الخميس، 23 يوليو 2015

هل نحن جادون في مواجهة التطرف؟

جريدة الاخبار - 23/7/2015

إن إسناد معالجة التطرف الديني للمؤسسة الأمنية ومؤسسة الأزهر دون تطوير دور المؤسسات الثقافية والتعليم ومراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني لن يحد من التطرف

التطرف والإرهاب ظاهرتان لا يجب التعامل معهما بذات المنطق وبذات الآلية. وإن كان التطرف مقدمة ضرورية للإرهاب. الإرهاب مواجهته أمنية في المقام الأول. أما التطرف فمواجهته تكون بشتي الطرق، وأقلها أهمية وتأثيراً هو المواجهة الأمنية.

الحد من التطرف يعني الحد من الإرهاب بالضرورة، والحد من التطرف يعني حماية أسس ومقومات الدولة الاجتماعية والثقافية والسياسية والدينية، كما أن الحد من التطرف يعني تطور المجتمع وتقدمه وليس مجرد المحافظة علي الدولة.

مشكلتنا في مصر كما أظهرت إحدي أوراق العمل التي شارك في إعدادها د/ يوسف ورداني ود. إيمان رجب بشأن قضايا التطرف، هو الطابع الانتقائي للتعامل مع أشكال التطرف. فسياسة الحكومة الداخلية الحالية لاتزال تتعامل مع التطرف الديني علي أنه الشكل الرئيسي للتطرف، مع التجاهل التام للأبعاد الأخري مثل التطرف الاجتماعي، والتطرف الإعلامي، والتطرف السياسي، بل والتطرف الأكاديمي والرياضي.

فما نلاحظه الآن من انتشار ظاهرة التخوين والإقصاء والقذف بالعمالة، واستخدام الألفاظ الخادشة للحياء عبر التليفزيون وشبكات الإنترنت كلها مظاهر للتطرف الاجتماعي والثقافي. إن جوهر مكافحة التطرف بكل صوره له علاقة بكيفية التعامل مع الآخر، وكيفية تطوير المجتمع ليسمح بالتعايش مع المختلف بكل ما يفترضه ذلك من وجود احترام ما للأفكار المختلفة.

فمواجهة التطرف بكل صوره يعتمد علي نشر ثقافات وتعاليم التعايش مع الآخر، وترسيخ قيم الحوار والموضوعية في النقاش، والاعتراف بحق الآخر في الاختلاف سواء كان هذا الآخر فريقاً رياضياً أو مشجعاً، أو كاتباً صحفياً أو إعلامياً أو حزباً سياسياً أو فناناً أو رجل دين طالما أن هذا الآخر لا يكفر ولا يخون ولا يسعي لهدم المجتمع أو الدولة.

ونشر هذه القيم يبدأ بالتعليم، وبالتزام الدولة المطلق بتطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التنمية الشاملة.

الحكومة في مصر تتعامل مع قضايا التطرف بنظرية اليوم بيومه أي بشكل لحظي وأحياناً انتقائي مرتبط دائماً بقضايا الإرهاب في حين أن قضية التطرف مستقلة تماماً عن الإرهاب، والذي يعد النتاج الظاهر للتطرف.


الحكومة المصرية لا تتعامل مع قضية التطرف بشكل مؤسسي فلاتزال تعتمد علي إدارة مكافحة الإرهاب في التعامل مع قضية التطرف.


إن إسناد معالجة التطرف الديني للمؤسسة الأمنية ومؤسسة الأزهر دون تطوير دور المؤسسات الثقافية والتعليم ومراكز الفكر ومؤسسات المجتمع المدني لن يحد من التطرف، إن خلق شراكة بين هذه المؤسسات جميعاً لتكون قادرة علي مكافحة التطرف بصورة فعالة دون انتقاله إلي الأجيال الجديدة من الشباب أمر لازم لحماية المجتمع والدولة من الانهيار.

ولا شك أن دعوة الرئيس السيسي علي أهمية تجديد الخطاب الديني خطوة مهمة نحو مكافحة التطرف، كما أن دعوته للأزهر لتحمل مسئولياته خطوة أخري رئيسية نحو الطريق الصحيح. ولكنها خطوة غير كافية. فنحن بحاجة لما هو أبعد من تجديد الخطاب الديني، نحن بحاجة إلي القضاء علي فقه التقليد والجمود، نحن بحاجة لفتح باب الاجتهاد والتطوير المؤسسي لمشيخة الأزهر ذاتها.

يجب أن نتعامل مع هذه المسألة بحذر شديد، فدعوة الرئيس كما فهمتها لا تعني حصر الدور المصري في مجال مكافحة التطرف في مؤسسة الأزهر، إن الدعوة كما فهمتها هي أن تكون مصر بكل مؤسساتها الحكومية ومراكزها الفكرية والتعليمية الدولة القائدة في مجال مكافحة التطرف في المنطقة، وليست طاقة التطرف.

كلمة أخيرة في شأن السياسة النقدية للبنك المركزي:
هاجم بعض المصرفيين دعوتي بضرورة تفعيل المجلس التنسيقي بين الحكومة والبنك المركزي بشأن أهداف السياسة النقدية. إن اقتراحي بتفعيل المجلس التنسيقي ليس اختراعاً، بل هو مطالبة بتفعيل القانون، فالمادة (5) من قانون البنك المركزي تنص بوضوح وبشكل لا يحتمل التأويل علي أن «يضع البنك المركزي أهداف السياسة النقدية بالاتفاق مع الحكومة، وذلك من خلال مجلس تنسيقي يشكل بقرار من رئيس الجمهورية». فهل المطالبة بتفعيل القانون وتطبيقه أمر صار محلاً للنقد؟!

ما أحوجنا في هذه المرحلة إلي التنسيق بين السياسات النقدية والمالية.... هل أنتم سعداء بهذه الجزر المنعزلة.......... هل مطالبة البنك المركزي بالإعلان عن أهداف سياسته النقدية جريمة تستحق النقد؟! هل مطالبة الحكومة بأن تعلن عن سياستها المالية، وألا تعمل بمعزل عن البنك المركزي أمر يتعارض مع استقلالية البنك المركزي. البنك المركزي طبقاً للمادة 5/1 من قانون إنشائه مسئول عن (تحقيق الاستقرار في الأسعار وسلامة النظام المصرفي في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة).

فكل ما نطالب به التنسيق بين السياسات النقدية والسياسة الاقتصادية العامة للحكومة إن وجدت !! اللينك 
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 16 يوليو 2015

الدروس المستفادة من يوميات مواطن في إدارة المرور

جريدة الاخبار - 16/7/2015

أما آن الأوان لكي نبدأ بجدية في تفعيل النظم الإلكترونية في الجهات الحكومية؟! أما آن الأوان لتطبيق نظم السداد المالي عن طريق التليفون والكروت كما يحدث في «كينيا»؟!!

اشتريت مؤخراً سيارة جديدة صغيرة الحجم لكي تعينني علي التحرك داخل شوارع القاهرة التاريخية ووسط البلد المزدحم. والسيارة كانت علي الزيرو، وقد قررت أن أقوم باستخراج الرخصة للسيارة بنفسي دون إجراء توكيل مستغلاً وجود بعض السويعات القليلة المتاحة يوم السبت. وابتداء مواعيد المقابلات من الساعة 12 ظهراً في هذا اليوم. فتوجهت إلي إدارة مرور 6 أكتوبر مع مندوب الشركة البائعة في تمام الساعة التاسعة والنصف. وتبدأ إجراءات استخراج الرخصة بإجراء الفحص الفني واستخراج بصمة لموتور وشاسيه السيارة، وتوقعت أن يأخذ هذا الإجراء 10 دقائق علي الأكثر، إلا أنه استغرق ثلاث ساعات تقريباً.

