الخميس، 29 أكتوبر 2015

كيم كاردشيان في مصر

جريدة الاخبار - 29/10/2015

مصر تشهد هذه الأيام أكبر موجة هجرة للعقول المتميزة
كنت خارج مصر خلال الأسبوع الماضي، واطلعت علي تصريح إلي أستاذ الأجيال الكاتب الكبير/ محمد حسنين هيكل كان خلاصته أن كثيراً من القيادات العجوزة لا تزال متشبثة بمقاعدها وترفض منح الفرص للشباب.

والمشكلة في رأيي ليست في الأشخاص، فالذي شاخ بالفعل هو نظامنا الإداري والجهاز الحكومي، فالنظم الحالية، وأساليب العمل والإدارة وقواعد الاختيار عفا عليها الزمن، وصارت طاردة لكل ما هو جديد ومبتكر، ولكل ما هو شاب ويتفق مع التطور والحداثة. وبالتالي كل الطرق والأساليب المستخدمة ودوائر الاختيار أشبه بالباب الدوار في مكان مغلق من يخرج من الباب يعود إليه لأن النظام الإداري والحكومي صار منغلقاً علي نفسه. بأمانة صار الجهاز التنفيذي للدولة أشبه بسيارة موتورها «فوت» أي موتور خربان. وكل ما نقوم به بشأن هذا الجهاز علي مدار العقود الماضية أشبه بإجراء عمليات طلاء للسيارة وتغيير للكاوتش وتلميع السيارة من الخارج في حين أن موتور السيارة نفسه لا يعمل، ونستغرب هو ليه العربية مش بتمشي، هو ليه عندنا نفس المشاكل وما بتتحلش رغم إننا غيرنا عشرين وزارة في الخمس سنوات اللي فاتت وغيرنا 7 رؤساء وزارة ورؤساء هيئات... الإجابة ببساطة لأننا نعتمد علي نفس الموتور الخرب، نفس الجهاز التنفيذي الحكومي لم نعالجه ونفس أساليب الاختيار لم نغيرها، ونفس النظم الإدارية لم نطورها، ونكتفي بالكلام المعسول، والغريب أننا ننتظر نتائج مختلفة.

ولا تزال الاجهزة تقول أصل مفيش ناس كويسة... عفواً الكويسين كثير جداً بس أنتم متعرفوهمش، وما تعرفوش توصلوا ليهم لأنكم تعتمدون علي نظم لا تعرف إلا القديم، ولا تعرف شيئاً عن الكفاءات الشابة المصرية الموجودة في كل الدنيا.

خلال زيارة ليوم واحد في ألمانيا التقيت علي العشاء بمجموعة من الشباب المصري خريجي الجامعات المصرية، والمدارس الحكومية أكبرهم عنده 33 سنة، كلهم حيوية وأفكار إيجابية ويعملون في شركات عالمية ووظائف مرموقة بعضهم لم تتح له الفرصة في مصر وحوربوا حتي هاجروا... مصر يا سادة تشهد هذه الأيام وفقاً لأحدث الدراسات أكبر موجة هجرة منذ 1967 للعقول المصرية المتميزة.

إن المجتمع المتطور القادر علي النهضة هو الذي يعتمد علي شبابه ويعطيهم الفرصة وأتحدث عن الكفاءات وما أكثرها لمن لا يعلمون. انظروا إلي رؤساء وزراء إيطاليا وأسبانيا وفرنسا وإنجلترا أكبرهم سناً لا يزال في العقد الرابع من عمره، انظرواً إلي رؤساء شركات جوجل وفيس بوك شباب في العقد الثاني والثالث من أعمارهم.

لن نخرج من محنتنا، ولن نخرج من أزمتنا إلا إذا أتحنا الفرصة لأجيال جديدة قادرة علي التغير والتفكير خارج الصندوق، وتحلينا بشجاعة التجربة والاعتراف بالخطأ.

خلال مناقشة مع أحد أبنائي وعمره 19 سنة، وكنا نتحدث عن تنشيط السياحة في مصر، وعما تقوم به الدولة من محاولات لتنشيط السياحة، وما يحدث في مصر من محاولات لإقامة برامج جديدة وإعلانات في القنوات العالمية، فرد علي باستغراب، وليه تدفع الدولة كل الفلوس دي، ما تقترح عليهم يجيبوا النجمة الأمريكية المشهورة «كيم كاردشيان» وتقيم في مصر ليومين وتاخد صور جنب الهرم وشوارع مصر القديمة وإرسال رسالة إيجابية عن مصر بدلاً من تصدير أخبار الحوادث. فقلت له واشمعني «كيم كاردشيان» ما فيه نجوم أكثر شهرة قال لي باستغراب أيضاً «كيم كاردشيان» عندها 40 مليون متابع علي الانستجرام يعني كل صورة لها بيتابعها لحظياً 40 مليون شخص، هي أكثر شخص في العالم له متابعين “Followers”، وده يعني عن إعلانات بملايين الدولارات الأمريكية!! هذه أفكار شاب عنده (19) سنة وضعتها بالفعل تحت نظر وزير السياحة الصديق العزيز/ هشام زعزوع.

شاب آخر زميل لابني عمره (20) سنة سألني باستغراب هو ليه مفيش غير رحلة واحدة من لندن للأقصر خلال الأسبوع كله، هو مش لو عاوزين نشجع السياحة للأقصر مش كنا زودنا الرحلات سؤال أضعه أمام وزير السياحة.

اسمعوا للشباب... عدلوا وصلحوا الجهاز التنفيذي، واسألوا أنفسكم بجد هو ليه عندنا كل المشاكل الاقتصادية، المشكلة مش في الدولار ونقصه، المشكلة في أننا بسبب البيروقراطية الحكومية قفلنا 4000 مصنع، وقفلنا باب الاستثمار الأجنبي بالضبة والمفتاح رغم كل النوايا الحسنة، ولخبطنا المستثمرين حول اتجاه الاقتصاد، وبنقرف بكل همة ونشاط كل من يعمل في الصناعة، ونضيف لأعباء الاقتصاد فكانت المحصلة انخفاض الصادرات وزيادة الواردات، وزيادة العجز في الموازنة، وزيادة المصروفات وقلة الإيرادات، وانهيار ميزان المدفوعات وتغير الاقتصاد. تغيير حجم الطلب علي الدولار والسلع لا يكون بإجراءات إدارية ولا بوليسية، وانما وفقاً لآليات السوق صلحوا موتور العربية.... وصدقوني النتائج ستكون مذهلة. اللينك

الخميس، 22 أكتوبر 2015

الاستثمار الأمثل لأراضي الدولة في القاهرة والإسكندرية

جريدة الاخبار - 22/10/2015


 من العقارات غير المستغلة فندق كونتيننتال التابع لوزارة الاستثمار، وهو يشغل مساحة 12 الف متر مربع بميدان العتبة، فلا شك ان هذه المساحة يمكن استغلالها بشكل أفضل

أتقابل بشكل دوري مع عدد من الأصدقاء من خلفيات مهنية وعملية متنوعة، ونتبادل الأفكار والتحليل للمشكلات التي تواجهها مصر في شتي النواحي، ويضع بعضنا أفكاراً مكتوبة لمواجهة مشاكلنا. ووثّق بعض الأصدقاء علي مدي السنوات المختلفة آراءهم، ووضع بعضهم هذه الأفكار في شكل سياسات مكتوبة بل ودراسات مستفيضة. وبدأ يتكون لديّ علي مر السنوات بنك للأفكار، وكلما سنحت الفرصة نعرض هذه الأفكار، لعل وعسي. ولا أُخفي عليكم أن معظم هذه المقترحات علي مدار السنوات تم تقديمها لكافة الحكومات المتعاقبة دون جدوي.

ومن الأفكار الجديرة بالمناقشة دراسة مبدئية طرحها المهندس/ مدحت أبو زيد وهو من الخبراء المعماريين المعتبرين والمهمومين بمشكلات بلده، وركز في كل ما يقوم به علي البعد التنموي والبشري وليس الجانب الإسمنتي. فهو مؤمن بأن المباني والمنشآت مهما بلغ حجمها وجمالها لن تحقق التنمية. هذه الدراسة تتصل بتحديد أهم الأراضي المتبقية في القاهرة والإسكندرية لدي الحكومة والهيئات التابعة لها، والطريقة المثلي لاستثمارها. وتقوم الدراسة علي مبادئ ثلاثة أساسية، أمكنني استخلاصها من الرسومات والتصميمات والأفكار الواردة بها.


