الخميس، 17 سبتمبر 2015

«التغيير الحكومي كان حتمياً»

جريدة الاخبار - 17/9/2015

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده


انتقد الكثيرون التغيير الحكومي الأخير، كما يري البعض أن تغيير حكومة م.محلب الثانية في هذا التوقيت وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية بأسابيع قليلة أمر غير مبرر وقرار سياسي غير حكيم، فأي حكومة جديدة مهما كانت براعة أعضائها السياسية والفنية لن تستطيع أن تفعل شيئاً، وأن محصلة هذا التغيير مزيد من الإرباك والارتباك للجهاز الحكومي والدولة ككل.

واختلف جملة وتفصيلاً مع هذا الرأي، وأري أنه من الناحية السياسية لم يكن هناك أية خيارات أخري أمام القيادة السياسية سوي إقالة الحكومة رغم ضيق الوقت، ودقة الوضع السياسي، وشعبية المهندس إبراهيم محلب في الشارع المصري.

الحكومة بأخطائها الفادحة في الأسابيع الأخيرة، وانهيار التنسيق بين أعضائها، وتعرضها لهجمات وانتقادات غير مسبوقة في الإعلام المصري، وانهيار الثقة في قدرتها علي الاستمرار في قيادة الأمور، والاتهام بالفساد الذي طال بعض أعضائها، وظهور رئيس الحكومة بمظهر آخر من يعلم بشأن الاتهامات الموجهة لوزير الزراعة السابق، وتعطل الجهاز الوزاري عن اتخاذ القرار لعدم معرفة أي وزير باستمراريته من عدمها، ناهيك عن الضغط العصبي والنفسي الذي تعرض له كافة الوزراء، حتي أن أحدهم قد بكي لعدم قدرته علي تحمل الإهانات والضغوط النفسية، فالوزير وأسرته بشر لهم قدرة علي التحمل، فقد تحملوا ما لا يطيقه بشر، وظُلموا ظلماً بيّناً، ففارق كبير بين أن ننتقد سياسياً ونختلف في الرأي، وأن نبيح لأنفسنا أن نطلق الاتهامات والشائعات ونوجه الإساءات للوزراء دون ضابط أو رابط، فهذا المسلك الأخير يدخل في دائرة الأفعال المجرّمة.

في ظل هذا المناخ؛ كانت المحصلة حكومة فقدت الثقة - ربما بفعل فاعل - وصارت منهكة سياسياً وإدارياً إلي الحد الذي أصبحت معه - في رأيي - عبئاً سياسياً، وصارت مشلولة إدارياً غير قادرة علي الاستمرار. وكانت هناك بعض الإشارات التي لا يمكن تجاهلها، منها مناقشة الرئيس لقضايا تتعلق بالبنية الأساسية، وقضايا ثقافية، وقضايا تخص الاستثمار مع ممثلي دول أجنبية في غياب أي مسئول حكومي. ولم يكن أمام الرئيس السيسي سوي خيارات ثلاثة؛ أولها دعم الحكومة وإعلانه ثقته فيها حتي ولو اقتضي الأمر تعديل وزاري محدد، وثاني هذه الخيارات كان ترك الأمر علي ما هو عليه دون دعم من الرئيس أو تعليق منه، والخيار السياسي الثالث هو التغيير الوزاري، وطلب قيام الحكومة بتقديم استقالتها. وفي ظل هذا الوضع أعتقد أن الخيار الثالث كان حتمياً، فللأسف الحكومة - سياسياً - كانت قد انتهت صلاحيتها وفاعليتها، واستمرار الوضع علي ما هو عليه كان من شأنه إنهاك الجهاز الحكومي وأجهزة الدولة، ورفع درجة العصيان المدني، فللأسف صارت الحكومة سياسياً وإدارياً أضعف من المواجهة والاستمرار. وقد دارت بيني وبين بعض الأصدقاء منهم كتّاب وإعلاميون حديث بهذا الشأن قبل حدوث التغيير بأقل من 24 ساعة، وكنت أري أن التغيير حتمي وسيحدث لا محالة، وكان رأيي مبنياً علي التحليل الذي ذكرته أعلاه، وليس بناء علي معلومات.