والبداية كانت بطابور طويل للسيارات في منتصف الشارع الجانبي، وكان طابور الفحص بطبيعة الحال له أجنحة متعددة. ووقفت جميع السيارات مختلطة ببعضها البعض، سيارات النصف نقل مع سيارات الأتوبيس الخفيفة مع سيارات الميكروباص بجوار سيارات الركوب القديمة، وتزاحمها سيارات الركوب الحديثة. ولكم أن تتصوروا شكل طابور الفحص.

وتلاحظ لي منذ اللحظة ثلاثة أمور: أولها، قلة عدد الفنيين المسئولين عن أخذ البصمة بالمقارنة لعدد السيارات محل الفحص. والأمر الثاني، هو اتباع إجراءات بدائية في أخذ البصمة وخلو أيدي الفنيين من أية آلات أو معدات حديثة تتناسب مع التطور الحاصل في صناعة السيارات، فكانت البصمة تؤخذ بذات الطريقة التي كانت تؤخذ بها عام 1983 -وهو العام الذي رخصت فيه أول سيارة في حياتي، وكانت صناعة شركة نصر (فيات 127). وأما الأمر الثالث، فهو أن إجراء الفحص وكل ما يتخذ من إجراءات يتم في الشارع في عز الحر وفي ظروف غير آدمية لا للعاملين ولا لأصحاب السيارات.

وبعد انتظار في طابور السيارات محل الفحص لمدة ساعة تقريباً، جاء عليّ الدور. وقد لاحظت محاولات متكررة من الفني المختص للتهرب من فحص سيارتي، وقررت التوجه إليه مباشرة ببعض الغضب وسألته عن السبب، فرد قائلاً: «أخذ بصمة العربية دي بياخد منّي علي الأقل ساعة لأنها بتيجي من المصنع عليها شمع، والفتحة المخصصة للموتور ضيقة جداً، وليس معي معدات». وكان يوجد صبي يتجول بين السيارات فهمت أنه مساعد فني مسئول عن فك بعض أجزاء الموتور حتي يقوم الفني بأخذ البصمة.

وكانت أيدي الفني المختص ملتهبة نتيجة كثرة تلامسها بالمواتير الساخنة للسيارات، وبها بعض الحروق الخفيفة، فأشفقت عليه، واتخذت قراراً بالمخاطرة بفك أجزاء من موتور السيارة مما يمكن فكه، وفك خراطيم المياه مع تسرب مياه البطارية حتي يمكنه الحصول علي البصمة. واستغرق الأمر أكثر من ساعة ونصف حتي وصلت الساعة 12:20، ولم تكن البصمة واضحة، ولكن تم فك شفراتها برقم الشاسيه الموجود علي فاتورة البيع.وبعد هذه العملية القيصرية؛ كانت المفاجأة أن الخزينة تغلق في تمام الساعة 12 ظهراً!!ومن ثَمّ لم يكن من الممكن استكمال الإجراءات، وكان واجباً أن تعود في يوم آخر. ورغم الصدمة وفوات مواعيدي كنت سعيداً بالخروج من هذا الفخ والهروب من حرارة الشمس الملتهبة.

ونظراً لظروف عملي لم أستطع العودة في اليوم التالي، ولكن عدت إلي إدارة مرور 6 أكتوبر بعد يومين لاستكمال الإجراءات، وكنت أكثر حيطة فذهبت في تمام الساعة التاسعة صباحاً، وأخذت معي مندوبين وليس واحداً لكي يقف كل منّا في طابور مختلف للإسراع بالإجراءات حيث كنت مضطراً للمغادرة في تمام الساعة 10:30 للحاق بمواعيد العمل في ذلك اليوم. ولكن للأسف لم تأت الرياح بما تشتهي السفن، فكانت الطوابير طويلة والإجراءات بطيئة. وتلاحظ لي وأنا داخل المبني أنه لا يوجد به جهاز تكييف واحد إلا في غرفة الكمبيوتر، وكان رئيس وحدة المرور يجلس خلف موظفيه في نفس الغرفة في ظروف أقل ما توصف به أنها غير لائقة وغير مريحة للعمل.

وأثناء وقوفي للانتظار وجدت صديقا لي يقوم بتجديد رخصة سيارته وكانت سيارة BMW، فضحكت وقلت له بنظرة الخبير «قدامك ساعة علي الأقل». وتم رفع سيارته بشكل بدائي علي قطعة حديد، وكان من الممكن أن تقع السيارة علي الفني ولكن ربنا سترها، وبالطبع لا يوجد أي غطاء أو جرار أو قطعة قماش حتي ينام عليها الفني أثناء الفحص، ولكن كان ينبطح علي الأسفلت في عز حرارة الشمس لأخذ البصمة.

وأعود مرة أخري لرخصتي، ففي تمام الساعة 11:30 صباحاً -بعد ساعتين بالتمام والكمال- جاءت الصيحات من كل جانب للنداء علي اسمي لتبشيري بأن الرخصة قد صدرت وحان استلامها، فجريت فرحاً -بعد أن ضاع عليّ موعدي الأول- واستلمت الرخصة، وحان موعد الذهاب لاستلام اللوحة المعدنية. ووقفت في غرفة اللوحات المعدنية، وهي غرفة صغيرة بها اثنان من مساعدي الشرطة، ولا تحتوي علي أية شبابيك أو نور ، وطبعاً لا يوجد بها أي تكييف أو حتي مروحة. المهم طال انتظاري لاستلام اللوحات لمدة تزيد عن نصف ساعة تقريباً، وكانت الحركة غريبة فتساءلت بحدة، فكانت الإجابة الصادمة أنه لا يوجد لوحة معدنية بنفس الرقم الموجود علي الرخصة المطبوعة!!! فالبيان يتم إفراغه يدوياً، ثم يتم طبع الرخصة إلكترونياً، وواضح أن مساعد الشرطة قد أعطي رقم لوحة معدنية مختلف غير موجود لديه بطريق الخطأ. فتساءلت: وما الحل؟ عموماً حصل خير، نأخذ رقم لوحة آخر؛ فكان الرد الصدمة أن البيان علي الرخصة نزل علي قاعدة البيانات بمدينة نصر، ويجب تحرير مذكرة، والذهاب إلي الإدارة المختصة بمدينة نصر لتصحيح الخطأ وتغيير رقم الرخصة!!!

ظللت متماسكاً من هول الصدمة، وطلبت من المختص أن يعطيني الرخصة وتوجهت بها إلي الضابط المختص رئيس وحدة المرور، وبعد دقيقتين تفهّم وجود الخطأ، والحق يقال، أنه قام بنفسه وفوراً بالاتصال بالجهات المختصة، وأعلمهم بالخطأ وقال علي المكالمة بالحرف الواحد: «يا فندم الغلطة من عندنا ولا يجب أن يتحملها الدكتور...، فأرجو التصحيح علي مسئوليتي، وسأرسل المذكرة غداً». وبعد خمس دقائق تم تسليمي رخصة جديدة برقم جديد، واستكملت الإجراءات، وخرجت باللوحات المعدنية في تمام الساعة الواحدة تقريباً.

أخلص من هذه الرحلة، أن عملية استخراج رخصة سيارة جديدة عالزيرو استغرقت تقريباً سبع ساعات عمل موزعة علي يومين، وأهدرت وقتاً وجهداً دون طائل أو داع.وأننا مازلنا نعمل بنفس الآليات البدائية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، علي الرغم من تطور صناعة السيارات علي مدار هذه الأعوام،والتطور التكنولوجي والإلكتروني وتوفر نظم الحاسب الآلي، والسداد المالي الإلكتروني -والذي يطبّق الآن بشأن المخالفات المرورية؛ إلا أننا مازلنا نتبع الأدوات العقيمة ونقع تحت مخاطر الخطأ البشري خاصة في ظل ظروف عمل صعبة.