المبدأ الأول: هو تحويل أصول غير منتجة إلي أصول منتجة تدر عائدا وتعظم دخل الدولة وتواجه العجز في الموارد. المبدأ الثاني: المحافظة علي حقوق الأجيال القادمة، وهو مسئولية أخلاقية، فلا تعتمد الدراسة علي بيع الأصول وتسييل قيمتها أياً كان استخدامها، بل المحافظة علي الأصول المنتجة واستمرار إنتاجيتها وتعاظم قيمتها وعوائدها للأجيال الحالية والمستقبلية علي حد سواء. المبدأ الثالث: مراعاة البعد التنموي والاجتماعي في سياسات الدولة، بحيث يتم استغلال بعض المساحات للاستثمار العقاري علي أن يتم استغلال العائد في مشروعات ذات طابع اجتماعي وتمثل إضافة إلي التنمية الشاملة.

ولقد كان من أهم الأسباب التي جعلت للخصخصة سمعة سيئة هو عدم وضوح استخدام العائد للمصلحة العامة. ففي فرنسا علي سبيل المثال فإن القانون المنظم لعملية الخصخصة نص منذ اللحظة الأولي علي إنشاء صندوق تئول إليه عوائد البيع لاستخدامها في أغراض اجتماعية وتنموية واضحة، واستثمارات عامة ذات عائد اجتماعي، ويصدر الصندوق تقريرا دوريا عن أعماله لكي يعرف عموم الناس أين ذهبت أموالهم، وللتحقق من أنها تم استغلالها الاستغلال الأمثل لصالحهم.

ووفقاً للدراسة المذكورة فإن من العقارات غير المستغلة فندق كونتيننتال التابع لوزارة الاستثمار، وهو يشغل مساحة 12 ألف متر مربع بميدان العتبة، فلا شك أن هذه المساحة يمكن استغلالها بشكل أفضل، ويكون بداية لإعادة تجميل وتطوير القاهرة الخديوية، فليس من المعقول ألا يستغل هذا الموقع وهذه المساحة بشكل يدرّ عائداً سنوياً للدولة، وبشكل يعيد القاهرة الخديوية لوجهها الحضاري الجميل. الدراسة أيضاً تعرضت لمسرح البالون والسيرك القومي بالعجوزة، وموقعهما المتميز علي النيل، فإجمالي مساحتهما معاً تبلغ حوالي اثنين وعشرين ألفا وخمسمائة متر مربع، ولا شك أن استغلال هذه المساحة في هذا الموقع بهذا الشكل إهدار لموقع متميز يمكن استخدامه بشكل أفضل لأغراض سياحية وتجارية وإدارية. ولا يعني هذا إلغاء المسرح والسيرك، ولكن لماذا لا يتم نقلهما إلي منطقة مطار إمبابة كجزء من مدينة ثقافية متكاملة. لنقلهما إلي أرض مطار إمبابة أيضاً أهمية، فهو يساهم في نقلة حضارية لهذه المنطقة وتطويرها. وما هو مقترح في هذه الدراسة ليس بدعة، فمن يتابع التطور العمراني لمدينة لندن، وما يحدث الآن في مناطقها الفقيرة من تحول كما حصل في منطقة «كناري وولف»، وما يحدث الآن في شرق لندن من تطوير ثقافي وحضاري وعمراني سيعلم لا محالة أننا لا نخترع العجلة بهذا الاقتراح.

التطوير العمراني والاستغلال التجاري يجب أن يكون لتغيير حياة الناس للأفضل، ولا شك أننا حين نتحدث عن الاستغلال التجاري والإداري، فإن ذلك لا يعني بيع أراض لإقامة أبراج خرسانية بل يجب أن يكون لها شكل حضاري وثقافي يراعي الازدحام، ويجب ألا نقصر الاستغلال علي البيع بل يجب أن تكون هناك فنادق مملوكة للدولة تديرها شركات عالمية، وشقق فندقية، ومباني إدارية متكاملة وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص تضمن عائداً سنوياً مستمراً، وتستخدم هذه العوائد لتطوير الخدمات التعليمية والصحية والسكن الاجتماعي.

أرض الحزب الوطني البالغ مساحتها 22 ألف متر مربع، وكذلك مجمع التحرير كلها مبان وأراض في أفضل المواقع المتبقية في القاهرة، نسيء استغلالها واستخدامها.. مثال آخر تشير إليه الدراسة، فمحطة تنقية شبرا الخيمة تقع علي أجمل بقاع النيل، وعلي مساحة قدرها 45.800 ألف متر مربع، يمكن نقلها. قصر البارون؛ لماذا لا يتم تحويله إلي متحف حقيقي وليكن متحف توت عنخ آمون، فهذا الفرعون يحتاج لكي يكون له قصره الجميل، ويمكن لأغراض السياحة توظيف حديقة القصر الهائلة. والأمثلة عديدة منها أرض المعارض بشارع صلاح سالم، وأرض كلية الزراعة بجامعة القاهرة وتبلغ 530 ألف متر مربع، والحديقة الدولية. والأمثلة متكررة في الإسكندرية مثال واحد أرض كارفور في مدخل الإسكندرية لا تزال أرضا صحراوية غير مستغلة، ومساحتها حوالي 2 مليون متر مربع تمثل امتداداً طبيعياً لمدينة الإسكندرية المكتظة بالسكان.. إن الاستغلال الأمثل لهذه الأراضي وبيعها ربما يحقق لخزانة الدولة علي مدار العشر سنوات القادمة ما لا يقل بأي حال عن خمسمائة مليار جنيه، أرجو من رئيس الوزراء أن يطلب هذه الدراسة، ويبدأ في تحويل أحلامها إلي واقع.

المرحلة الأولي من انتخابات مجلس النواب:

الناس منزعجة من نسب الإقبال المنخفضة علي الانتخابات. وأذكركم بأننا أجرينا (4) انتخابات و(3) استفتاءات منذ ثورة يناير 2011. أعلاها حضوراً كانت انتخابات مجلس شعب 2012 بنسبة 54.2%، وأقلها حضوراً كانت انتخابات مجلس الشوري 2012، وكانت نسبة الحضور حوالي 12.9%. استفتاء دستور 2013 علي الرغم من خطورته والحشد الكبير لم تزد فيه نسبة الحضور عن 38.6%
الشعب المصري ذكي، وليس غبياً أو كسولاً كما يتهمه البعض، بل هو أذكي من النخب الثقافية. ربما ستعلو النسب في النهاية عن انتخابات مجلس الشوري لسنة 2012. وللشعب أسبابه في العزوف، فهناك نسبة لا تقل عن 40% أو أكثر غير مكترثة بالعمل السياسي، وهم ما نسميهم بحزب الكنبة، وهم تحركوا فقط عند إحساسهم بالخطر الإخواني، فكان لهم دور إيجابي في استفتاء دستور 2013 و2014، حيث بلغت نسبة التصويت 38.6% و47.45%. وأما قد زال الخطر - من وجهة نظرهم - أو زالت حالة الضرورة - من وجهة نظرهم أيضاً - فقد عادت ريما لعادتها القديمة. فهم الآن مطمئنون إلي أن الأمور عادت للاستقرار، ومؤيدين للرئيس السيسي، ويرون أن دفة السفينة في أيدٍ أمينة. وهناك مجموعة أخري أكثر اهتماماً بالوضع السياسي، قد تصل نسبتهم إلي 20% من الناخبين، وهي غير راضية عن الأوضاع السياسية وعن مسار الإصلاح المؤسسي والاقتصادي، فكانت مقاطعتها التصويت رسالة يجب أن تُسمع. وهناك نسبة أخري امتنعت لأنها لم تقتنع بالمرشحين، ولم تصل إليهم برامجهم -أوهي غير موجودة بالأساس، فحالت ضمائرهم دون أن يصوتوا إتباعاً لقاعدة «أحسن الوحشين».

