السبت، 8 سبتمبر 2012

أزمة الإقتراض الحكومى وترشيد الدعم



مجلة السياسى - 2/9/2012

سألني أحد الصحفيين الشبان هل تحتاج مصر إلي الإقتراض للخروج من الازمة الحالية؟

فأجبته أن الإقتراض الحكومى من الخارج أو الداخل لا يكون إلا في حالات الضرورة القصوي وبشكل إستثنائي.

فسألني وهل نحن في حالة ضرورة الآن؟ أجبته للأسف نعم في حالة ضرورة، وأصبح الإقتراض شر لا مفر منه للحد من آثار الأزمة الإقتصادية الحالية ، فحجم العجز في الموازنة أي إنخفاض الإيرادات عن المصروفات يتراوح ما بين 30 إلي 35 مليار دولار أمريكي، أي أن حجمى العجز اليومي يبلغ 500 مليون جنيه، أي أن الحكومة تواجه يومياً عجز لمواجهة إحتياجاتها (500 مليون جنيه في اليوم الواحد)!!
كما وصل حجم الإحتياطي الأجنبي إلي حوالي 11 مليار دولار أمريكي بعد ان كان 40 مليار في بداية عام 2011.

فمصر تنفق شهرياص (4) مليار دولار أمريكي يصلها إيراد قدره (2) مليار دولار أمريكي فقط، وحجم الفاقد من التدفقات النقدية يصل تقديره إلي 25 مليار دولار أمريكي نتيجة توقف الإستثمارات وضعف التدفق السياحي. والمحصلة 20 مليون عاطل عن العمل بكل مايحمله ذلك من عبء إنساني وأخلاقي وإجتماعي وسياسي.

فالإقتراض ضرورة لسد العجز في الميزانية الجارية، وضرورة لمواجهة أوضاع ومخاطر حالة مؤقتة.

ولكن الإقتراض عبء علي الدى المتوسط والطويل ولايصلح لتحقيق التنمية والنهضة والإستقلالية.

فالإقتراض من صندوق النقد الدولي وغيره من مؤسسات التمويل الدولي يعد من قبيل حالات الضرورة لمواجهة أزمة عاجلة، ولكنه أبداً لا يعد حلاً لمشاكلنا، واذا لم يكن هذا الإقتراض مصحوباً بإجراءات إصلاحية، إقتصادية، وإجتماعية ومؤسسية حقيقية وعاجلة فإنه سيكون وبالاً علي مصر إقتصادياً وسياسياً وإجتماعياً.

فنحن لسنا بحاجه الي صندوق النقد الدولي ليقول لنا لابد من زيادة الإنتاج، وتشجيع الإستثمار، وترشيد الدعم الحكومي وضمان وصوله لمستحقيه. فهذه أمور علينا أن نبدأ بها فوراً ودون لكاعة. ومن الأمور التي تلكعنا فيها كثيراً حتي وصلنا إلي ما وصلنا إليه هو مسألة "دعم المواد البترولية" الذي بلغ قدره في موازنة 2011/2012 حوالي 96 مليار جنيه. ويمثل هذا الدعم قيمة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع هذه المواد بأسعار تقل عن تكلفة توافرها للسوق المحلي سواء عن طريق الإنتاج المحلي أو إستيراد بعضها من الخارج.
والأصل في مفهوم الدعم أن يكون دعماً للفقراء لإعانتهم علي مواجهة أعباء الحياة والحصول علي الخدمات الأساسية والضرورية للحياة بتكلفة معقولة يستطيعون تحملها. ولكن للأسف فانه بسبب سوء السياسة والفساد والانهيار المؤسسي، فإن 80% من هذا الدعم يذهب للقادرين وغير المستحقين، ويعمق العجز في الموازنة وأصبح يستفيد من الدعم سكان المنتجعات والعمارات الشاهقة، وأصحاب السيارات الفارهة، والفنادق والمصانع الكبيرة. وتشمل المنتجات البترولية (الغاز الطبيعي والبوتاجاز والبنزين والسولار والكيروسين والمازوت). وأنبوبة البوتاجاز علي سبيل المثال تقع تكلفتها الفعلية بحوالي 60 جنيه للانبوبة، سعرها الرسمي أقل من 5 جنيهأي تتحمل الموازنة علي الأقل 55 جنيه، ويتم بيعها في الأسواق ما بين 20 جنيه و30 جنيه أي أن أكثر من 35% من الدعم يذهب الي الوسطاء والوق السوداء؟!

وقد ظلت الحكومات المتعاقبة علي مدار 40 سنة الماضية مرتعشة ومترددة من مواجهة هذه المشكلة التي تفاقمت حتي أصبحت مسألة تهدد بالإنفجار في أية لحظة. والموازنة الحالية 2013/2013 خفضت بالفعل حجم الدعم للمنتجات البترولية من حوالي 96 مليار جنيه الي حوالي 70 مليار جنيه أي أن التخفيض وصل في الموازنة الحالية إلي حوالي 26 مليار جنيه. وكان من المتوقع البدء في خفض الدعم وإجراءات ترشيده منذ أكثر من شهرين ولم يحدث ذلك حتي الآن. يجب أن نصارح الشعب المصري بحقيقة الأزمة وأبعادها وكيفية الخروج منها، يجب أن يكون الشعب شريكاً حقيقياً في القرار وصاحب الإختيار، لا يمكن أيتها الحكومة الإستمرار في سياسات التعتيم والمفاجأة، علينا بمواجهة الشعب بالحقيقة وجعله جزءً من الحل، وليس جزءً من المشكلة، علينا أن نجعل من هذا الشعب فاعل وليس مفعول به.

يا حكومة لا تتواري خلف صندوق النقد الدولي، والإدعاء بأن رفع الدعم وترشيده مفروض علينا من قبل المؤسسات الدولية، فأكرم للشعب المصري والحكومة أن يتخذ القرارات الصعبة، ويواجها الأزمات معاً بدلاً من فرضها علينا من الغير. فقد بلغ الشعب المصري سن الرشد ولم يعد قاصراً،  وأصبح قادراً علي اتخاذ القرارات الصعبة لبناء حاضر ومستقبل يليق بهذه الأمة، صارحوا الناس بالحقائق فهذا هو الحل.

ويجب أن يكون للحكومة سياسة واضحة بشأن الإصلاح المؤسسي، ودعم الإستثمار، والتنمية الإجتماعية، وترشيد الإنفاق الحكومي. وهناك قرارات أكثر صعوبة سيستعين علي الحكومة الحالية إتخاذها منها التوقف عن دعم الجنيه المصري في مواجهة الدولار وترشيد دعم السلع الغذائية.




0 التعليقات:

إرسال تعليق