أما آن الأوان لكي نبدأ بجدية في تفعيل النظم الإلكترونية في الجهات الحكومية؟! أما آن الأوان لتطبيق نظم السداد المالي عن طريق التليفون والكروت كما يحدث في «كينيا»؟!! أما آن الأوان لكي نخلق للعاملين في الجهات الحكومية بيئة آمنة للعمل، وبيئة نظيفة ومريحة؟!! أما آن الأوان لمراجعة الدورات المستندية داخل مؤسساتنا الحكومية والتخلص من كل ما هو غير ضروري؟!!

أقولها منذ عشرين عاماً، وسأظل أقولها حتي آخر العمر... الطفرة الحقيقية ونقطة الانطلاق تبدأ من الإصلاح المؤسسي لأجهزتنا الحكومية، ولنبدأ بالتدريج. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 9 يوليو 2015

الدولار وسنينه

جريدة الاخبار - 9/7/2015


أثار قرار البنك المركزي المصري مؤخراً برفع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري بحوالي 20 قرشاً خلال يومين متتاليين جدلاً كبيراً ما بين مؤيد ومعارض.

ودعوني أبدأ ببعض الحقائق التي قد لا تكون واضحة لدي الكثيرين. إن أهداف البنك المركزي طبقاً لقانون إنشائه، القانون رقم 88 لسنة 2003 تنحصر في هدفين رئيسيين، وهما تحقيق الاستقرار في أسعار السلع والخدمات، أي الحد من التضخم وارتفاع الأسعار كهدف أول. أما الهدف الثاني فهو العمل علي سلامة النظام المصرفي ومتانته في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة. وعلي الرغم من استقلالية البنك المركزي، فإن القانون يفرض علي البنك المركزي والحكومة، بأن يقوم البنك المركزي بوضع أهداف سياسته النقدية بالاتفاق مع الحكومة، وذلك من خلال مجلس تنسيقي يشكل بقرار من رئيس الجمهورية.


ولا يكفي أن يُدعي محافظ البنك المركزي إلي اجتماعات اللجنة الاقتصادية الوزارية بل يجب أن يكون ذلك من خلال مجلس تنسيقي يتم فيه الاتفاق علي أهداف السياسة النقدية. وللأسف هذا المجلس التنسيقي معطل الآن دون سبب واضح.
والبنك المركزي يعمل علي تحقيق هذه الأهداف من خلال آليتين رئيسيتين، الأولي هي السياسات النقدية عن طريق وسائل متعددة بما في ذلك إدارة السيولة النقدية في الاقتصاد القومي والتأثير في الائتمان المصرفي، وتنظيم وإدارة سوق الصرف الأجنبي، وذلك بهدف الحد من التضخم وارتفاع الأسعار. أما الآلية الثانية فهي الرقابة علي البنوك بغرض المحافظة علي سلامة القطاع المصرفي.

فتنظيم وإدارة سوق الصرف الأجنبي هو من صميم عمل البنك المركزي.
ولكن هناك حقيقة هامة أخري يجب أن نعيها، أنه مهما كان أداء البنك المركزي جيداً، فإن السياسات النقدية وحدها لا تكفي ولن تحقق أية نتائج إيجابية؛إذ أن أداء الاقتصاد الكلي ضعيف، والسياسات المالية والضريبية مرتبكة، والتدفقات النقدية من العملة الأجنبية محدودة، والميزان التجاري به عجز بحيث تعتمد مصر في وفاء معظم احتياجاتها علي الاستيراد بالعملة الصعبة. ويجب أن نذكّر بأن نجاح سياسات البنك المركزي عام 2004 وما تلاها، وانخفاض سعر الدولار الأمريكي بعد تعويم الجنيه المصري عام 2003، وزيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي إلي 35 مليار دولار أمريكي؛ كل هذا لم يكن ممكناً لولا تحسن أداء الاقتصاد القومي ككل، وزيادة التدفقات النقدية بالعملة الأجنبية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية بمعدل غير مسبوق.
فالبنك المركزي وحده والسياسات النقدية بمعزل عن السياسات المالية، وتحسين أداء الاقتصاد القومي ككل لن تؤدي إلي نتيجة، ولن تحمي قوة الجنيه المصريِ، ولن تقضي علي السوق السوداء مهما فعلنا، ولن تزيد من الاحتياطي النقدي الأجنبي. بل أقولها بشكل واضح؛ أن السياسات النقدية الحالية بمعزل عن كل ذلك ستؤدي إلي سلبيات أكثر، وتؤدي إلي الانكماش الاقتصادي ورفع التضخم وليس الحد منه.

فإذا أردنا أن نتأمل قرار البنك المركزي الأخير بتخفيض قيمة الجنيه ودوافعه؛ فلا شك أن للبنك المركزي مبرراته، فانخفاض اليورو في مقابل الدولار الأمريكي إزاء الأزمة المالية في اليونان، وارتباط الجنيه المصري بالدولار، أدي إلي انخفاض اليورو في مواجهة الجنيه المصري، حيث انخفض اليورو بأكثر من جنيه ونصف تقريباً خلال شهر واحد تقريباً، وهو ما يعني عملياً أن منتجات اليورو صارت أرخص، وعملياً أصبح الاقتصاد المصري يدعم الواردات الأوربية، وهو ما كان يقتضي التدخل من البنك المركزي. في ذات الوقت لم يعد من المنطقي تثبيت سعر الدولار بشكل غير واقعي، والتأثير السلبي علي حصيلة مصر من الصادرات رغم محدوديتها، ولهذا أيضاً كان لابد من تدخل البنك المركزي. كما أن إدارة النقد الأجنبي بإجراءات فوقية تحد من السيولة المتاحة لن تؤتي بثمارها علي المدي الطويل، وإنما هي مجرد تحركات تكتيكية.

المشكلة تكمن أن هذه القرارات للبنك المركزي تُتْخَذ بشكل منعزل ودون تنسيق حكومي، وهذا في رأيي خطأ مشترك بين الحكومة والبنك المركزي، فلا شك أن رفع قيمة الدولار في هذا التوقيت سيؤدي إلي ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه، فعلي الرغم من تخفيض الجنيه علي نحو لا يزيد علي 2%؛ فإن الأثر التضخمي لذلك ربما يتعدي 10% نتيجة غياب منظومة تنظيم الأسعار في السوق، وانعدام الرقابة، وضعف المنافسة، وآليات حماية المستهلك. كما أن سياسات البنك المركزي الأخيرة بغرض الحد من آثار السوق السوداء لا شك أدت إلي إحداث انكماش اقتصادي وتأثير سلبي علي العديد من الأنشطة والصناعات، وهو ما يتعارض مع السياسة المالية للحكومة والتي تستهدف زيادة الإنفاق وتنشيط الاقتصاد.

أيضاً سياسات البنك المركزي الأخيرة يشوبها بعض الغموض، فصار من غير المعلوم ما هي سياسات البنك المركزي المقبلة، وأصبحت السياسات النقدية غير واضحة، فاختيار الإجراءات وتوقيتها رخصة وحق للبنك المركزي، ولكنها يجب أن تكون في إطار سياسات نقدية معلنة علي الحكومة وللمستثمرين، ومن قبلهم جميعاً المواطنين.