الشعب المصري لديه وعي سياسي، وغيابه عن التصويت يجب أن ننظر إليه علي اعتبار أنه رسالة إلي حكامه، يجب قراءتها بعناية وتحليلها، بعضها إيجابي من خلال «التأييد السلبي»، وعلينا أن نحوله إلي تأييد إيجابي، وبعضها «اعتراض سلبي» علينا أن نعيه ونُعيره انتباهاً لأن له وجاهته ومبرراته. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 8 أكتوبر 2015

لا لتعديل دستور 2014

جريدة الاخبار - 8/10/2015

أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها

الحوار بشأن تعديل نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم" ويضرب مسيرة الإصلاح في مقتل.
بدأت تتكون لديّ قناعة بأن كثيرا من السياسيين والنخبة صاروا يتفننون في إحداث الفتنة وإثارة الجدل في غير موضعه وفي غير وقته علي نحو يؤدي إلي نشر البلبلة وعدم الاستقرار، والاقتراب من القضايا غير الجوهرية التي تهدم ولا تبني، والتي تفرق ولا تجمع، وخلق حالة من الخلاف غير المجدي، وفتح الثغرات للمتربصين بالوطن وباستقراره، والتبرع باستنزاف الوطن وتماسكه.

وإحدي الدلائل علي ما أقول؛ هو ارتفاع نبرة المطالبة بتعديل الدستور الآن، يا الله... ما هذا؟!... يطالب البعض من الآن بتعديل دستور لم يختبر بعد، ولم تدخل العديد من مواده موضع التطبيق!! ودعونا نناقش الأمر بقدر من الموضوعية والهدوء بعيداً عن أي تعصب أو خلاف غير مبرر.

بداءة تعالوا نتساءل عن آلية تعديل الدستور وفقاً لنصوص الدستور ذاته. فطبقاً للمادة (226) لرئيس الجمهورية أو لخمس أعضاء مجلس النواب طلب تعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها وأسبابها.

ولذلك، فإن الحديث عن تعديل الدستور في غير ذي محل الآن، فلا الرئيس طلب تعديل الدستور صراحة، ولا خمس أعضاء مجلس النواب اقترحوا التعديل لأن المجلس أصلاً لم ينتخب بعد، إذا كنا قد نسينا!! أيضاً أصحاب الدعوي المطالبون بتعديل الدستور يرون أن بعض نصوص الدستور تعوق صلاحيات الرئيس، وتحول دون تسيير شئون الدولة وتحقيق الإصلاح، ولا أعلم علي أي سند يقال هذا الكلام، فرئيس الجمهورية طبقاً للمادة (139) من هذا الدستور هو "رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية"، وهو الذي يختار رئيس مجلس الوزراء ويجب أن تحصل الحكومة بعد تشكيلها علي ثقة أغلبية مجلس النواب، وهو شرط بديهي في أي نظام ديمقراطي.

ونظامنا الدستوري الجديد ليس نظاماً رئاسياً خالصاً كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا نظاماً برلمانياً كإيطاليا وانجلترا وألمانيا، وإنما هو نظام شبه رئاسي كما هو الحال في فرنسا، ويميل الدستور المصري إلي تعظيم صلاحيات رئيس الجمهورية باعتباره رئيس السلطة التنفيذية علي حساب رئيس الوزراء، حتي ولو كان يمثل حزب الأغلبية. فالدستور الجديد لا يعطل صلاحيات رئيس الجمهورية بل يعظمها باعتباره رئيس السلطة التنفيذية.

وفي حالة اختيار الحكومة من الحزب أو الائتلاف الحائز علي أكثرية مقاعد مجلس النواب - وهو ما لا نتوقعه سياسياً في هذه المرحلة - فإن رئيس الجمهورية هو الذي يختار- طبقاً للمادة (146) من الدستور - وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والعدل وليس رئيس مجلس الوزراء، حتي ولو كان هذا الأخير يمثل حزب الأغلبية أو الأكثرية في البرلمان، فاختيار حقائب الوزارات السيادية حكراً علي رئيس الجمهورية بنص الدستور، ورئيس الجمهورية هو الذي يمثل الدولة في علاقاتها الخارجية (م151)، وهو القائد الأعلي للقوات المسلحة (م152)، وهو الذي يعين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين ويعفيهم من مناصبهم (م153)، وهو الذي يعلن حالة الطوارئ (م154).. لقد جاء الدستور الجديد متوازناً ومتميزاً في نصوصه التي تحمي الحقوق والحريات الأساسية، ويحافظ علي متانة وسلامة القوات المسلحة، فلا يعين وزيراً للدفاع إلا أحد ضباطها (م201)، ولا يجوز تعيينه إلا بعد الحصول علي موافقة المجلس الأعلي للقوات المسلحة (م234).

والبعض الآخر من أنصار فكرة التعديل يرون أن بعض نصوصه ترهق ميزانية الدولة وتستنزفها وغير واقعية كما هو الحال في المادة (18) من الدستور، والتي تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي، ونفس الأمر بالنسبة للتعليم 4% (م19)، والبحث العلمي 1% (م23). ومشكلة هذه النسب أنها لم تحسب كنسبة من إجمالي الموازنة، وإنما من الناتج القومي، وهو ما قد يقفز بها إلي نسب تتجاوز 10% أو 15% من حجم الموازنة، وهو أمر غير قابل للتحقيق في ظل العجز الحالي في الموازنة. وهذا النقد له أسبابه الاقتصادية، ومع ذلك فإن هذا الالتزام علي الدولة يأتي مع موازنة 2016-2017. ويمكن للحكومة ومجلس النواب وضع إطار في حينه لرفع مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي.

ما أريد أن أقوله هو أن الحوار حول تعديل الدستور الآن سابق لأوانه، لأسباب عديدة منها أن معظم مواده لم يتم تفعيلها ولم تختبر بعد، وأن صاحب الحق في طلب التعديل لم يطلبه، ومبررات التعديل غير واضحة والتعديل الآن يضر ولا ينفع فهو مدخل واسع نحو عدم الاستقرار الدستوري والسياسي بشكل غير مبرر، ويفتح الباب لمناقشة وإعادة الجدل حول باقي النصوص الدستورية جميعها، إن الجدل بشأن تعديل الدستور الآن أيضاً من شأنه التشكيك في جديتنا بشأن تطبيق القانون واحترام النصوص الدستورية، ويخلق حالة من الانقسام نحن في غني عنها الآن. فكيف نفتح الباب لتعديلات جوهرية علي دستور تم الاستفتاء عليه منذ عام تقريباً، ولم تفعّل بعد نصف نصوصه تقريباً؟! وحسناً فعل المشرع الدستوري حينما حصن بعض مواد الدستور من قابليتها للتعديل أو التغيير، فلا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات (م226/5 من الدستور).

لا أريد أن أحجر علي رأي أحد أو أشكك في نوايا أي من أصحاب الرأي، ولكن في رأيي أن مناقشة تعديل أي من نصوص الدستور الآن "يفتح باب جهنم"، ويضرب المسيرة الإصلاحية في مقتل. أرجو من الرئيس مخلصاً ألا يستجيب لهذه الدعوات.

كلمة أخيرة: حكومة شريف إسماعيل مستقرة، وليست انتقالية:
أعجبتني كلمة الرئيس بشأن دعمه السياسي للحكومة الجديدة، وطلبه منحها الوقت للعمل وإثبات نجاحها. وسعدت بطرحه فكرة أن الحكومة مستمرة حتي بعد انتخاب البرلمان ما لم يرفض مجلس النواب برنامجها ويطلب إعادة تشكيل الحكومة. وأتوقع أن يطلب أعضاء مجلس النواب إجراء تعديل علي بعض أعضاء الحكومة ولكن هذه قضية أخري. فالرئيس بدعمه هذا أنهي فكرة التأقيت الحكومي، وفكرة الحكومة الانتقالية، ولا أجد عذراً لرئيس الحكومة أو أي من الوزراء في عدم اتخاذ قرارات حاسمة، فرئيس السلطة التنفيذية - أي رئيس الجمهورية -  أعلن استمرار الحكومة ودعمه لها.

إن أخطر ما تعرضت له مصر منذ ثورة 25 يناير هو الطابع التأقيتي والانتقالي وعدم الاستقرار لكافة الحكومات التي تم تشكيلها منذ فبراير 2011، وحتي حكومة المهندس محلب الأخيرة، وهو الذي انعكس بدوره سلبياً علي كافة مؤسسات الدولة وزادها وهناً علي وهن. وأرجو أن تكون كلمة الرئيس السيسي هي الكلمة الحاسمة والأخيرة في إنهاء حالة التأقيت وعدم الاستقرار، وأن تعامل حكومة المهندس/ شريف إسماعيل علي أساس كونها حكومة مستقرة ومستمرة قادرة علي اتخاذ قرارات إصلاحية صعبة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 1 أكتوبر 2015

«الديمقراطية السياسية والتنمية الاقتصادية»

جريدة الاخبار - 1/10/2015

كان دائماً رأيي أن الحقيقة تقف بين الأمرين، فلا شك أن النظم الديمقراطية أكثر حظاً في تحقيق نمو اقتصادي وتنمية شاملة وتغيير إلي الأفضل.

