الخميس، 19 فبراير 2015

الأمن القومي لا يقف عند الحدود المصرية


جريدة الاخبار - 19/2/2015


إن الضربة الجوية لأهداف عسكرية للإرهابيين في ليبيا؛ لا يجب النظر إليها والتعامل معها علي أنها ضربة انتقامية أو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بل هو في يقيني نقطة البداية


1) الجماعات الإرهابية في ليبيا، ودور مصر في بناء ليبيا الجديدة:

حضرت في وقت حكومة د. عصام شرف عام 2011 لقاءً موسعاً يناقش أهمية تطوير وتنمية سيناء، وأن ذلك خطوة هامة لمواجهة الإرهاب هناك. واعترضت في ذلك الوقت علي إنشاء جهاز تنمية شبه جزيرة سيناء، وأن مزيدا من الأجهزة الحكومية بذات التركيبة والآليات التقليدية ستكون عبئاً علي سيناء ولن نتقدم معها خطوة واحدة. وقد حدث ما توقعته تماماً. ولكن الأهم في هذا اللقاء والذي استلفت انتباهي؛ هو ذلك الصوت الهادئ البعيد الذي كان يصرخ صرخة مكتومة، وهو صوت قائد حرس الحدود في ذلك الوقت، فقد وقف ليؤكد علي أن الخطر الأكبر الذي يواجه مصر وعلينا أن ننتبه إليه هو حدودنا الغربية مع ليبيا، فهي علي اتساعها مصدر الإرهاب الأكبر، والتهديد الأخطر علي الأمن القومي المصري، والنفق الأكبر لتهريب الأسلحة الثقيلة غير المشروعة إلي مصر، وتوجيهها لصدور المصريين وجنودهم. ليبيا منذ فترة طويلة افتقرت لمقومات الدولة بالمعني المؤسسي والتنظيمي، وانهارت تماماً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وصارت مرتعاً للميليشيات المسلحة، وجيباً للإرهاب. وتفتت الدولة؛ والخاسر الأكبر من ذلك الوضع بعد الشعب الليبي هو مصر؛ الذي يتهدد أمنها كل لحظة باستمرار الوضع علي ما هو عليه الآن في ليبيا. إن حماية الأمن القومي المصري لن تتحقق إلا بإعادة بناء الدولة الليبية، والتخلص من توغل سيطرة الجماعات الإرهابية علي حقول النفط الليبي ومقدرات شعبه. إن حماية الأمن القومي المصري تستوجب تفكيك كافة القواعد الإرهابية داخل ليبيا، وتجفيف منابع تمويلها. إن حماية الأمن القومي المصري يستلزم بناء جيش ليبي نظامي مؤسسي، وشرطة وطنية، ونظام تعليمي متماسك.

إن كل ما قامت به قوات تحالف الناتو -عن عمد- هو تفكيك أركان الدولة الليبية وإضعافها وتركها مشاعاً بين الجماعات الإرهابية. وللأسف فإن مصر عليها العمل مع حلفائها علي إعادة بناء ليبيا وجيشها ومؤسساتها علي الرغم من كل ما نعانيه في الداخل، فأمننا القومي يبدأ من ليبيا ومن قلب أفريقيا، ومن فلسطين، وأبعد من ذلك. إن حماية الأمن القومي المصري لا تقف عند حدود مصر، فاستقرار الخليج وحمايته من الأطماع الإيرانية التوسعية والعبث القطري، ووحدة العراق، والمحافظة علي الدولة السورية، وإقامة دولة فلسطين حرة، وإقامة علاقات تجارية واقتصادية وسياسية وثيقة مع أفريقيا، كلها تصب في حماية مصر من الداخل، وتصب في صميم الأمن القومي المصري.

لقد ضعفت مصر، وتهدد أمنها القومي حينما انكبت علي مشاكلها الداخلية، وتقوقعت داخل حدودها، فلمن يقرأ التاريخ ويستوعبه جيداً يعرف أن انحسار دور مصر الإقليمي يضعفها من الداخل ويهدد أمنها القومي، وهذا ما يريده أعداؤها لها.

إن الضربة الجوية لأهداف عسكرية للإرهابيين في ليبيا؛ لا يجب النظر إليها والتعامل معها علي أنها ضربة انتقامية أو محاولة لامتصاص الغضب الشعبي، بل هو في يقيني نقطة البداية، أو هكذا يجب أن تكون، لكي يكون لمصر كلمتها في تشكيل المحيط الإقليمي، ولن يكون ذلك نزهة، فأعداء مصر مهمتهم -في المقام الأول والأخير- انغماس مصر في مشاكلها الداخلية، وإضعافها من الداخل، وحصرها داخل حدودها، وإضعاف دورها السياسي والإقليمي. إن مصر يجب أن تكون فاعلاً وليس مفعولاً به في عالمنا العربي والأفريقي، وبناء النظام الإقليمي الجديد. مصر قادرة علي ذلك -إن أرادت- علي الرغم من التحديات الجسام التي نواجهها.

2) المحافظون الجدد:

علي الرغم أنني مازلت غير مقتنع بتوقيت حركة المحافظين الجديدة، وأنه كان الأفضل سياسياً وتنظيمياً أن تكون هذه الحركة بعد الانتخابات البرلمانية وتكوين الحكومة وفقاً لأحكام الدستور، إلا أنني أتمني النجاح لهؤلاء المحافظين الجدد، فالمحافظ حتي في ظل المركزية المصرية بمثابة رئيس الدولة داخل محافظته. وأدعو المحافظين الجدد إلي أن تكون بداية التحرك من داخل ديوان المحافظة، فمهما كان طموحك ورؤيتك الواضحة ورغبتك الأكيدة في التغيير والتنمية والنجاح؛ فإن رؤيتك وطموحاتك لن تذهب إلي أبعد من حدود مكتبك لو لم تحسن اختيار المعاونين، ورؤساء الأحياء والهيئات التابعة، ومن يؤمنون بذات الرؤية، ومن أصحاب الخبرات والخلفيات الناجحة. وعليك بهدم كل حوائط البيروقراطية. بداية النجاح هو الإصلاح المؤسسي داخل المحافظة. اللينك
استمع الي مقالي عبر منصة اقرأ لي.. ارجو ان ينال اعجابكم. اللينك 

0 التعليقات:

إرسال تعليق