الخلاصة، أننا نعاني من عدم التنسيق بين السياسات المالية والنقدية، ونعاني أكثر من غموض السياسات المالية والنقدية علي حد سواء، وهذا هو بيت الداء، فلا تزال سياساتنا النقدية والمالية تدار بمنطق الحرب خدعة، وهذا أمر يضر الاقتصاد والاستثمار بشكل كبير، فهذا الغموض يحول دون التخطيط والبناء. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 2 يوليو 2015

الزيارة الأخيرة لمكتب النائب العام

جريدة الاخبار  - 2/7/2015


آخر لقاء جمعني بالراحل الشهيد المستشار/ هشام بركات كان منذ حوالي ثلاثة أسابيع تقريباً. النائب العام هشام بركات كان المسئول الوحيد في مصر الذي أطرق بابه دون موعد مسبق رغم مسئولياته الجسام. في آخر لقاء جمعني به ذهبت إلي مكتبه لسبب طارئ يتعلق بالعمل، ودون موعد مسبق. دخلت إلي مدير مكتبه والذي يعرفني جيداً، فبادرته، كالعادة جئت دون موعد، فرد عليّ فوراً ده سيادة النائب طلب نتصل بك.

فدخل وفي أقل من دقيقة عاد، وقال لي تفضل، واستقبلني النائب العام بابتسامة هادئة كعادته، فبادرته أنا جاي النهاردة زيارة وتجارة مش جاي لوجه الله علشان عندي مشكلة، فضحك وتعانقنا... كان لديه قدرة عالية وموضوعية علي التفرقة بين العام والخاص، فلم تؤثر علاقته الإنسانية أبداً علي ضمير القاضي، ولا علي حياديته، وكان يعلم أقدار الناس جميعاً ويحترم الجميع، ولم يكن يجامل أحداً كائناً من كان دون وجه حق.

في هذا اللقاء الأخير، ناقشني في فكرة إقامة مشروع سكني لشباب معاوني ووكلاء النيابة، وقد قامت النيابة بالفعل بشراء هذه الأرض من هيئة المجتمعات العمرانية وبسعر مرتفع جداً. وصارحته بأن هذا السعر مرتفع وأن التكلفة ستكون غالية. ولكنه بادرني بالقول «أنا عاوز أولادي (ويقصد أبناءه من أعضاء النيابة) يكونوا مستريحين وعايشين بكرامة ومش محتاجين، القاضي العادل لازم تكون كرامته وحياته مصونة». لم يكن مهموماً فقط بالقضايا الجنائية ولكنه كان مهموماً ببناء شخصية وكيل النائب العام وبصون كرامته وباستقلاليته، ولقد كان نموذجاً للإدارة المتميزة. وقلت له بس سيادة النائب انتم اشتريتم الأرض بسعر عالي، فرد عليّ يعني يا دكتور هنبقي مسئولين عن حماية المال العام، ونشتري لأولادنا أعضاء النيابة بأقل من سعر المثل. ومع ذلك انا عاوز اديهم بيوت محترمة ودن إرهاقهم مالياً.

كان رمزاً للعدالة بكل ما تعني الكلمة، وقاضياً جليلاً بالمعني الحرفي للكلمة. وفي ذلك اللقاء دخل أحد المستشارين السابقين، وبدا عليه أنه فوق الخمسة والسبعين عاماً، وكان يتصرف بأريحية شديدة، واستقبله النائب العام بكل تبجيل واحترام، وعرفت من الحوار أن هذا المستشار الجليل كان رئيساً للدائرة التي كان النائب العام عضواً بها في مستهل حياته القضائية، وقد شاهدت هذا القاضي المحترم يتلقي العزاء في النائب العام أمس. وكانت دلالة ذلك أنا النائب العام الراحل كان يحترم ويجل زملاءه ورؤساءه السابقين ويعترف لهم بالجميل ويعاملهم بكل التقدير دون نكران، وهذا ما جعله محبوباً بين زملائه ورؤسائه السابقين ومرءوسيه. وفي ذات اللقاء، وأثناء حديثنا استأذن أحد أعضاء المكتب الفني للحصول علي توقيع النائب العام. وبعد قيامه بالتوقيع، نظر لي قائلاً: «جبت للناس حقها بالقانون ليه مصرين علي الخروج علي القانون». واستطرد قائلاً: أنا لسه موقع علي أمر بحبس ضابط شرطة، وخلاصة المسألة أن أحد أصحاب معارض السيارات احتك بضابط الشرطة وأهانه وقام بالاعتداء عليه، فقام النائب العام بإصدار أمر بالقبض علي صاحب المعرض، ولكن لم ير الضابط أن هذا الأمر كافٍ، فقرر التسلل إلي قسم الشرطة والاعتداء علي المواطن المحبوس، فما كان من النائب العام حين اتصل علمه بالواقعة إلا أن أصدر أمراً بالقبض علي ضابط الشرطة، ولم يكن يجامل في الحق، ولا يفرق بين أحد من أبناء الوطن، ولم يكن يحركه شيء سوي الواجب والعدل. وأعلم أن التدخل في عمله كان خطاً أحمر فكان يقدس معني الاستقلالية للنيابة العامة والقضاء.

ومن بين ما ناقشناه في هذه الزيارة الأخيرة، كان مشروع قانون السجون، وأبدي النائب العام قلقه مما راجعه، وتراجع دور النيابة العامة في الإشراف علي السجون في المشروعات الأولية المعروضة عليه، وكانت وجهة نظره أن الرقابة علي السجون من النيابة العامة واجب والتزام يجب حمايته لأنه حق للمواطنين، وأنها ليس مسألة وجاهة بل أمر ضروري لحماية حقوق الإنسان.

دارت في عقلي ملامح هذا اللقاء الأخير كشريط للذكريات، وكلها تعكس قيمة ومقام هذا الرجل العظيم الذي فقدناه علي أيدي الغدر والخيانة. كان يعشق مصر وترابها، وكان إنساناً بسيطاً، وهو في غمرة انشغاله لم ينس أن يحدثني عن آخر أحفاده من ابنه الوحيد، وأنه سعيد به لأنه الحفيد الأول الذي يحمل اسمه ولقب العائلة، حيث إن أحفاده الآخرين من بناته، وداعبته يا سيادة النائب حضرتك صعيدي ولا إيه فقال كلهم حتة مني بس ده أول حفيد يشيل اسمي!! كان منتهي آماله وقد صارحني بذلك أن يعود إلي منصة القضاء بعد انتهاء مدة عمله كنائب عام وان يحظي بقدر من الراحة مع أسرته.

كان إنساناً محباً لبلده وعائلته ومهنته ويحترم نفسه احتراماً لمهنة القضاء ومسئوليته باعتباره المحامي الأول لمصر. رأيته كيف يعامل أعضاء النيابة كبيرهم وصغيرهم بكل الاحترام، وكيف يستمع إليهم ويحرص علي مناقشتهم.

إن اغتيال المستشار هشام بركات لم يكن اعتباطاً، فهو رمز للقضاء والعدو الأول للإرهاب، وصاحب قرار النيابة بفض اعتصامات رابعة، ولم يكن يهاب الموت. وكان يتوقعه بصدر رحب في سبيل بلاده. إن اغتيال النائب العام ليس مجرد اغتيال لشخصه بل محاولة لإرهاب قضاة مصر والنيل من عزيمتهم، وعزيمة المصريين.... هذه الخسة والنذالة يجب ألا تثنينا عن الاستمرار في مسيرة الإصلاح والتنمية.أرادوا باغتياله ان يكسروا هيبة الدولة وأن يرهبوا الشعب،ولن يفلحوا.