حينما كنت أعمل كمدرس محاضر بانجلترا في النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي؛ كان من أكثر المواد التي كنت أستمتع بتدريسها لطلاب الدراسات العليا في القانون بجامعة لندن هي مادة "القانون والتنمية الاقتصادية". وكانت فلسفة هذه المادة تعتمد علي أن القانون مجرد وسيلة أو أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية، فإذا تحول القانون إلي غاية في ذاته فسدت عملية الإصلاح الاقتصادي، وإذا كانت الأداة  - أي القانون - منبت الصلة عن الغايات الاقتصادية والاجتماعية التي تسعي الحكومات الإصلاحية لتحقيقها، وكانت الفجوة كبيرة بين الوسيلة والغاية؛ فسدت عملية الإصلاح الاقتصادي.

وكان من أكثر المحاضرات التي تثير شغف طلبة الدراسات العليا خاصة من البلدان النامية وتثير جدلاً كبير في المناقشة معهم؛ محاضرة كنت ألقيها عليهم تحت تساؤل عنوانه: "هل يعد تطبيق الديمقراطية السياسية شرطاً ضرورياً لتحقيق التنمية المستدامة؟".وبمعني آخر؛ هل يلزم أن يكون النظام السياسي في دولة ما نظاماً ديمقراطياً حقيقياً لتحقيق النهضة الاقتصادية في هذه الدولة؟

وكانت إجابات ومناقشات الطلبة - وهو ذات الأمر بالنسبة للدراسات التي تناولت هذه المسألة - تتراوح ما بين مؤيد ومعارض.
فهناك اتجاه يري أن تحقيق الديمقراطية السياسية شرط ضروري لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية مستدامة وحقيقية، وليست مجرد طفرة اقتصادية مؤقتة. وكان هؤلاء يعتمدون لتأييد وجهة نظرهم علي أن التنافسية وسيادة القانون وعدالة النظام القضائي والشفافية والمحاسبة وتداول السلطة وتكافؤ الفرص وديمقراطية القرارات الاقتصادية واستهداف مصلحة الأغلبية من خلال سياسات العدالة الاجتماعية؛ أمور لازمة لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وهي أمور لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل نظام ديمقراطي سليم يحقق مبدأ الفصل بين السلطات، وتكون فيه الرقابة القضائية والبرلمانية علي أعمال السلطة التنفيذية صارمة وعادلة. ويستدل أصحاب هذا الاتجاه لدعم رؤيتهم بما حدث في أوروبا والولايات المتحدة، وتجارب بعض الدول النامية الناجحة كما حدث في البرازيل وتركيا والأرجنتين والمكسيك.

وأما أصحاب الاتجاه الثاني، فيرون أن الديمقراطية السياسية لا تكفي في ذاتها لتحقيق التنمية الاقتصادية، وأن هناك نظما ديمقراطية تعثرت في تحقيق التنمية، ويضربون لذلك مثالاً بالهند،فرغم عراقة النظام الديمقراطي بها إلا أنها شهدت تعثرات اقتصادية واجتماعية كبيرة خلال حقبة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وعلي النقيض هناك أنظمة غير ديمقراطية تعتمد علي نظام الحزب الحاكم الأوحد، ونظرية الحاكم العادل نجحت في تحقيق إصلاحاً اقتصادياً واجتماعياً شاملاً، وحققت طفرات وقفزات اقتصادية غير مسبوقة في التاريخ الإنساني، ويضربون لذلك أمثلة عديدة منها الصين وسنغافورة وماليزيا.

وكان دائماً رأيي أن الحقيقة تقف بين الأمرين، فلا شك أن النظم الديمقراطية أكثر حظاً في تحقيق نمو اقتصادي وتنمية شاملة وتغيير إلي الأفضل، وعلي الرغم من تعثرات الهند إلا أنها نجحت في النهاية في تحقيق نمو حقيقي، ونفس الأمر ينطبق علي تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. فالنظم الديمقراطية تسمح بمساحة أكثر للإبداع الإنساني، والتنوع الثقافي والانفتاح علي العالم، وتكريس التنافسية لصالح المستهلكين، والقضاء العادل الناجز، وفاعلية الجهاز الإداري وخلوه من الفساد البيروقراطي كنتيجة لتداول السلطة والتنافس السياسي للحوز علي دعم الأغلبية، والحرص علي دمج أكثر العناصر كفاءة للجهاز الحكومي والتنفيذي، ناهيك عن الرقابة القضائية والبرلمانية الصارمة، وفاعلية منظمات المجتمع المدني في كافة الاتجاهات. فهذا المناخ يكون عادة أكثر إيجابية ودافعاً للنمو الاقتصادي المستدام، يمثل بيئة صالحة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة.

ومع ذلك كله، لا يمكن إنكار الواقع وأن هناك استثناءات علي هذه القاعدة، وكل دول شرق آسيا أو النمور الآسيوية دليل دامغ علي هذا الاستثناء، فرغم أنها جميعاً لم تستند في انطلاقها علي نظام سياسي ديمقراطي إلا أنها نجحت في تحقيق تنمية مستدامة بمعني الكلمة. ولكن هذه النظم غير الديمقراطية اعتمدت في نجاحها علي تبني عناصر أساسية تتفق في جوهرها مع مبادئ النظم الديمقراطية، وإن لم تتفق معها في الإطار الخارجي.فهذه الدول غير الديمقراطية نجحت في تحقيق التنمية الاقتصادية اعتماداً علي ركائز ستة رئيسية شأنها في ذلك شأن كافة النظم الديمقراطية؛ ألا وهي:

وجود رؤية واضحة وشاملة للإصلاحين الاقتصادي والاجتماعي لدي القيادة السياسية، صاحبها خطة تنفيذية سنوية لأولويات الإصلاح، مع التمسك بتعيين أفضل العناصر والخبرات في الإدارة والجهاز الحكومي، والتخلص من أية عناصر غير صالحة أو غير مؤمنة بهذه الرؤية أو غير قادرة علي تنفيذها.
- تطبيق مبدأ سيادة القانون بحذافيره، وإعلاء كلمة القانون، والضرب بيد من حديد علي أيادي الفاسدين، وإصلاح النظام القضائي وتطويره، وتحقيق العدالة الناجزة، وتطبيق المساءلة والمحاسبة العلنية.
- احترام مبدأ التنافسية وتشجيع الصناعات الوطنية، ودعم الاستثمار بسياسات مالية ونقدية واضحة غير ملتبسة أو متلعثمة.
- تبني سياسات إصلاح مؤسسي حكومي جادة، وتولي أفضل العناصر القيادة، وتطبيق مبادئ الحوكمة المؤسسية والإدارية علي كافة أجهزة الدولة.
إصلاح التعليم الأساسي، والاهتمام بالتدريب الفني، ودعم النظام الاجتماعي بالعمالة المهرة، وفتح الباب للإبداع الفني والتكنولوجي، والاهتمام بنقل التكنولوجيا والبحوث العلمية.

تبني سياسات قاطعة في مجال العدالة الاجتماعية من خلال تبني سياسات لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق نقلة نوعية ومستدامة في حياة عشرات الملايين من أبناء هذه الشعوب، والاهتمام الحقيقي بملف الصحة العامة.