والسؤال الذي طرحه البعض بشأن اختيار المهندس/ شريف إسماعيل وزير البترول كرئيس للوزراء، هل كان الاختيار متوقعاً؟... اختيار م.شريف إسماعيل بشخصه ربما لم يكن متوقعاً، ولكن اختيار وزير تكنوقراطي من داخل أعضاء مجلس الوزراء بكل تأكيد كان متوقعاً. فباستقراء كافة اختيارات رؤساء الوزراء علي مدي الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، فإن كافة رؤساء الوزراء كانوا من أعضاء مجلس الوزراء، سواء كانوا في الخدمة وقت اختيارهم - وهو الغالب - أو كانوا من الأعضاء السابقين في الحكومة. والاستثناء الوحيد - من بين أكثر من 14 رئيساً لمجلس الوزراء منذ عام 1980 حتي تاريخه - كان الدكتور عاطف صدقي -رحمة الله عليه - إذ كان رئيساً للجهاز المركزي للمحاسبات وقت اختياره رئيساً للوزراء. ومنذ عام 2004 فإن الاختيار دائماً كان يصب في مصلحة وزراء الخدمات والمرافق العامة، فالدكتور نظيف كان وزيراً للاتصالات، والفريق شفيق كان وزيراً للطيران المدني، والدكتور عصام شرف كان وزيراً للنقل، والدكتور/ حازم الببلاوي كان وزيراً للمالية ونائباً لرئيس الوزراء، والمهندس/ إبراهيم محلب كان وزيراً للإسكان، وأخيراً المهندس/ شريف إسماعيل كان وزيراً للبترول. إذاً طريقة الاختيار وآلياتها والمعين الذي يتم الاختيار منه لم يتغير.

وربما يكون للنظام السياسي أسبابه الوجيهة في ذلك، فمنصب رئيس الوزراء هو المنصب السياسي الأهم بعد منصب رئيس الجمهورية، واختيار رئيس وزراء من خارج الصندوق لم يختبر أمر يحمل قدرا من المخاطرة، ربما من وجهة نظر القيادة السياسية تكون مخاطرة غير محسوبة. ولذلك لم يكن من المستغرب في ظل المحددات ومعايير الاختيار السائدة في مصر علي مدار الخمسة والثلاثين عاماً الماضية - والتي لاتزال سارية حتي الآن - أن يقع الاختيار علي م.شريف إسماعيل، فهو تكنوقراطي ناجح في مجاله يعمل في صمت ودون ضجيج، له نجاحاته وقدراته الإدارية في مجاله، ملمّ بدواليب العمل الحكومي، له رؤياه الاستراتيجية وأدواته. التحدي الحقيقي ربما يكمن في ضيق التخصص، وقلة الخبرة بالعمل السياسي.

ويستطيع م.شريف إسماعيل النجاح في هذه الظروف الصعبة، ولكن شريطة تحقق عدد من الأمور؛ أولها تعيين أمانة فنية لمكتبه عالية المستوي قادرة علي دعمه علي مدار الأربع والعشرين ساعة، ثانيها تقسيم مجلس وزرائه لمجموعات عمل أربعة للتركيز علي ملفات الأمن القومي والانتخابات البرلمانية، والاستثمار والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية الإدارية والتنمية المحلية والمرافق. ثالثها في هذا الوقت الضيق يجب تحديد الأولويات بشكل واضح لكل وزارة بخطة تنفيذ معلنة بعيداً عن الأهداف العامة والمبهمة، رابعاً تشكيل مجموعة عمل وزارية وتابعة لها لملفات بعينها، كملف الانتخابات، وملف الطاقة، وملف المشروعات القومية. ومن الأمور الضرورية كذلك تخفيض عدد الوزارات لأقل قدر ممكن لضمان التنسيق والمتابعة وتحقيق الإنجازات في هذا الوقت الضيق. وأخيراً لابد من جهاز متخصص تابع لرئيس الوزراء مباشرة لضمان التنسيق الأفقي بين الوزارات، والمتابعة اليومية لتنفيذ القرارات. ويجب أن يكون هناك اجتماع أسبوعي دوري بعيداً عن ملفات بعينها أو أية اجتماعات بروتوكولية بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لضمان التنسيق والمتابعة.

أتمني النجاح للمهندس شريف إسماعيل، فنجاحه نجاح لمصر وإخفاقه هو إخفاق وتعثر لمصر في هذه المرحلة، وهو ما لا يتمناه أي وطني مخلص لبلاده. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

0 التعليقات:

إرسال تعليق