تعلو الأصوات الآن بضرورة إقامة محاكمات عسكرية واستثنائية سريعة لقادة التكفير وزعماء الظلام لاستئصالهم بأسرع وقت. وأقولها بصوت عال، إن قوة مصر، وقوة الدولة تكمن في تطبيق القانون، وتحقيق العدالة الناجزة من خلال القضاء العادي، وليس من خلال المحاكمات الاستثنائية.إن هناك ألف طريقة لتطوير أداء القضاء العادي وتحقيق العدالة الناجزة. الدولة القوية لا تنتقم، ولا تثأر، وإنما تطبق القانون وتقيم العدل، وإحدي صوره القصاص وفقاً لأحكام القانون وبإجراءات عادلة وناجزة. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 25 يونيو 2015

قناة السويس الجديدة، وقطاع الكهرباء .. دلالات إيجابية في زمن صعب

 
جريدة الاخبار - 25/6/2015

في المقال السابق، أشرت إلي أهمية تطوير أساليب الإدارة للمؤسسات والأجهزة الحكومية، وأنه آن الأوان لاتباع أسلوب إدارة «الرؤية»، وهو ما يعني تحديد أهداف واضحة للمستقبل وإسناد المهمة التنفيذية لمن هو قادر علي تنفيذ هذه الرؤية. وأكدنا علي أن هذا الأسلوب يمكن معه نقل مصر نقلة نوعية في وقت قياسي، شريطة أن تكون هذه الرؤية محددة وقابلة للقياس، وأن تكون آثارها الإيجابية واضحة لعموم الناس.

والحقيقة أن لدينا مثالين ناجحين علي هذا الأسلوب الأمثل للإدارة، وأنه في أقل من عام واحد حققنا ما يشبه المعجزة بكل المقاييس.

المثال الأول هو قناة السويس الجديدة، فالفكرة بدأت منذ عام حين طرح الفريق مميش رؤية واضحة تتمثل في ضرورة أن تكون قناة السويس قادرة علي المنافسة لخدمة أجيال قادمة وقادرة علي استيعاب التطوير السريع في حجم السفن العالمية وزيادة القدرة الاستيعابية للقناة، ومواجهة أية منافسة أو مشروعات لقنوات بديلة أو طرق برية بديلة كخط السكة الحديد المزمع إقامته للربط من إسرائيل حتي الصين.

ففكرة حفر قناة موازية بطول 37 كيلومتراً مربعاً وعرض أربعمائة متر وعمق يستوعب السفن العملاقة وناقلات البترول هو رؤية استراتيجية للحفاظ علي قناة السويس باعتبارها محوراً رئيسياً للتجارة العالمية، وحفاظاً علي ثروة قومية وتنميتها.

وحينما تكون الرؤية واضحة يكون القرار السياسي سهلاً وحاسماً وواضحاً، وهنا كان قرار الرئيس السيسي قاطعاً بإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ، وفي زمن قياسي.
وحينما تكون الرؤية واضحة من الناحيتين الفنية والسياسية يكون الدعم الشعبي قوياً ومضموناً، وهو ما تمثل في الإقبال الشعبي علي السندات التي بلغت 64 مليار جنيه، وفي اعتبار المشروع مشروعاً قومياً لأجيال قادمة.

لقد سعدت وشرفت بالمرور بالقناة الجديدة أمس، والمشروع قارب علي نهايته. وهناك أمور كثيرة تعكس في رأيي النجاح، وهي ليست فقط عملية الحفر، وإنما الأهم العملية اللوجستية الخاصة بنقل العمال وإعاشتهم سواء في فنادق عائمة أو في أماكن مخصصة، وهم عشرات الآلاف، تابعت بانبهار إجراءات السلامة، وأنا أشاهد (45) حفاراً عملاقاً، كانت الساعة حوالي الثالثة بعد الظهر، تمر بالقناة الجميع يعمل بسلاسة وبهمة وهدوء وكأنك لست في موقع عمل، وإنما في نزهة بحرية خلابة. هذا هو النجاح الحقيقي في رأيي للإدارة، تمر بالموقع دون أدني مساس بالملاحة في القناة الأصلية.

مشروع القناة الجديدة يرتبط معه تنمية 461 كيلومتراً مربعاً لإنشاء مناطق صناعية وتجارية قادرة علي جذب ما لا يقل عن 30 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة خلال الخمس سنوات القادمة تساهم في خلق ما لا يقل عن خمسمائة ألف فرصة عمل.

فحفر قناة السويس الجديدة مصحوب برؤي اقتصادية واجتماعية مهمة لا تقل أهمية عن القناة الجديدة ذاتها، أهمها زيادة معدل التشغيل وخفض معدل البطالة، وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وزيادة قدرة مصر التصديرية، وإعادة بناء أسطول تجاري يساهم في رفع القدرة التنافسية لمصر، وخفض العجز في الميزان التجاري.

بالمناسبة إن حفر القناة الجديدة وتطوير وتنمية منطقة قناة السويس هو تنفيذ لالتزام واستحقاق دستوري، فالمادة (43) من الدستور الجديد تنص علي «التزام الدولة بحماية قناة السويس وتنميتها، والحفاظ عليها بصفتها ممراً مائياً دولياً مملوكاً لها كما تلتزم بتنمية قطاع القناة باعتباره مركزاً اقتصادياً متميزاً.

إن حفر قناة السويس الجديدة مشروع قومي وليس مجرد تفريعة كما يقول البعض للانتقاص من الإنجاز، ومحاولة جلد الذات. لدينا سلبيات كثيرة، ولكن إذا اتبعنا أسلوب الإدارة الحديثة برؤية سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وآليات للمتابعة التنفيذية سنكون قادرين علي تحقيق إنجازات تفوق كل توقعاتنا، علينا أن نؤمن بأنه لا بديل عن الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة لتحقيق التنمية.

مثال آخر رائع علي إمكانية النجاح والتحول السريع. وهو ما يجري الآن في قطاع الكهرباء، الجميع يتذكر انقطاعات الكهرباء، ومآسي المستشفيات والبيوت وتوقف المصانع، وتعطل ماكينات الري وكيف أن محطات الكهرباء الحكومية كانت تعمل بأقل من 30% من طاقاتها الإنتاجية بسبب التوقف عن صيانتها. مرة أخري، توفرت رؤية واضحة نحو زيادة الطاقة الإنتاجية للكهرباء، وتوفرت خطة تنفيذية عملية مدروسة لأعمال الصيانة، ورفع الكفاءة الإنتاجية، وتحرير سعر التعريفة علي الشرائح الفنية والأكثر استهلاكاً، وتم وضع منظومة منضبطة لتوسيع دور القطاع الخاص في عملية إنتاج وتوزيع الكهرباء، وطرح مشروعات جادة للطاقة المتجددة، والحد من نزيف الدعم، وتوسيع قدرة الشبكة القومية، فكانت المحصلة في أقل من عام تقريباً، هو الحد من ظاهرة الانقطاع الكهربائي، وزيادة الطاقة الإنتاجية، إن مشكلة مصر خلال عامين من الآن ستتحول من قلة الطاقة الكهربائية المتاحة، إلي زيادة في الطاقة المتاحة!! وهو ما سيستلزم إعادة النظر في سياسات تصدير الطاقة والتصنيع ويساهم في خطط التطوير الزراعي.

مرة أخري الإصلاح المؤسسي والإدارة الجيدة والرؤية الواضحة والدعم السياسي كانت عوامل لتحقيق معجزة في عام واحد.. وبالمناسبة أيضاً فإن خطة وزارة الكهرباء في دعم التوسع في استخدام الطاقة المتجددة هو تنفيذ لالتزام دستوري جاء في المادة 32/2 من الدستور الجديد، والتي تنص علي التزام الدولة «بالعمل علي الاستغلال الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة، وتحفيز الاستثمار فيها».