هذه العوامل الستة المشتركة التي أدت بهذه الدول إلي النجاح، وكما نري كلها عوامل أيضاً مشتركة مع النظم ذات الطبيعة الديمقراطية السياسية. ولا شك أن هذه العوامل نجحت في تحول بعض هذه المجتمعات إلي المجتمع الديمقراطي كما يحدث الآن في سنغافورة وماليزيا، وكما حدث في تايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. فالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ستؤدي حتماً إلي نظام مدني ديمقراطي، والديمقراطية تؤدي في الغالب الأعم إلي التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فإذا بدأنا في تبني تطبيق عوامل التنمية الشاملة الستة، ومزجنا معها احترام حقوق الإنسان الأساسية سيكون مصيرنا الحتمي تحقيق التنمية المستدامة بشكل غير مسبوق في تاريخنا، والمدخل الطبيعي أيضاً إلي الديمقراطية السياسية التي نبغيها، والدول التي سبقتنا ونجحت حققت قفزتها الأولي الهائلة خلال جيل واحد، أي خلال 10 سنوات أو أكثر، وتوالت بعد ذلك القفزات لهذه الدول، هذا ما حدث في كوريا الجنوبية وماليزيا والصين والبرازيل وتركيا... علينا أن نبدأ في الإصلاح ولا نتردد. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 24 سبتمبر 2015

«إصابة الاستثمار بنيران صديقة»

جريدة الاخبار - 24/9/2015

ولا شك أن التأخير في الإفراج الجمركي وإعادة التسعير العشوائي يؤدي إلي إهدار تسلسل حركة التجارة الخاصة بهذه الشركات العالمية دون مبرر


لن أملّ من التذكرة بأن معظم ملفات الاستثمار ليست في حوزة وزارة الاستثمار ولا هيئة الاستثمار، وأن معظم حلول مشاكل الاستثمار في أيادي وزارات وهيئات أخري. إن مسئولية تشجيع الاستثمار وحل مشاكله هي مسئولية تضامنية لجميع أعضاء الحكومة، وكثير من المصانع والمؤسسات توقفت عن النشاط أو تعطلت بسبب نيران صديقة أطلقتها بيروقراطية هيئات وجهات حكومية أو غير حكومية، وعجزت وزارة الاستثمار عن حلها. وكثير من القرارات التي أدمت الاستثمار وعطلت النمو الاقتصادي وقتلت فرص التشغيل كان الباعث علي إصدارها حماية المصلحة العامة وكانت مغلفة بحسن النية.

وهناك مثالان لقرارات صدرت مؤخراً كان الباعث عليهما تحقيق المصلحة والخير إلا أنهما انقلبا وبالاً علي الاستثمار والصناعة والتجارة في مصر، وزادا من أوجاع الاستثمار، وإهدار الجهود المبذولة لتشجيع الاستثمار...

أما المثال الأول علي النيران الصديقة هو صدور قرار منذ شهر تقريباً من وزير التجارة والصناعة يستهدف منع إغراق مصر بالسلع والبضائع المضروبة وحماية الصناعات المصرية، فأصدر قراراً منح به الصلاحية لمصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية بالتفتيش علي الواردات والشحنات المتعلقة بسلع معينة منها الأثاث، وحق إدارة الجمارك في الالتفات عن الفواتير الصادرة من مصدّري هذه السلع، وإعادة تقييم هذه البضائع مرة أخري، وتحديد أسعار جديدة لها بمعرفة مصلحة الجمارك، وفرض ضريبة جمركية علي أساس تسعير مصلحة الجمارك وليس علي أساس الأسعار المثبتة بفواتير الاستيراد. والهدف من القرار كما ذكرت هو حماية السلع المحلية خاصة الملابس والأثاث من الواردات القادمة من الصين وبأسعار مبالغ في تخفيض أثمانها، وهي أسعار في الغالب مضروبة وبالتالي تنخفض جماركها انخفاضاً مبالغا فيه، وهو ما يضر بالصناعات المحلية، ويعد من صور المنافسة غير المشروعة... لغاية هنا والأمور يمكن فهمها... ولكن المشكلة صارت عويصة حينما بدأ تطبيق القرار، فطبقته الجمارك المصرية بكل همة ونشاط علي كافة الواردات وأياً كانت بلد المنشأ وأياً كانت الشركة المصنعة، وبغض النظر عن نوعية المستورد وهل يستورد بناءً علي اتفاق توزيع معتمد أم لا... فكانت النتيجة أن مستوردا للأثاث مثل شركة "ايكيا" العالمية وهي شركة سويدية الأصل تعرضت لنفس نماذج الفحص، فأصبحت كافة البضائع تتعرض للفحص، وإهدار كافة الفواتير الصادرة عن الشركة الأم في السويد، وإعادة تقييم كافة الأسعار، ورفع الأسعار بشكل انتقائي وفرض ضريبة جمركية عليها، وهو ما يعني تأخر الإفراج الجمركي نتيجة هذا القرار لمدة أسابيع تصل إلي 3 أسابيع في حين أن الإفراج الجمركي عن بضائع ذات الشركة في موانئ دبي يستغرق 3 ساعات، وهذا الكلام علي مسئوليتي.

واستتبع تنفيذ هذا القرار كذلك إعادة تسعير كافة بضائع ايكيا وزيادتها بمعرفة مصلحة الجمارك، وإهدار كافة الفواتير الصادرة عن بلد المنشأ، أخذاً في الاعتبار أن هذا الإجراء يخالف اتفاقية التجارة الحرة (الـ"جات") والذي يمنع دولة الاستيراد من إهدار الفواتير إذا كان الاستيراد يتم من خلال موزع معتمد، وكانت اتفاقيات التوزيع موثقة ومعتمدة ولا تتضمن أي مخالفات. ولا شك أن التأخير في الإفراج الجمركي وإعادة التسعير العشوائي يؤدي إلي إهدار تسلسل حركة التجارة الخاصة بهذه الشركات العالمية دون مبرر والتدخل في عملية التسعير، وهو ما يعد مخالفة لضمانات وحوافز الاستثمار. ومن سخرية القدر أن تدخل الحكومة يؤدي إلي زيادة الأسعار علي المستهلك المصري دون مبرر. وبالمناسبة البضائع المهربة والمضروبة - المستهدف الرئيسي من هذا القرار - لاتزال تدخل بيسر وانسيابية إلي السوق المصري!!

أرجو من وزير التجارة والصناعة، المهندس/ طارق قابيل، أن ينظر إلي هذه المسألة ويتدخل فيها لحلها بشكل عاجل، فالموضوع دمه بقي تقيل، فالمطلوب اتخاذ قرار عاجل بعدم سريان القرار علي الواردات القادمة من خلال مستندات معتمدة وبناءً علي اتفاقات توزيع موثقة.

مثال آخر علي النيران الصديقة... لا يخفي علي أحد أن مصر تتعرض لهجمات إرهابية شرسة ومحاولات مستمرة لتهريب متفجرات ومواد قابلة للاشتعال لاستخدامها في عمليات إرهابية، ولذلك لم يكن من المستغرب في هذه الظروف الاستثنائية أن تصدر المخابرات الحربية قراراً بفحص كافة المواد الكيماوية من خلال معامل الدولة قبل الإفراج عنها للتحقق من استخداماتها، والقرار يستهدف حماية أمن الدولة وحماية الاستثمار... لا شك في ذلك... المشكلة التي ظهرت عند التطبيق هو قلة عدد المعامل المتخصصة التابعة للدولة وخاصة للبضائع المستوردة من خلال جمارك الاسكندرية، حيث يوجد معمل بالإسكندرية وآخر بالدخيلة... وكانت النتيجة هو أن كافة المصانع بدأت في التعطل نتيجة عملية الفحص، حيث إن الفحص يستغرق حوالي عشرين يوماً علي الأقل وقد يصل إلي ثلاثين يوماً في بعض الحالات، وتظل مستلزمات إنتاج المصانع محجوزة علي السفن. وهناك أحد المصانع مثل مصنع "بيرللي" المصري الإيطالي وهو يصنع حوالي مليون إطار كاوتش لسيارات النقل في العام ويصدر منها 65٪ وهو أكبر مصنع لـ"بيرللي" في الشرق الأوسط، اضطر لتخفيض إنتاجه بنسبة 50% بسبب تأخر الإفراج عن مستلزمات الإنتاج، وهو يستورد 36 مكوناً كيماوياً... نفس الأمر ينطبق علي شركات "يونيلفير" و"بروكتل أند جمبل"، فكل ما يتعلق بصناعات المناديل الورقية والكريمات والشامبو ومستحضرات التجميل، والمواد الغذائية إلي آخره توقفت تماماً... ولا شك أنه من أكثر المتضررين شركة كوكاكولا وغيرها، وهي تصدر من مصر إلي أكثر من 42 دولة في العالم. هذا كله بدأ يتوقف نتيجة عملية الفحص ناهيك عن فساد المستلزمات الغذائية وارتفاع تكلفة الفحص والانتظار والنقل، وتوقف المصانع عن الإنتاج، والإضرار بموقف مصر التصديري. هذا كله ولم نتكلم عن أوجاع عدم توافر العملة الأجنبية اللازمة لاستيراد مستلزمات الإنتاج. فندرة المعامل المتاحة وعدم قدرتها علي القيام بأعمال الفحص في وقت قصير أدي إلي زيادة مدة التخليص الجمركي للمواد الخام لـ4 أسابيع، وتباطؤ الإنتاج وتوقفه في بعض المصانع، وارتفاع أعباء التصنيع، وتلف الكثير من الشحنات بسبب طول زمن التحليل، وتراجع الصادرات المصرية بسبب ضعف الإنتاج، وتأخر المصانع عن التصدير والتوريد في المواعيد المتفق عليها... ناهيك عن تكدس الحاويات في موانئ الجمهورية، وتأخر مغادرة السفن، واضطراب خطوط السير الملاحية بسبب طول الإجراءات.

