الأحد، 21 أكتوبر 2012

رؤية اقتصادية لأزمة النائب العام

مجلة السياسى - 21/10/2012

أقال رئيس الجمهورية النائب العام، أو عينه سفيراً بالفاتيكان أثر صدور حكم ببراءة جميع المتهمين في موقعة الجمل---، أعلن النائب العام رفضه للتخلي عن منصبة ---- أعلن النائب العام رفضه للتهديدات التي بلغته من المستشار/ مكي وزير العدل، ومن المستشار، الغرياني رئيس الجمعية التأسيسية، ورئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان --- الدكتور/ العريان والدكتور/ البلتاجي القياديان بحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الأخوان المسلمين يهاجمان النائب العام --- مظاهرات من أعضاء ومؤيدي حزب الحرية والعدالة لتأييد قرار الإقالة --- نادي القضاة ورجالات القضاء، ونقابة المحامين يعلنون دعمهم للنائب العام --- أعضاء المجلس الأعلى للقضاء يلتقون برئيس الجمهورية، ويتم الاتفاق على بقاء النائب العام في منصبة --- نائب رئيس الجمهورية المرتبك يعلن في مؤتمر صحفي انتهاء أزمة النائب العام --- ويعلن النائب العام في مؤتمر صحفي موازٍ بقائه في منصبه. هذه هي أهم ملامح ما حدث الأسبوع الماضي.
وبعيداً عن التحليل القانوني والسياسي لهذه الأزمة، فإن هناك بعض الدلالات والآثار اللازمة على وضع الاستثمار في مصر. ومن أبرز الدلالات، أن مؤسسة الرئاسة من الناحية التنظيمية في غاية الضعف، فصدرت تصريحات نائب الرئيس، والمتحدث الرسمي للرئاسة، ومدير مكتب الرئيس جميعاً متعارضة. كما بدا الموقف يعاني من تدخلات العديد من الأطراف بمن فيهم المستشار القانوني للرئيس، ووزير العدل والمستشار الغرياني، ناهيك عن تدخلات وتصريحات بعض القيادات من الأخوان المسلمين. فالمشهد برمته ينم عن أن الإطار المؤسسي والتنظيمي لمؤسسة الرئاسة يعاني من الضعف، وعدم وضوح الاختصاصات وتضاربها، وغياب دور رئيس الجهاز الرئاسي Chief Of Staff وهو ما يعني غياب المسئولية، وعجز الجهاز الرئاسي عن التحرك السليم والمدروس لمواجهة الأزمات. فالمؤسسة الرئاسية – في رأيي – تحتاج وبسرعة إلى إعادة هيكلة، وتنظيم حقيقي، وتفعيل لدور المستشارين بشكل مؤسسي وليس فردي، وإلا ستكون النتيجة عدم قدرة المؤسسة الرئاسية على التحرك السليم، ولا القدرة على إدارة الأزمات، فتعدد المستشار والضعف الواضح للكفاءة الفنية، ونقص الخبرة الإدارية والسياسية للعديد منهم، وضعف دور الرئيس التنفيذي للجهاز الرئاسي سيؤدي إلى كارثة، وخلق جزر منعزلة، وإحراج الرئيس والتنصل من المسئولية.
وبعيداً عن مؤسسة الرئاسة، فإن دور رئيس مجلس الوزراء السياسي بدا في غاية الضعف، وانحصر في محاولته دعوة النائب على "فنجان قهوة" في مكتبه، وبرر رئيس الوزراء رفض النائب العام دعوة رئيس الوزراء بأنه "يبدو أن النائب العام لديه بن في منزله"!! هذا ما نسب إلى السيد رئيس مجلس الوزراء أثناء الأزمة. فهنا أيضاً بدا لي أن الدور السياسي لرئيس مجلس الوزراء هامش وغير مؤثر --- وهو أمر ينذر بالخطورة في بلد تسيطر عليها الأزمات الفئوية والسياسية، فالدور السياسي الضعيف للحكومة يزيد من هموم الحكم ومن التفكك السياسي والإداري، ونصيحة خالصة يجب بناء إدارة فنية عالية المستوى وفاعلة تكون جزءً لا يتجزأ من هيئة مكتب رئيس مجلس الوزراء فيكون له مكتبين سياسي واقتصادي مقربين يعيناه على إدارة الأزمات، والقدرة على التحليل والتواصل مع أصحاب المشكلات والمصالح المشروعة. وقد أبانت كذلك أزمة النائب العام عن استمرار حالة الميوعة والسيولة داخل مؤسسات الدولة والتداخل بين المؤسسات المختلفة مما يؤدي إلى توهان المسائل.
وقد أبانت هذه الأزمة عن أمر في غاية الخطورة، هو أننا لم نعترف بالشرعية الثورية، لا نريد أن نحترم الشرعية القانونية، فاحترام الثورة، وتحقيق أهدافها لن يتم إلا من خلال إحترام القانون وإحترام استقلالية القضاء والمواجهة الحاسمة للفساد.
فإهدار استقلالية القضاء ومحاولة عزل النائب العام مهما إختلفنا على شخصه وعلى أدائه أمر يجب مواجهته بحسم. والمشكلة في رأيي أن الضغط الشعبي وأحياناً الرئاسي على النائب العام لتوجيه الإتهامات لمن أفسدوا الحياة السياسية في مصر دون وجود إطار قانوني وتشريعي يتيح ذلك أدى إلى عشوائية في توجيه الاتهامات دون أدلة وبشكل متسرع أحياناً. وبالزج بمتهمين في قضايا ذات طابع إقتصادي ولكن بنكهة سياسية، وهو أمر يسأل عنه النائب العام، فبدأ يحدث نوع من "تسييس" للقانون الجنائي وبدت النيابة العامة في بعض القضايا تدافع عن نفسها وليس عن المجتمع. وهذا أخطر مصير تواجهه العدالة الآن في مصر، وأدعى أنه أخطر ما يواجه مناخ الاستثمار في مصر.
فحالة الإحباط الشعبي والسياسي لدى أهل الشهداء، والثوار وجموع المصريين أدت – وعلينا أن نعترف بشجاعة – إلى إحالة العديد من القضايا إلى المحاكم دون أدلة، وتم إستخدام بعض المتهمين كأكباش فداء وقرابين ، ولا ننسى أن الرئيس السابق قام بنفسه بذلك في الأيام الأولى من أحداث الثورة حين ضحى ببعض وزراء حكومته كقرابين لإسكات صوت الثورة، فلا يجب أن نحمل القضاء ما لا يحتمل، ولا يجب أن نحمله تهاون الأمن وتورط قياداته في إخفاء الأدلة، فالأمر برمته يحتاج إلى إعادة النظر، وتطبيق العدالة الانتقالية. فهذه مسئولية رئيس الدولة والحكومة، ولا يجوز نقل عبئها ومسئوليتها إلى القضاء.
إن استمرار حالة الميوعه والسيولة داخل مؤسسات الدولة، وخلط ما هو قانوني بما هو سياسي واستحضار روح الشرعية الثورية تاره، وروح القانون تاره أخرى حسب المزاج لمواجهة الخصوم السياسيين، وضعف الدور السياسي للحكومة ورئيسها يعني بلغة الاقتصاد والاستثمار استمرار عدم الاستقرار السياسي ومن ثم هروب الاستثمار المحلي والأجنبي في بلد في العالم يعد اقتصاده حالياً من أسواء عشر دول.


0 التعليقات:

إرسال تعليق