ليست كل الأمور حولنا سيئة بل هناك أمثلة إيجابية ونجاحات تتبلور علي أرض الواقع. آمل أن نشهد طفرة حقيقية في القطاع الصناعي والتعليم خلال العامين القادمين، نحن قادرون علي النجاح إن شئنا. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك

الخميس، 18 يونيو 2015

ما هي أهمية الرؤية الحكومية ومعناها؟

جريدة الاخبار - 18/6/2015

لنفترض أن هناك 3 مجموعات من الأفراد متواجدة في إحدي الحدائق، وبدأت عاصفة رعدية تنذر بأمطار غزيرة، فقام رئيس المجموعة الأولي بالوقوف وصاح في أعضاء مجموعته: «اجروا ورايا فوراً»، وابتدي يزعق في الناس اللي ما قاموش معاه.

أما رئيس المجموعة الثانية فقام بهدوء وقال لأعضاء مجموعته: «آدي الخطة، كل واحد منا هيقوم يقف ومافيش داعي للجري، وكل واحد ياخد معاه حاجته واتأكدوا انكم ماسبتوش حاجة أو أي متعلقات، وهنمشي بهدوء لغاية ما نوصل لشجرة التوت، وياريت كل واحد يسيب خطوتين بينه وبين اللي جنبه، ولما هنوصله نعمل كذا وكذا...وأنا أتابع مع واحد واحد بيعمل أيه

أما رئيس المجموعة الثالثة فقال لأعضاء مجموعته: «الدنيا هتمطر بعد بضع دقائق، إيه رأيكم نتحرك لهناك ونقعد تحت شجرة التوت الضخمة دي، وبكده مش هنغرق من المطرة وهنعرف ناخد غدانا ونحلي كمان من شجرة التوت».

رئيس كل مجموعة من الثلاثة كان عاوز ينقذ مجموعته من الأمطار، ولكن الفارق بينهم جوهري الأول: أسلوب الإدارة الديكتاتوري المفتقر إلي رؤية واضحة، المهم نبعد ونجري عن المطر، إزاي؟ مش مهم، ولم يطلع أعضاء مجموعته علي هدفه، وما هي الفائدة التي تعود عليهم، واعتمد علي اصدار قرارات فورية.

أما رئيس المجموعة الثانية فأدار المسألة بشكل تفصيلي، ولم يعط أي دور لأعضاء مجموعته وألغي دورهم تماماً، وأعتمد علي فلسفة الإدارة الفوقية التفصيلية  Micro Management.

أما رئيس المجموعة الثالثة فوضع رؤية - أي هدف واضح جداً في المستقبل، والنتائج والآثار الإيجابية لهذا التحرك والواجب الوصول إليها، ودون أن يغرق نفسه وغيره في التفاصيل.

وهذا ما نريده من الحكومة، أن تتبع الأسلوب الثالث مع وزرائها وأجهزتها التنفيذية. لا يمكن تحقيق الإصلاح الاقتصادي أو الاجتماعي بمجرد تعليمات وقرارات فوقية -كما حدث في الطريقة الأولي- ولايمكن تحقيق نجاحات حقيقية -كما في الطريقة الثانية-بأن يقوم رئيس المجموعة أو يحاول أن يدير كل شيء وأن يتابع كل التفاصيل، فهذا سيعيق الإصلاح بشكل سريع، وسيجعل الجميع في انتظار تعليمات محددة حتي يتحرك، ولن يتحرك أحد من نفسه. أكيد المتابعة التفصيلية من القيادة ستحقق نتائج إيجابية في بعض المناطق والجهات، ولكن لن تحقق التغيير الشامل، وإنما تغيير أو إصلاح جزئي.

أما التغيير الحقيقي وتجاوز حائط الصد البيروقراطي فلن يحدث إلا باتباع الأسلوب الثالث في الإدارة، هذا الأسلوب يعتمد علي وجود رؤية واضحة وآليات للمتابعة، ومشاركة للتنفيذين في أتخاذ القرار.

الرؤية تعني وضوح صورة المستقبل، مع التوضيح لعموم الناس لماذا يجب أن يعمل الجميع علي تحقيق هذا المستقبل.


الرؤية الجيدة تستهدف تحقيق أغراضا ثلاثة: الأول: توضيح الاتجاه العام للتغيير، مثل أن يقال نريد أن يكون ترتيب مصر رقم (80) علي مستوي العالم من حيث جودة التعليم الأساسي بدلاً من الترتيب الحالي رقم (141)، وذلك خلال 3 سنوات. أو أن نقول أننا نحتاج أن يصل معدل البطالة إلي 9% خلال 3 سنوات من الآن بدلاً من 13،5%. أو أن أخلق مليون فرصة عمل سنوياً اعتباراً من عام 2017.

هذه الطريقة تبسط وتمهد من القرارات الواجب اتخاذها لتحقيق هذا الهدف، ويجب أن يكون الهدف محددا وواضحا، فما ينفعش تيجي الحكومة تقول: «هدفنا التشغيل» وتسكت، أو «هدفنا إصلاح التعليم» وتسكت، أو «هدفنا القضاء علي البطالة» وتسكت... الرؤية تعني وضوح الهدف وإمكانية قياسه، تحديد الرؤية من ناحية تانية: تحفز الناس وأصحاب القرار علي التحرك واتخاذ قرارات في الاتجاه الصحيح.

فلو أن لدينا رؤية واضحة بشأن العشوائيات، فهذه الرؤية تعني أنه بعام 2018 سينخفض عدد العشوائيات إلي 50 فقط، فهذا لا يعني إصلاح ما هو قائم، أو هدم بعضها أو إجراء عملية إحلال وتبديل، بل أيضاً العمل علي تجنب وجود أو توسع عشوائيات قائمة من خلال إجراءات وآليات محددة.

وأخيراً، فإن تحديد الرؤية يساعد علي التنسيق بين تحركات وقرارات العشرات بل المئات من الهيئات والأجهزة الحكومية وآلاف العاملين في هذه الجهات.

فعلي سبيل المثال، لولم تكن السياسات المالية والضريبية لوزارة المالية متسقة مع سياسات وزارة الاستثمار وسياسات وزارة الخارجية والصناعة، والسياسات النقدية للبنك المركزي، فإن النتيجة ستكون جزرا منعزلة وقرارات تسير عكس بعضها البعض، وهذا في رأيي ما يحدث الآن بالضبط داخل الحكومة المصرية.

والرؤية لدي الحكومة يجب أن تكون واضحة ومحددة، وجاذبة لعموم الشعب إلي الالتفاف حولها ودعمها، وقابلة للتحقيق والتحقق من تنفيذها، ويجب أن تكون مرنة تسمح للتنفيذيين باتخاذ قرارات متنوعة تحقق هذه الرؤية، ويمكن محاسبتهم علي مالم يتم تحقيقه منها. كل وزير وكل رئيس هيئة لازم يكون عنده أهداف تفصيلية محددة له يحاسب عليها سنوياً إذا لم تحقق يتم إقصاؤه، والمسئولية يجب أن تكون تضامنية بين كل مجموعة من الوزراء لضمان التنسيق بينهم، فوزير المالية شأنه شأن وزير الاستثمار ووزير التجارة مسئول عن زيادة معدل النمو الاقتصادي ورفع معدلات الاستثمار.

نحتاج إلي رؤية في أي منحي من مناحي العمل الحكومي، في التعليم، والسياحة، والاستثمار، والسياسات المالية، والصحة، والمرافق العامة، والبحث العلمي، والآثار... إلي آخره، ويجب أن يكون لنا أولويات؛ فالعمل بدون أولويات يجعل الإصلاح مستحيل.