أرجو من سيادة رئيس مجلس الوزراء المهندس/شريف إسماعيل أن يولي هذا الموضوع اهتمامه. إن الحلول يسيرة منها توسيع قاعدة معامل التحليل لتشمل معامل الرقابة علي الصادرات التابعة لوزارة التجارة وعددها حوالي (5) معامل، وتحديد المواد الكيماوية المطلوبة للتحليل بشكل أدق، ووضع لائحة بيضاء تشمل المصانع الكبري والشركات العالمية حيث تخضع الأخيرة للفحص من خلال العينات العشوائية، وتطبيق نظم أكثر حداثة. ليس المطلوب إلغاء قرار المخابرات الحربية؛ فهذا قرار يصب في حماية مصلحة الأمن والاستقرار، بل المطلوب اتخاذ حزمة من الإجراءات الحكومية تؤدي إلي خفض مدة الفحص إلي 48 ساعة علي الأكثر. آمل أن تتخذ الحكومة خطوات فعالة لحل هذه المشاكل، وهذا هو الاختبار الأول لقياس مدي جدية الحكومة الجديدة في دعم الاستثمار وتشجيعه. اللينك

استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 17 سبتمبر 2015

«التغيير الحكومي كان حتمياً»

جريدة الاخبار - 17/9/2015

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده


انتقد الكثيرون التغيير الحكومي الأخير، كما يري البعض أن تغيير حكومة م.محلب الثانية في هذا التوقيت وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأسابيع قليلة أمر غير مبرر وقرار سياسي غير حكيم، فأي حكومة جديدة مهما كانت براعة أعضائها السياسية والفنية لن تستطيع أن تفعل شيئاً، وأن محصلة هذا التغيير مزيد من الإرباك والارتباك للجهاز الحكومي والدولة ككل.

واختلف جملة وتفصيلاً مع هذا الرأي، وأري أنه من الناحية السياسية لم يكن هناك أية خيارات أخري أمام القيادة السياسية سوي إقالة الحكومة رغم ضيق الوقت، ودقة الوضع السياسي، وشعبية المهندس إبراهيم محلب في الشارع المصري.

الحكومة بأخطائها الفادحة في الأسابيع الأخيرة، وانهيار التنسيق بين أعضائها، وتعرضها لهجمات وانتقادات غير مسبوقة في الإعلام المصري، وانهيار الثقة في قدرتها علي الاستمرار في قيادة الأمور، والاتهام بالفساد الذي طال بعض أعضائها، وظهور رئيس الحكومة بمظهر آخر من يعلم بشأن الاتهامات الموجهة لوزير الزراعة السابق، وتعطل الجهاز الوزاري عن اتخاذ القرار لعدم معرفة أي وزير باستمراريته من عدمها، ناهيك عن الضغط العصبي والنفسي الذي تعرض له كافة الوزراء، حتي أن أحدهم قد بكي لعدم قدرته علي تحمل الإهانات والضغوط النفسية، فالوزير وأسرته بشر لهم قدرة علي التحمل، فقد تحملوا ما لا يطيقه بشر، وظُلموا ظلماً بيّناً، ففارق كبير بين أن ننتقد سياسياً ونختلف في الرأي، وأن نبيح لأنفسنا أن نطلق الاتهامات والشائعات ونوجه الإساءات للوزراء دون ضابط أو رابط، فهذا المسلك الأخير يدخل في دائرة الأفعال المجرّمة.

في ظل هذا المناخ؛ كانت المحصلة حكومة فقدت الثقة - ربما بفعل فاعل - وصارت منهكة سياسياً وإدارياً إلي الحد الذي أصبحت معه - في رأيي - عبئاً سياسياً، وصارت مشلولة إدارياً غير قادرة علي الاستمرار. وكانت هناك بعض الإشارات التي لا يمكن تجاهلها، منها مناقشة الرئيس لقضايا تتعلق بالبنية الأساسية، وقضايا ثقافية، وقضايا تخص الاستثمار مع ممثلي دول أجنبية في غياب أي مسئول حكومي. ولم يكن أمام الرئيس السيسي سوي خيارات ثلاثة؛ أولها دعم الحكومة وإعلانه ثقته فيها حتي ولو اقتضي الأمر تعديل وزاري محدد، وثاني هذه الخيارات كان ترك الأمر علي ما هو عليه دون دعم من الرئيس أو تعليق منه، والخيار السياسي الثالث هو التغيير الوزاري، وطلب قيام الحكومة بتقديم استقالتها. وفي ظل هذا الوضع أعتقد أن الخيار الثالث كان حتمياً، فللأسف الحكومة - سياسياً - كانت قد انتهت صلاحيتها وفاعليتها، واستمرار الوضع علي ما هو عليه كان من شأنه إنهاك الجهاز الحكومي وأجهزة الدولة، ورفع درجة العصيان المدني، فللأسف صارت الحكومة سياسياً وإدارياً أضعف من المواجهة والاستمرار. وقد دارت بيني وبين بعض الأصدقاء منهم كتّاب وإعلاميون حديث بهذا الشأن قبل حدوث التغيير بأقل من 24 ساعة، وكنت أري أن التغيير حتمي وسيحدث لا محالة، وكان رأيي مبنياً علي التحليل الذي ذكرته أعلاه، وليس بناء علي معلومات.

والسؤال الذي طرحه البعض بشأن اختيار المهندس/ شريف إسماعيل وزير البترول كرئيس للوزراء، هل كان الاختيار متوقعاً؟... اختيار م.شريف إسماعيل بشخصه ربما لم يكن متوقعاً، ولكن اختيار وزير تكنوقراطي من داخل أعضاء مجلس الوزراء بكل تأكيد كان متوقعاً. فباستقراء كافة اختيارات رؤساء الوزراء علي مدي الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، فإن كافة رؤساء الوزراء كانوا من أعضاء مجلس الوزراء، سواء كانوا في الخدمة وقت اختيارهم - وهو الغالب - أو كانوا من الأعضاء السابقين في الحكومة. والاستثناء الوحيد - من بين أكثر من 14 رئيساً لمجلس الوزراء منذ عام 1980 حتي تاريخه - كان الدكتور عاطف صدقي -رحمة الله عليه - إذ كان رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات وقت اختياره رئيساً للوزراء. ومنذ عام 2004 فإن الاختيار دائماً كان يصب في مصلحة وزراء الخدمات والمرافق العامة، فالدكتور نظيف كان وزيراً للاتصالات، والفريق شفيق كان وزيراً للطيران المدني، والدكتور عصام شرف كان وزيراً للنقل، والدكتور/ حازم الببلاوي كان وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء، والمهندس/ إبراهيم محلب كان وزيراً للإسكان، وأخيراً المهندس/ شريف إسماعيل كان وزيراً للبترول. إذاً طريقة الاختيار وآلياتها والمعين الذي يتم الاختيار منه لم يتغير.

وربما يكون للنظام السياسي أسبابه الوجيهة في ذلك، فمنصب رئيس الوزراء هو المنصب السياسي الأهم بعد منصب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس وزراء من خارج الصندوق لم يختبر أمر يحمل قدرا من المخاطرة، ربما من وجهة نظر القيادة السياسية تكون مخاطرة غير محسوبة. ولذلك لم يكن من المستغرب في ظل المحددات ومعايير الاختيار السائدة في مصر علي مدار الخمسة والثلاثين عاماً الماضية - والتي لاتزال سارية حتي الآن - أن يقع الاختيار علي م.شريف إسماعيل، فهو تكنوقراطي ناجح في مجاله يعمل في صمت ودون ضجيج، له نجاحاته وقدراته الإدارية في مجاله، ملمّ بدواليب العمل الحكومي، له رؤياه الاستراتيجية وأدواته. التحدي الحقيقي ربما يكمن في ضيق التخصص، وقلة الخبرة بالعمل السياسي.

