابي خلال الستة أشهر الماضية، إذ ارتفع معدل النمو الاقتصادي بشكل غير مسبوق حيث وصلت نسبته في الشهور الستة المذكورة حوالي 5%، وانخفض معدل التضخم إلى 7%، وزادت التفقدات الاستثمارية بنسبة 17%.

ولكننا نؤكد على أن هذه مجرد بداية ورسالة إيجابية، ولكن مشوار الإصلاح طويل وشاق ويجب أن تصحبه خطوات أخرى وقرارات صعبة.

ولكننا يجب أن نتمسك بتفاؤلنا بالمستقبل وقدرتنا على التغير إلى الأفضل، فكافة الدلائل تشير إلى أننا نسير على الطريق الصحيح وبخطى ثابتة.