وسؤال ختامي: أين نحن الآن من مشروع المليون فدان زراعي، ولماذا أخفقنا بشأن الألف مصنع؟ نحتاج إجابة.

وللحديث بقية... اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك 

الخميس، 11 يونيو 2015

صندوق تحيا مصر والاستثمار البشري

جريدة الاخبار - 11/6/2015

أشرف بعضوية مجلس أمناء إحدي الجمعيات الأهلية، والتي أسستها إحدي الشركات المصرية المعروفة. وقد تأسست هذه المؤسسة التي لا تستهدف الربح عام 2007. وقد قامت هذه الشركة بالتبرع لجمعية القلعة التي أسستها بمبلغ 50 مليون جنيه، علي أن تقوم الجمعية باستثمار هذه المبالغ، واستخدام عائد الاستثمار السنوي في تقديم منح دراسية للمصريين الشباب غير القادرين مالياً علي مواصلة الدراسات العليا في الخارج. وهذه المنح يصل عددها سنوياً إلي حوالي 20 منحة. ورغم تقديم منح لأكثر من 150 طالبا علي مدار السنوات الثماني الماضية، فإن أصل المبلغ المتبَرع به قد زاد ولم ينقص نتيجة استثماره بشكل احترافي وحكيم. وقد شاركت هذا العام في اختيار ومناقشة المتقدمين للمنح الدراسية، وبلغ عدد أصحاب المنح (17) تم اختيارهم من مئات المتقدمين.

وهؤلاء الشباب تم بالفعل قبولهم في أفضل الجامعات في العالم، منها جامعة كامبردج، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة هارفارد، وبيركلي، وغيرها من الجامعات الرائدة في العالم. وتنوعت الاختصاصات؛ منها دراسات متخصصة في التعليم، والتنمية البشرية، والإدارة، والطب، والهندسة، والكمبيوتر، والتأليف الموسيقي، والحقوق، والاقتصاد، والجيولوجيا، وغيرها من التخصصات. وكثير ممن تم اختيارهم هذا العام يعملون بجهات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني.

واللقاء بهؤلاء الشباب يعطي جرعة إيجابية وتفاؤلية بالمستقبل القريب، وجميعهم لديهم طموحاتهم لبناء مصر جديدة، وجميعهم مؤهلون للقيادة. وأصحاب رؤية في مجال تخصصاتهم وقد استمعت أيضاً لبعض العائدين من دراساتهم، وتابعت تقارير عن مدي تفوقهم في الخارج وإنجازاتهم في الداخل.. وتتراوح أعمار هؤلاء الشباب بين 24 عاماً و27 عاماً تقريباً.. والمنح تقدم لدراسة الماجستير وليس الدكتوراه، وتغطي نفقات الدراسة والمعيشة الكريمة بالكامل خلال فترة الدراسة.

كل ما تطلبه المؤسسة من هؤلاء الشباب النابه؛ هو العودة إلي مصر والعمل بها علي الأقل مدة ثلاث سنوات. فالالتزام أقرب إلي أن يكون التزاما أدبيا منه التزام قانوني. والحقيقة أن نسبة الالتزام بين هؤلاء الشباب تجاوزت علي مدار الـ 8 سنوات الماضية الـ 95%، ولا توجد سوي حالتين استمر أصحابهما في الخارج ولأسباب معقولة، حيث تم حصولهم علي منح للدكتوراه من جامعاتهم في الخارج.

هذا النموذج لهذه الجمعية هو تطبيق كامل لفكرة «الاستثمار البشري» الذي هو أهم صور الاستثمار. الاستثمار في الإنسان المصري هو الشيء الوحيد والضمانة الأساسية لنمو هذا المجتمع. هذا النموذج أيضاً تطبيق بدرجة امتياز لفكرة «المسئولية الاجتماعية» للشركات ورجال الأعمال، فمثل هذه المساهمات الإيجابية في بناء المجتمع هي التي تصحح الصورة الذهنية الخاطئة -في رأيي- التي تولدت لدي عموم الشعب المصري لرجال الأعمال والشركات الصناعية والاستثمارية. وأرجو مخلصاً من الإعلام المصري أن يفرد مساحة لعرض هذه النماذج الايجابية. وبالمناسبة مؤسسة القلعة ليست الوحيدة في هذا المجال، فسبقتها بخمس سنوات تقريباً مؤسسة ساويرس، وأنا علي يقين أن هناك مؤسسات خاصة أخري تعمل في ذات المجال، فهناك مؤسسة أيضاً أسسها بعض رجال الأعمال تعطي منحاً دراسية سنوية لتطوير مهنة التمريض في مصر.

في هذا السياق لي مقترح محدد لصندوق تحيا مصر، وهو أن يخصص من موازنته السنوية مبلغاً يستثمر بشكل مستقل واحترافي، ويخصص عائده السنوي لمنح دراسية في حدود مائة منحة سنوية في دراسات الماجستير والدراسات التطبيقية للشباب المصري من العاملين بمؤسسات الدولة المختلفة، كوزارة الكهرباء، أو البترول، أو التعليم، أو الري، أو النقل، أو التخطيط، أو الاستثمار. وأن يركز هذا البرنامج علي تأهيلهم أيضاً للقيادة الإدارية في مجال تخصصهم. وحتي لا يتوهوا بعد عودتهم أو يتم اضطهادهم لابد من إنشاء بنك للمعلومات يضم هؤلاء وخبراتهم، ولابد من الحرص علي تسكينهم داخل مؤسساتهم بشكل احترافي، واستمرار عملية التأهيل لهم للقيادة في المستقبل ومتابعتهم بشكل دوري. الاستثمار في العقول أفضل بكثير لمصر من الاستثمار في الأسمنت- رغم أهمية الأخير وضروريته في عملية البناء والتنمية. أرجو من صندوق تحيا مصر ألا يلتفت عن هذه الفكرة وأن يدرسها بعناية، وأن يكون له دور في تأهيل جيل قيادي للمستقبل القريب.

وفي هذا السياق أيضاً أرجو من السيد وزير التعليم العالي إعادة النظر في برامج المنح الدراسية للجامعات، لا شك أن هذه المنح أصبحت شحيحة جداً، فبعض المعيدين والمدرسين المساعدين تخرجوا منذ أكثر من عشر سنين ولايزالون في انتظار المنحة الدراسية ولو بالنظام المعروف باسم الإشراف المشترك، وهو نظام عقيم، وغير مفيد إذا طبق منفرداً.

مقترحي يتخلص في أن توجه وتركز إدارة البعثات علي منح دراسية في الماجستير في كبري الجامعات العالمية، والتوقف عن منح الدكتوراه في المرحلة الحالية. يستهدف هذا الاقتراح الآتي: توسيع قاعدة الاستفادة من الموارد المحدودة، لأن طالب الدكتوراه يُنفَق عليه ما يعادل الإنفاق علي أربعة أو خمسة طلاب ماجستير أو دراسة تطبيقية. ومنح الماجستير فوائدها العلمية ليست قليلة، فطالب الماجستير لن ينجح إلا إذا كان يجيد لغة الدراسة، وسيكون مضطراً للانخراط في المجتمع الذي يعيش فيه، وسيكون مؤهلاً بسهولة بعد الحصول علي الماجستير للاستمرار في الدكتوراه لغةً وعلماً وكيفاً، وسيكون من السهل عليه مواصلة البحث العلمي حتي ولو كان في مصر. وهنا فقط يمكن المزج بين نظامين: منحة ماجستير كاملة، ومنحة لمدة سنة لدراسة الدكتوراه بنظام الإشراف المشترك.

أرجو من وزير التعليم العالي مناقشة هذا الاقتراح، فالعالم يجري من حولنا، ولا أمل لنا لتحقيق التقدم إلا من خلال تطوير منظومة التعليم المصري، والاستثمار في العقول البشرية. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك 

الخميس، 4 يونيو 2015

المستثمرون العرب والأجانب .. نظرة تفاؤل

جريدة الاخبار - 4/6/2015

سافرت إلي دبي لإلقاء كلمة عن فرص الاستثمار في مصر، وقد تلقيت هذه الدعوة من أحد البنوك التجارية العالمية، وكان المدعوون الرؤساء التنفيذيين والمديرين الماليين لكبري الشركات العالمية، وصناديق الاستثمار المباشر.

وكان الانطباع العام لديّ أن المستثمرين الأجانب والعرب ينظرون إلي المستقبل في مصر بشكل إيجابي وبنظرة أكثر تفاؤلاً منّا نحن المصريين، وأن مصر لا تزال محطا للاهتمام الحقيقي. وكان لدي الجميع تساؤلات كثيرة كان أهمها: هل تري رغم كل التحديات أنه لا تزال هناك فرص حقيقية للاستثمار؟ وكانت إجابتي أن مصر رغم كل شيء لا تزال الدولة رقم (1) المؤهلة للنمو والقدرة علي جذب الاستثمار في العالم العربي، وأننا لو أحسنّا إدارة مواردنا وعملنا علي الإصلاح المؤسسي بشكل أكثر جدية فسنكون من أقوي 30 اقتصاداً علي مستوي العالم بحلول عام 2030، أي في أقل من خمسة عشر عاماً. هذا حلم قابل للتحول إلي واقع، وإنني أدرك التحديات ومنها سوء الحالة الإدارية للدولة والبيروقراطية وتردي كفاءة العمالة ومشكلات الطاقة ومع ذلك فإن لدينا كافة المقومات لتحقيق الحلم. فهناك تنوع في الأنشطة الاقتصادية في مصر غير متوافر في أي مكان آخر، فهناك مقومات لتطوير النشاط الصناعي بكافة صوره، ونشاط الخدمات، وقطاع الاتصالات، والبنية الأساسية، والتنمية الزراعية، ونشاط التعدين، والتنمية العقارية، والنشاط السياحي... إلخ.



ولا يزال هناك سوق قابل للنمو واستيعاب كافة المنتجات، وقادر علي التصدير. وحتي هذه اللحظة لم نستغل الموقع الجغرافي لمصر، وقناة السويس، وموانينا البحرية التي تجعل من مصر مركزاً حيوياً للتجارة العالمية، وتفتح أمام العالم الأسواق في كل القارات.

ورغم كل المخاطر السياسية والقانونية التي تحيق بالاستثمار في مصر، فلا يزال عائد الاستثمار من أعلي العوائد، وهو ما يجعل مصر مركزاً مهماً لجذب الاستثمار.

من الأسئلة التي طرحها المستثمرون كذلك؛ إلي متي ستظل الحكومة تفرض قيوداً علي تحويل الأرباح والعملة الأجنبية إلي الخارج؟ وكان ردي أنه لا توجد أية قيود قانونية علي تحويل الأرباح إلي الخارج، ولا توجد أي موانع قانونية تحدّ من حق الأجانب في تحويل أرباحهم أو أموالهم إلي عملة أجنبية وتحويلها إلي الخارج، ولكن الصعوبات عملية نتيجة عدم توافر سيولة من النقد الأجنبي وشُح العملة، وهو ما يأخذ وقتاً حتي يتم توفير العملة ليضطر المستثمر إلي الوقوف في الطابور. وهي أزمة طارئة، وسبق أن تعرضت مصر عام 2003 لأزمة مشابهة وكانت أكثر قسوة وأنه بمجرد تحسن الوضع الاقتصادي بنهاية 2004 وتدفق الاستثمار وتوافر السيولة النقدية انتهت المشكلة. وقلت إنه في ظل ثورتين متتاليتين لم يمنع أجنبي أو مصري من تحويل أمواله إلي خارج مصر، وقلت إن لديّ قناعة أنه لن يمنع أحد في المستقبل من ذلك. ولكن ما نتعرض له سيزول بتحسن الوضع الاقتصادي، وقلت إن هذه الأزمة في رأيي ستزول في أقل من عام من الآن.

ومن الأسئلة التي لاتزال تحيّر كثيرا من المستثمرين والشركات العالمية العاملة في مجال التجارة الدولية؛ هو سياسات البنك المركزي بشأن وضع حد أقصي علي الإيداع بالبنوك بالعملة الأجنبية، وعدم توفير العملة الأجنبية بالبنوك لكثير من الأنشطة باعتبارها ليست من الأنشطة الاقتصادية ذات الأولوية. وقد أثر ذلك سلباً علي كثير من القطاعات - ومنها استيراد السيارات - إلي الحد الذي توقف معه وكلاء شركة مرسيدس عن الاستيراد، وهذه مسألة مختلفة عن توقف مرسيدس ذاتها عن الإنتاج في مصر.

وكان ردي باختصار، أن سياسة البنك المركزي في هذا الشأن كانت تستهدف في المقام الأول محاصرة السوق السوداء، إلا أن تبعية هذه السياسات أرهقت كافة القطاعات، وأثرت سلباً علي العديد من المصانع وقدرتها علي الإنتاج، بما فيها مصانع قطاع الأعمال العام، كما حدث مع الشركة الشرقية للدخان، علي الرغم من أن عوائدها لا تقل عن 75% من إجمالي أرباح شركات قطاع الأعمال العام مجتمعة. وفي رأيي أن البنك المركزي سيبدأ تدريجياً في التخفيف من حدة الآثار السلبية خلال الشهور الثلاثة القادمة، فالطريقة الوحيدة الممكنة للقضاء علي السوق السوداء هو تغيير العملة الأجنبية من خلال البنوك. فطالما يوجد عجز في العملة لدي البنوك فسيوجد سوق سوداء، وطالما يوجد سعران لأي سلعة أو خدمة - سعر حقيقي وسعر غير حقيقي- فسيكون هناك سوق سوداء.

ومن الأمور التي لاتزال محيرة، هو ما يتعلق بأزمة الضريبة علي البورصة، وشرحت التفاصيل التي أحاطت بهذا الأمر، ولي رجاء عند الحكومة أن تدرس الأمر بشكل احترافيي، وأن تستعين بأصحاب الخبرة قبل إصدار القانون الخاص بوقف ضريبة الأرباح الرأسمالية بالبورصة لمدة عامين. فقد أزعجتني بعض التصريحات المنسوبة لوزير الاستثمار - التي أتمني أن تكون غير صحيحة - عن نية الحكومة في عدم سداد ما تم تحصيله تحت حساب الضريبة من الأجانب خلال الفترة من صدور القانون بالضريبة وحتي صدور القانون بوقف الضريبة... هذا كلام غير قانوني، فما تم تحصيله كان تحت حساب الضريبة، وبأي منطق تحصّل الحكومة ضريبة من الأجانب فقط دون المصريين علي نفس المعاملة؟ رجاء تعاملوا مع الأمر بحذر.
خلاصة رحلتي القصيرة وحواري مع المستثمرين العرب والأجانب علي حد سواء أن الجميع يتطلع إلي الولاية الأولي للرئيس السيسي في الجمهورية الرابعة بتفاؤل وأمل وثقة نحو تحقيق التنمية والنمو. اللينك
استمع الي المقال عبر منصة اقرأ لي.. اللينك