ويستطيع م.شريف إسماعيل النجاح في هذه الظروف الصعبة، ولكن شريطة تحقق عدد من الأمور؛ أولها تعيين أمانة فنية لمكتبه عالية المستوي قادرة علي دعمه علي مدار الأربع والعشرين ساعة، ثانيها تقسيم مجلس وزرائه لمجموعات عمل أربعة للتركيز علي ملفات الأمن القومي والانتخابات البرلمانية، والاستثمار والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الإدارية والتنمية المحلية والمرافق. ثالثها في هذا الوقت الضيق يجب تحديد الأولويات بشكل واضح لكل وزارة بخطة تنفيذ معلنة بعيداً عن الأهداف العامة والمبهمة، رابعاً تشكيل مجموعة عمل وزارية وتابعة لها لملفات بعينها، كملف الانتخابات، وملف الطاقة، وملف المشروعات القومية. ومن الأمور الضرورية كذلك تخفيض عدد الوزارات لأقل قدر ممكن لضمان التنسيق والمتابعة وتحقيق الإنجازات في هذا الوقت الضيق. وأخيراً لابد من جهاز متخصص تابع لرئيس الوزراء مباشرة لضمان التنسيق الأفقي بين الوزارات، والمتابعة اليومية لتنفيذ القرارات. ويجب أن يكون هناك اجتماع أسبوعي دوري بعيداً عن ملفات بعينها أو أية اجتماعات بروتوكولية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لضمان التنسيق والمتابعة.

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الثلاثاء، 15 سبتمبر 2015

مشروعات تنمية محور قناة السويس الجديدة

جريدة الاهرام - 13/9/2015

ليست مجرد استثمارات ذات بعد اقتصادي فقط ولكنها تمثل الامل لكل المصريين. أكدت على هذا المعنى واستطردت في شرح الوضع القانوني لتنمية هذا المحور ومستقبله. ونظراً لما يبثه الحديث في هذا المشروع العملاق من امل لدى المصريين لما فيه من حيز كبير ولما سيحققه من فرص عمل لشباب المصريين وما سيجذبه من استثمارات محلية وعالمية. جاء حواري مع جريدة الاهرام ليلقي الضوء على هذا الامل ويؤكد اهميته... اليكم تفاصيل الحوار في هذا اللينك.

الخميس، 10 سبتمبر 2015

أسـبوع متخـم بالأحـداث

جريدة الاخبار - 10/9/2015

فساد الأفراد في مصر لم يعد هو المعضلة، فقد تحور هذا المرض الخبيث الذي ينخر في كافة جوانب الجهاز الحكومي والإداري ليصبح فساداً مؤسسياً


زيارةالرئيس إلي آسيا:

زيارة الرئيس السيسي الأخيرة للصين وسنغافورة وإندونيسيا لها أهمية خاصة من خلال أبعاد ثلاثة؛ البعد الأول سياسي، حيث إن انفتاح مصر علي شرق آسيا والتنسيق السياسي مع هذه الدول المهمة يصب في المصلحة المصرية، وأيضاً مصلحة دول شرق آسيا، فعلاقات مصر السياسية القوية بدولة كإندونيسيا تعود إلي عام 1955 ومؤتمر باندونج الذي تم فيه تأسيس حركة عدم الانحياز. ولا شك أن أمن مصر القومي يبدأ من خارج حدودها، ليس فقط بعلاقات قوية وفاعلة مع دول الجوار بل إلي هو ما أبعد من ذلك بكثير. مصر عادت بقوة منذ تولي السيسي الرئاسة لتصبح فاعلاً ومؤثراً في العالم الخارجي، وأرجو أن يتبع توثيق العلاقات الأفريقية والآسيوية الانفتاح كذلك علي أمريكا اللاتينية لاسيما البرازيل والأرجنتين.

أما البعد الثاني لهذه الزيارة فيتعلق بالتشجيع علي الاستثمار في مصر. فليس صحيحاً أن القيادة السياسة تتخذ موقفاً سلبياً من الاستثمار الخاص بل العكس هو الصحيح تماماً، فالقيادة السياسية تعي تماماً أن مواجهة العجز في الموازنة وما يقتضيه من زيادة الإيرادات، وإنقاص فجوة الدين المحلي والخارجي، والخلل في ميزان المدفوعات، وزيادة الواردات في مواجهة الصادرات وما يقتضيه ذلك من تحديث الصناعة المصرية ورفع كفاءة الإنتاج الزراعي؛ لن يتم إلا من خلال تشجيع الاستثمار الخاص الحقيقي الأجنبي والمصري علي حد سواء. فهذا هو السبيل الرئيسي لرفع معدلات التشغيل والقضاء علي البطالة. ولذلك لم يكن من المستغرب أن يعطي الرئيس بنفسه أولوية علي أجندته للقاء رجال الأعمال ومناقشة فتح الأسواق للمستثمرين المصريين داخل آسيا، وكذلك فتح الأسواق المصرية للمستثمرين الآسيويين. ومن هنا صار ملف ترويج الاستثمار من الملفات التي يتولاها ويتابعها الرئيس شخصياً.

أما البعد الثالث للزيارة وهو الأكثر أهمية فهو البعد التنموي والاستفادة من خبرات الدول الآسيوية، فهذه الدول جميعها بلا استثناء - وإن كان بدرجات - حققت طفرات نوعية نقلت معها شعوبها إلي آفاق أفضل. وعلينا أن نستفيد مما حققوه في كافة المجالات، ولنبدأ من حيث انتهي الآخرون. فلا شك أن تجارب دولة كسنغافورة في الإصلاح المؤسسي، والتعليم، وتطوير الموانئ البحرية، والقدرة التصنيعية، وتحلية المياه... خبرات يجب الاستفادة منها في عملية الإصلاح، ولا شك أن تجربة الصين في المزج بين الاستثمارات العامة والخاصة وخلق قيمة مضافة لصناعاتها ساعدها علي تحقيق نمو اقتصادي مطرد لأكثر من عشرين عاماً متتالية لهو أمر يستحق الدرس والاستفادة منه. إندونيسيا توجد في تركيبتها السياسية والدينية والثقافية عناصر قريبة من التجربة المصرية، فقد نجحت هذه الدولة في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل مذهل ساهم في دعم صادراتها وتقليل الفجوة في ميزان مدفوعاتها بشكل مذهل. يجب تكوين فرق عمل لزيارة هذه الدول ودراسة تجاربها... مصر تحتاج إلي قفزات هائلة وسريعة... الوقت داهمنا، ولم يعد عامل الوقت في صالحنا، ولن تتحقق هذه القفزات إلا بنقل التجارب الناجحة وتفعيلها، كما فعل "محمد علي" رائد نهضة مصر الحديثة منذ أكثر من مائة وخمسين عاماً.

الفساد في مصر فساد مؤسسي:
فساد الأفراد في مصر لم يعد هو المعضلة، فقد تحور هذا المرض الخبيث الذي ينخر في كافة جوانب الجهاز الحكومي والإداري ليصبح فساداً مؤسسياً. بحيث صار الجهاز الحكومي والإداري فاسداً إلي الحد الذي يفسد معه كل من يعمل في إطاره وطبقاً لآلياته، لأنها آليات ونظم فاسدة.
والفساد الإداري والحكومي ليس بالضرورة فسادا ماليا يؤدي إلي الرشاوي والاستيلاء علي الأراضي، فالفساد الإداري والحكومي أبعد من ذلك بكثير، فالمحسوبيات وعدم تكافؤ الفرص فساد، وسوء أداء العمل التنفيذي فساد، وسوء الإدارة فساد، وإساءة استخدام السلطة فساد، وإهدار المال العام فيما لا يفيد المصلحة العامة فساد، وتضخم الإنفاق العام غير الرشيد فساد، والامتناع عن اتخاذ القرار الصحيح فساد، والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية فساد، وعدم تحقيق مصالح العباد فساد، والاستمرار في الاحتفاظ بالكوادر غير الكفؤ فساد.

الفساد صار نمطاً للسلوك الحكومي وإطاراً مؤسسياً لها، فصار تنفيذ القرارات والإجراءات واتباع النمط السائد الآن وبذات الكوادر هو استمرار وتكريس للفساد، والفساد المؤسسي لن تتم مواجهته والقضاء عليه إلا بإصلاح مؤسسي شامل... القضية أعمق من فساد مسئول مرتش والقبض عليه، فالحد من السلطة التقديرية من خلال نظم ولوائح مبسطة وواضحة أحد الحلول للقضاء علي الفساد، ووضوح الصلاحيات والمسئوليات أحد الحلول للقضاء علي الفساد، وتطبيق إجراءات تنافسية ومعلنة أحد الحلول للقضاء علي الفساد، ووجود نظم واضحة لتحديد أهداف المؤسسات والمسئولين، ومعايير قياس النجاح أحد الحلول للقضاء علي الفساد... الفساد لن ينتهي بمجرد القبض علي مسئول هنا أو هناك... الفساد لن ينتهي إلا إذا بدأنا ثورة إصلاح مؤسسي للجهاز الحكومي، ولندرس التجربة الماليزية وتجربة كوريا الجنوبية ومن قبلهما هونج كونج، فنحن برغم كل ما نعانيه نقطة البداية عندنا الآن أفضل مما كانوا هم عليه حينما بدأوا ثورتهم الإصلاحية. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 3 سبتمبر 2015

٢٠١٦.. فرصة إيجابية لمصر

جريدة الاخبار - 3/9/2015

يشهد العالم الآن انهياراً كبيراً في شتي بورصات العالم، ويري البعض أننا مقبلون علي أزمة اقتصادية عالمية جديدة لا تقل قسوة عن الأزمة المالية العالمية لعام 2008. وتعاني أوروبا من بوادر أزمة حادة، في حين يعاني الاقتصاد الروسي نتيجة انخفاض أسعار البترول وتوالي الانخفاض لعام 2016. وعام 2016 - في رأيي - فرصة إيجابية لمصر وليست سلبية رغم ما يدور حولنا. وعلي مصر أن تتحرك في مسارات ثلاثة بشكل متواز...

المسار الأول: الاستمرار في تبني سياسة إنفاق عام متوازنة علي المشروعات القومية الكبري، بشرط أن يتوافر في هذه المشروعات شروط خمسة؛ أولها: أن تساهم بشكل حقيقي في خلق فرص عمل، وفي رأيي فإن كل مليار دولار أمريكي يجب أن يساهم في خلق مائة ألف فرصة عمل جديدة بشكل مباشر أو غير مباشر. وثانيها: أن يكون لهذا المشروع مردودا مباشرا بشأن رفع أداء الاقتصاد القومي ككل وزيادة معدل النمو الاقتصادي. وثالثها: أن يكون له مردود علي التنمية الاجتماعية وتغيير حالة المواطن إلي الأفضل. ورابعها: أن يكون هذا المشروع نواة لمشروعات قومية فرعية متنوعة لها تأثير متنوع علي القطاعات الزراعية والصناعية والتجارية. وأما الشرط الخامس والأخير: فهو تنوع القطاع الجغرافي لهذه المشروعات، بحيث يكون لها تأثير علي المناطق الجغرافية المختلفة في مصر، حتي تتحقق عدالة التوزيع الجغرافي لآثار التنمية.


وللمشروعات القومية علي هذا النحو أمثلة متعددة، منها مشروع تنمية المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بكل ما يرتبط به من مشروعات فرعية صناعية ولوجيستية وبنية أساسية تستهدف خلق مليون فرصة عمل جديدة حقيقية بواقع مائة ألف فرصة عمل سنوياً، وزيادة قدرات مصر الصناعية والحد من العجز في الميزان التجاري. وأما المشروع القومي الثاني فهو محطة الضبعة الخاص بمحطة الطاقة النووية، وهو مشروع من شأنه رفع قدرات مصر لإنتاج الطاقة. ويجب أن يرتبط بهذا المشروع مشروع قومي آخر لا يقل عنه أهمية، وهو التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتكاملة لمنطقة الضبعة وظهير الساحل الشمالي، وزيادة الرقعة الزراعية.


وأما المشروع القومي الثالث، فيخص إعادة التقسيم الإداري لمحافظات الصعيد وتطوير قدراتها الإنتاجية ورفع مستوي الاستثمار الصناعي والزراعي بشأنها، ويجب ربط ذلك بمشروع حقيقي للتطوير الحضاري والتنموي للمناطق العشوائية والقضاء علي أسبابها وتحجيمها. وأما المشروع القومي الرابع، فيتصل بإعادة تطوير شبكة السكك الحديدية في مصر، فذلك شرط بديهي لرفع كفاءة التجارة الداخلية. وهناك مشروعات قومية أخري كثيرة لا تنتهي لتحقيق النقلة النوعية المصرية. وهذه المشروعات القومية الاقتصادية ليست بديلاً عن مشروعات قومية أخري ذات طابع اجتماعي؛ أهمها نهضة التعليم الأساسي والبحث العلمي.

وأما المسار الثاني؛ فيخص ثورة حقيقية لدعم وتطوير المشروعات الصغيرة، فنجاح التنمية الشاملة لن يتحقق أبداً بالمشروعات الكبري وحدها. الهند والبرازيل والصين وماليزيا وهونج كونج وتايلاند نماذج ناجحة وترجمة واقعية لأهمية المشروعات الصغيرة. الصناعات الكبري والمشروعات القومية وحدها غير قادرة علي استيعاب كافة الطاقات الشابة والتي تتولد في المجتمع المصري بواقع 700 ألف شاب يخرج إلي سوق العمل سنوياً. وتطوير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسات التشريعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة سواء من حيث تحديد مجالات الاستثمار، وسبل التأهيل الفني، وتطوير النظم المالية، والإتاحة المالية، وتوفير آليات التمويل والتسويق والتدريب، والتوزيع الجغرافي العادل لهذه المشروعات، وربط أنشطتها بسياسات الدولة التصديرية، حيث تساهم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في دول شرق آسيا بما لا يقل عن 60% من إجمالي النشاط التصديري.
كل هذه الأمور تعد مشروعاً قومياً بذاته لا يقل أهمية عن المشروعات القومية العملاقة لأن نشر ثقافة «زيادة المشروعات» وتحويلها إلي واقع هي السبيل الوحيد لتحقيق التنمية الشاملة والقضاء علي الفقر، وإدخال القطاع غير الرسمي إلي شرايين الاقتصاد القومي.

وأما المسار الثالث؛ فيتعلق بزيادة الاستثمارات المباشرة الخاصة، سواء كانت استثمارات مصرية أو أجنبية. حتي هذه اللحظة لم نفعل شيئاً جاداً لتحسين مناخ الاستثمار ورفع قدرتنا التنافسية لجذب الاستثمارات مباشرة حقيقية تستهدف التشغيل وتحقيق التنمية المستدامة... خفضنا الضرائب في 2005 ثم أعدنا رفع سعر الضريبة في 2013، ثم أعلنا عن خفض الضريبة عام 2015 ولم نخفضها فعلياً... أعلنا عن فرض ضرائب أرباح رأسمالية في 2014 ثم أوقفت الحكومة تطبيقها في 2015... أعلنا عن تطبيق ضريبة القيمة المضافة في 2014 ولم تتضح الصورة ونحن نقترب من نهاية 2015... هذا مثال واحد بشأن السياسات الضريبية المرتبكة، نعلن شيئا ونطبق عكسه في ذات الوقت، ناهيك عن عدم تحقيق أية تطورات أو تحسينات في الهيكل التنظيمي، وتعطيل نصوص تشريعية منها امتناع الحكومة عن تفعيل المجلس الأعلي للضرائب منذ عام 2005... هذا بإيجاز يعني تخبط السياسات الضريبية، ولن يتحسن مناخ الاستثمار إلا بوضوح السياسات الضريبية...

مثال آخر يتعلق بالسياسات النقدية بشأن سعر الدولار وحرية تحويله، فإلي أن تكون لدينا سياسات واضحة بهذا الشأن وجداول زمنية معروفة؛ لن تدخل استثمارات جديدة. لايزال مناخ الاستثمار وسياساته في مصر ضعيفا وغير واضح، ودون العمل بجدية علي ذلك سنظل علي هامش المنافسة مع دول العالم حولنا... كنا نقارن في شأن الاستثمار وقدرتنا علي جذبه في الماضي بكوريا الجنوبية، ثم صرنا نقارن أنفسنا بماليزيا، وبدأت أحلامنا تنحصر في نهاية التسعينيات لنلحق بفيتنام ثم تونس من بعدها، والآن نتخذ من المغرب نموذجاً يحتذي به... أرجو ألا يأتي اليوم الذي ينخفض فيه سقف طموحاتنا إلي ما هو أدني من ذلك... أفيقوا يرحمكم ويرحمنا الله... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك